وسائل التواصل الاجتماعي كمنبر ثقافي تنموي

تعاظم دور وسائل التواصل الاجتماعي بشكل كبير في السنوات العشر الأخيرة، ولم تعد مجرد وسيلة للتواصل بين الأفراد والمعارف، بل باتت مصدرا لتناقل الأخبار والمعلومات ووجهات النظر، وبهذا تضيف نوعا آخر من الإعلام، مغايرا عن الإعلام التقليدي من صحف، ومجلات وراديو وتلفزيون، سأسميه "الإعلام الاجتماعي" لأنه يجمع أفرادا ومؤسسات تمثل كافة طبقات المجتمع ومن مشارب ثقافية فكرية واقتصادية مختلفة، تتمتع عادة بحرية التعبير والنشر.

حرية التعبير والنشر تبدو للوهلة الأولى تغييرا إيجابيا وتطورا نوعيا في التواصل بين الأفراد لتناقل الأخبار والأفكار والمعلومات، وهذا النهج صحيح وقائم في كثير من منابر هذا الإعلام المجتمعي ويجب تعزيزه، لكن للأسف هناك أيضا الكثير من المخاطر التي تحملها سهولة النشر ونقل الأخبار والمعلومات، بالذات حين يكون النشر يحمل معلومات كاذبة أو رسالات تحريضية أو محاولات ابتزاز، ويكون أخطر حين تكون هذه الوسائل مصدرا ومنبرا لمناكفات وصراعات تفرق بين الناس فتزيدهم ضعفا وتعزز بينهم المشاكل والتوتر.

كثرة وسرعة الأخبار والمعلومات جعلت الناس تكتفي غالبا بالمعرفة السطحية للأمور دون التعمق ودون التحليل وهذا يسهل نقل الإشاعات وانتشار المواد التافهة أحيانا.

 

وهنا تُطرَح الأسئلة التالية:

كيف يمكننا التعامل مع هذا النوع الجديد من الإعلام والتواصل لنزيد من إيجابياته ونقلص مخاطره؟
والسؤال الثاني: كيف يمكن أن يلعب هذا النوع من الإعلام دورا في نهضة فكرية تنموية وثقافية على الصعيد المجتمعي والاقتصادي؟

 

الإجابة عن السؤال الأول حسب رأيي تكمن بموضوع واحد أساسي، وهو "التربية "، التربية في البيت، في المدرسة وفي كافة الأطر، هذا الكم الهائل والسريع من المعلومات، من الأفراد، والشخصيات الافتراضية في حياتنا يحتم علينا ملاءمة نهج التربية في المواقع المختلفة، وأقصد هنا ملاءمة أساليب التربية من أجل المحافظة على القيم الأخلاقية والإنسانية التي نريدها أن تبقى أساسا لتصرفات الأبناء؛ الأفراد والمجتمع.

هناك حاجة لزيادة معرفة الأهل والمربين لما يحدث في وسائل التواصل وإعطائهم أدوات عملية وعلمية للتعامل معها ولنقل الصورة بشكل سليم للآخرين، وللتوعية لاختيار المضامين السليمة الإيجابية والتنموية وللابتعاد عن المخاطر وعن تضييع الوقت وإهداره على تفاهات دون فائدة وقيم إضافية.

نحتاج لدورات خاصة يقدمها مختصون من عالم التكنولوجيا، والإعلام، والنفس والمجتمع، للأجيال المختلفة من أجل التنوير وزيادة الوعي؛ لزيادة إمكانيات الاستفادة من هذا الإعلام المجتمعي وتقليص المخاطر من سلبياته.

السؤال الثاني إدراك إجابته يشكل فرصا كبيرة وعديدة لاستغلال هذا المنبر الإعلامي المجتمعي للنهوض والتنمية والتطور الإيجابي.

سهولة التواصل مع الأفراد، وسهولة نقل الرسائل تتيح الفرصة لدى أصحاب المنابر التواصل السريع وبوقت قصير مع عدد كبير من المستخدمين، لكن هذا التواصل وحده لا يكفي للتأثير عليهم أو تغيير أفكارهم ونهجهم، يجب أن تكون هناك رسالة واضحة ومباشرة وملهمة للآخرين كي تنال إعجابهم ومشاركتهم، وإذا كانت رسالة قوية يمكنها أن تحفزهم على القيام بخطوات تتجاوز استعمال التواصل الافتراضي لتفعيل خطوات وبرامج تطبق في العالم الواقعي.

هناك حاجة لتعزيز منابر الحوار ومنصات نقل المعلومات وتنظيم الفعاليات بين الأفراد المختلفة، وهناك حاجة لزيادة عدد الصفحات الهادفة التوعوية التي تتعمق بالأمور ولا تكتفي بالسطحية وتهدف لزيادة الوعي والقدرة على التحليل.

المطلوب: التعاون بين الأطر المؤثرة في المجتمع؛ سياسية كانت أم اجتماعية؛ من أجل تعزيز الصفحات الهادفة ونشر أفكارها دون خوف من الرأي المغاير ووجهات النظر المتعددة، فالاختلاف بوجهات النظر يعطينا الفرصة للتعمق أكثر وللنظر لزوايا ربما لم نشاهدها من قبل، وبذلك يمكن زيادة نضوجنا ووعينا وتوسيع آفاقنا؛ ونتيجة ذلك حتما اتخاذ قرارات أفضل من خلال فهمنا لكل ما يدور حولنا.

إنَّ كثيرا من أبناء مجتمعنا يملكون المعرفة والمعلومات في مجالات مختلفة علمية وعملية لكنهم لا يملكون القدرات لنشر هذه المعلومات وزيادة وعي الأفراد لها، وهنا مطلوب من كافة الأطر أن تقوم بتعزيز بناء منابر من خلال وسائل التواصل الاجتماعي لتكون منصة لهؤلاء تعطيهم الفرصة أن يقدموا للمجتمع من علمهم ومعرفتهم وتسهيل التواصل بينهم وبين الأفراد.

يملك الكثير من أبناء مجتمعنا رغبات حقيقيه في المشاركة والتأثير من أجل نهضه مجتمعية واقتصادية، لكن للأسف يشعر كل منهم بالضعف الشخصي ليس فقط أمام حجم التحديات، بل أيضا أمام التفرقة القائمة وتفضيل المصالح الضيقة على المصالح العامة لكثير من الأطر.

إذا نجحنا في بناء منابر موضوعية تلتزم بتقديم رسالات توعوية وتثقيفية واضحة ذات قيم إضافية إيجابية في مواضيع مختلفة، سننجح ببناء الثقة مع القاعدة الجماهيرية من أجل دعوتها للمشاركة، فيصنع التغيير المطلوب على كافة الأصعدة دون أن تكون جزءا من أي إطار سياسي، قائم على احترام الجميع والتعاون معهم ما دامت الرسائل واضحة والمصالح العامة هي الغالبة.

بناء الثقة مع القواعد الجماهيرية المختلفة وتحديد أهداف عينية واضحة من خلال تخطيط استراتيجي شفاف وواضح، ومراقبة وتقييم مستمر للتصحيح والتحسين سيمكننا من خلال الإعلام المجتمعي حث الجمهور للمشاركة في فعاليات حقيقية من أجل إحداث النهضة المطلوبة مع بناء الأمل تحقيق ذلك.

إن أقوى حلقه في التركيبة السياسية الاجتماعية والاقتصادية هو المواطن العادي، فهو من يحدد وينتخب القيادات وهو من يستهلك المنتجات وهو من يقرر مفاهيم المبنى المجتمعي، لكن في الحقيقة هذا المواطن لا يدرك قوته ويعتقد أن لا تأثير حقيقي له وأن كافة الأمور التي تفرض عليه مطلوب تقبلها والتعايش معها، وهنا يكمن الخطأ ويفرض المواطن على نفسه الخنوع والخضوع لقرارات أحيانا لا تكون عادلة.

نعم، الفرد هو مركز القوة الحقيقي للمجتمع وهذه القوة ممكن أن تؤثر حين تتأطر من أجل أهداف مشتركة وواضحة ومن خلال برامج عمل مفهومة منطقية وعملية لتحقيق الأهداف وبناء الأمل.

هذه الحراكات تنجح وتؤثر وتفرض قوة الأطراف حين تخاطب أكبر عدد من القواعد الجماهيرية، والحديث هنا عن حراكات مختلفة لقواعد جماهيرية مختلفة حسب الأهداف العينية المطلوبة، بعضها حراكات عربية أساسا لقضايا وطنية ومدنية تخص مجتمعنا وأخرى حراكات يمكنها الاندماج مع مجموعات من الشارع الإسرائيلي للتأثير والتغيير مثل حراكات اقتصادية من أجل عدالة مجتمعية ومالية.

لكن أهم شيء لنجاح هذه الحراكات أن ندرك أن الحراك والمشاركة في الفعاليات ليست هي الهدف إنما هي الوسيلة من أجل الهدف، ولأنها فقط وسيلة هناك حاجة لوجود خطط استراتيجية واضحة ومطالب مفهومة منطقية وواقعية لتحقيقها وتطبيقها، وبحاجه لتعيين مندوبين يحصلون على ثقة الأفراد لتمثيلهم دون علاقة لتبعيتهم السياسية والحزبية، وإلا فإن التباهي بحراك كبير دون نتائج ملموسة سيفقد المواطن الثقة بالمشاركة ومحاولة التأثير.

نعم، الفرد هو الأقوى وقرارات مجموعة الافراد هي التي تحدد المستقبل وما سيحدث، وهي التي تمنع استغلال المجموعات الضعيفة وتطبيق مناهج غير عادلة اقتصاديا اجتماعيا وسياسيا.

 

كاتب المقال: هاني نجم وهو مراقب حسابات ومستشار اقتصادي وناشط اجتماعي يعمل مديرا عاما لمجموعة شركات تختص في الهندسة والعقارات والاستشارة الاقتصادية.

هاني نجم

مراقب حسابات ومستشار اقتصادي

شاركونا رأيكن.م