الهوية بين شَبَح الأسرلة والانتماء الثقافي
مركبّات هويتنا الاجتماعية
تنطلق الهوية الاجتماعية من مركبات أساسية تُمثل مجتمعًا بكافة تركيباته، المبدأ الأساسي للمركبات الأساسية للهوية يبدأ من الانتماء الفعلي والحسّي لهذه العوامل التي شكّلت الهوية الاجتماعية لكل فرد من أبناء الجولان المحتّل.
لا يمكن تغييب الإيديولوجية من الهوية الاجتماعية، كونها تحتّل ركنًا أساسيًا في توجهّات الأفراد في الحياة العامة، وهذا ما ينعكس على الحياة الاجتماعية بشكل واضح وحقيقي، ويحدد نهج حياة اجتماعية صقلت المناخ العام للمنطقة عبر التاريخ.
الهوية الوطنية والثقافية للجولان المحتّل وسكانه، الدخول لهذا المركّب الأساسي للهوية ينطلق من نكسة حزيران إلى يومنا هذا، لأن الصراع الحقيقي للحفاظ على هذا الجزء من الهوية بات أمرًا حتميًا، لأنه فُرض أمر واقع في ظل الاحتلال؛ يُحتّم على المثقفين الوطنيين والمتدينين السلوك في نهج نخبوّي وطني مع كافة شرائح المجتمع الجولاني للحفاظ على هذا المركّب من هويتنا الذي يُشكل درعًا واقيًا من كل سياسات الأسرلة والأدلجة التي تسعى سلطة الاحتلال لغرسها في مضامين حياتنا عبر عدة عوامل وسياسات.
الدفاع عن الهوية الأصلانية للأهالي
لعلّها البوابة الأكثر صراحًة ووضوحًا في الدفاع عن الهوية الوطنية والثقافية لمجتمع ككل. لا بد من الرجوع إلى خطة الاحتلال الإسرائيلي بفرض الهوية الإسرائيلية على الأهالي في شباط عام 1982 عنوةً ودون الاكتراث للهوية الحقيقية التي تُمثل كل فرد في الجولان المحتّل، ودخول الأهالي في إضراب مفتوح دام ستة أشهر وأكثر دفاعًا عن مشاعرهم الوطنية وهويتهم الثقافية السورية. حينها كان التحدي واضحًا بين احتلال جاء بفرض هوية وقطع أوصالاً ثقافية واجتماعية وسلخ الهوية عن قوميتها العربية وخلق قومية جديدة على أساس ديني لتعزيز النعرة الطائفية والتعصّب المذهبي.
إنتهاز الهوية الدينية
بدايًة من غير الممكن لأي سلطة الدخول في صيرورة مجتمع والعبث في أساسياته الثقافية والاجتماعية دون اللجوء إلى الخطاب الديني الطائفي وانتهاز الهوية الدينية وتعريف السكان والبيئة الديموغرافية بها فقط، دون ذكر الهوية الحقيقية بكامل مركبّاتها؛ تأتي في سياق سياسة يسعى بها الاحتلال إلى تعريف الفرد منا بهويته الدينية. وهذه الهوية هي حقيقية وصادقة ولكنها ليست كاملة بالمضمون الثقافي والتاريخي. فهي هوية مجتزأة فقط بالهوية المذهبية وتلغي الانتماء القومي الثقافي والوطني للجولان المحتّل وتعزز الشرخ الوطني بين أبناء الشعب الواحد على أساس أيديولوجي. كما تسعى إلى زج العرب السوريين الدروز في الجولان المحتّل في خانة دروز فلسطين، الذين عانوا بدورهم وما زالوا من تشويه وتعاسة ثقافية وقومية أدت بهم إلى الانخراط في صفوف جيش الاحتلال والدخول في دوامة الأسرلة والأدلجة التي همّشت بشكل كبير هويتهم الثقافية الوطنية الفلسطينية.
انعكاس الثورة السورية وتداعياتها على السكان السوريين في الجولان المحتّل
قد تكون هذه الحقبة من الزمن هي الأكثر تأثيرًا على الحياة الاجتماعية في الجولان المحتّل.، فقد أثرت جذريًا وعميقًا على المناخ الجولاني بشكل عام وعلى توجهّات الشباب بشكل خاص، حيث انقسم الشارع الجولاني إلى جهتين مختلفتين كليًا، ولم يكن هذا الاختلاف وديًا أو حضاريًا، فكانت الاجواء مشحونة بالتعصّب والتطّرف لكل جهة. وقد كرس هذا الانقسام شرخًا كبيرًا لدى الاهالي، لأن كل جهة كانت تدعم وطنيًا ومعنويًا وشعبيًا الطرف السياسي الذي يمثلها. بلغ هذا الانقسام ذروته بالتعّدي والتخوين والتهميش، وبالتالي أُفرغت الساحة الوطنية على مدار عقد من الزمن من أي عمل وطني توعوي يخاطب المجتمع والشباب. وقد انشغل الصف الوطني بما يحصل شرقًا ومتابعة الأحداث بقلق شديد لأنه سوف ينعكس تمامًا على الجولان المحتّل.
دخول سلطة الاحتلال
كانت الأرض خصبة جدًا لدخول السياسات الإسرائيلية عبر مؤسساتها للعبث بالأساسيات الثقافية والوطنية للجولان المحتّل. ولم يكن الخطاب المذهبي غائبًا، بل كان حاضرًا ليأخذ جزءاً من الشرعية، وعلى إثره دخلت السلطة عبر أدواتها لاستمالة الحالة الشبابية عبر إدخال حركات إسرائيلية شبابية ذات مفاهيم صهيونية إيديولوجية، ضمن مساعي تعزيز الهوية المذهبية واستغلال الفراغ الثقافي الوطني الذي ساد الشارع لمدة طويلة. وكان التشديد على الهوية الدرزية سيّد الموقف وأساس الشعارات ليحمي نفسه من أية حالة صدامية مع الناس. وضمن هذه السياسات والأساليب، كان لاستغلال القيم والشخصيات المؤثرة الوطنية نصيب كبير من تزييف المضامين، كشخصية المفكر كمال جنبلاط، الزعيم الوطني اللبناني، أحد أبرز الوجوه المدافعة عن القضية الفلسطينية وأحقية قضيتها. فكان تناول شخصية كمال جنبلاط من الجانب المذهبي فقط والفخر به كونه درزيًا وليس وطنيًا عروبيًا دفع حياته ثمنًا لمبادئه. وكذلك شخصية سلطان الأطرش، القائد العام للثورة السورية الكبرى. فكان إفراغ القيم والمفاهيم الحقيقية ووضعها في قالب وسياق يخدمان ترويج الهوية المصطنعة.
كان العمل على إفراغ المضامين الوطنية الثقافية للشخصيات التي شكّلت المجتمع الجولاني دربًا للسير نحوه، وتسليط الضوء على انتمائهم الديني وتهميش كُلي لما عاشوا ونادوا من أجله. هكذا كان وضع القدوة في أذهان الشباب في المجتمع الجولاني ضمن إيديولوجية مروّجة تدخل لعقول الشباب، مزيفة وكاذبة ومُحرضة.
الفراغ الوطني في الساحة الجولانية كان يعطي دافعًا للسلطة بالاستمرار في سياق الأدلجة، حيث دخلت المدارس ورياض الاطفال لباس العسكر بزيهم الحربي ضمن برنامج لإعطاء محاضرات متنوعة في عدة مجالات، كالتصرف وقت الهزة الارضية، أو محاضرات توعوية للشباب. هذه المواضيع الأساسية كانت بمثابة تبرير للدخول إلى المدارس أمام الأطفال والشباب لتطبيع صورة الجندي أو الشرطي في أذهانهم والتعوّد على رؤية السلاح، استكمالًا لسياسة خلق جيل جديد فارغ من أي مضمون وطني ثقافي يحمي نفسه من كل سياسات الأسرلة.
انعكاس هذه السياسات ضرب عميقًا في المفاهيم الوطنية الموروثة وفي الانتماء الثقافي والحضاري للشعب السوري، فترجمت هذه العوامل في الانتخابات للمجالس المحلية في قرى الجولان المحتّل ودخول العديد من الشباب في "الخدمة الوطنية الاسرائيلية" وسلك الشرطة.
الهوية بكل مركبّاتها، القومية والثقافية والدينية، باقية بالأساس ببقاء أهلها وأصلانيّة انتمائهم لأرضهم، والسعي الدائم لترويج هوية مصطنعة وتهميش التعريف الحقيقي للجولان المحتّل وسكانه أشبه بمن يلغي وجود جبل الشيخ ضمن تضاريس الجنوب السوري ومثل من يحجب الشمس بالغربال.
التحدّي الحقيقي الذي يواجهه الأهالي في الحفاظ على انتمائهم وتعريفهم الحقيقي والصادق يأتي من منطلق الدفاع عن هويتهم من الذوبان والتزوير وحماية الجيل الشاب والقادم من التعاسة الثقافية والوطنية.