حراك صحافيّات لمواجهة العنف: فكرة من رحم الألم

"ليس هناك أيّ دليل علميّ في البيولوجيا أو الفسيولوجيا والتشريح ما يثبت أنّ المرأة أقلّ من الرجال عقلًا أو جسدًا أو نفسيًّا. إن الوضع الأدنى للمرأة فُرِضَ عليها من المجتمع لأسباب اقتصاديّة واجتماعيّة لصالح الرجل، ومن أجل البقاء واستمرار الأسرة الأبويّة، الّتي يملك فيها الأب الزوجة والأطفال كما يملك قطعة الأرض".― نوال السعداوي، الأنثى هي الأرض.

من هنا بدأت قصة ""حراك صحافيات لمواجهة العنف""، وبالأساس بعد أن وصلت أعداد الجريمة في المجتمع العربي إلى إرقامٍ باتت تقض مضجع كل فرد منّا، وبخاصة العنف ضد النساء.

عام 2019، التقت مجموعة من الزميلات الصحافيات، العاملات في الميدان في أراضي الـ 48، وبحثن معًا في سبل مواجهة العنف المستشري في مجتمعنا. لاحقًا وبعد عدد من اللقاءات، تقرر تشكيل حراك بدعم مهنيّ ورؤيويّ من جمعيّة ""نساء ضدّ العنف""، حاولت الزميلات خلاله، كلٌّ من موقعها، استعراض الدور الّذي يؤدّيه الإعلام المحلّيّ على أرض الواقع في التعامل مع ظاهرة العنف، نحو بلورة الدور المنشود والمُتوخّى العمل وفقه من الإعلام، لمحاربة الظاهرة الّتي باتت تشكّل التحدّي الأوّل، وسط كمّ من التحدّيات الّتي يعيشها مجتمعنا بصفتنا أصلانيّين في بلادنا، وأيضًا بصفتنا، النساء، جزءًا من هذا المجتمع.

تركز عمل الحراك على أيمانٍ من قبل المشاركات بأهمّيّة الإعلام في بلورة وصياغة الرأي العامّ؛ فهو وفق الدِّراسات والأدبيّات المختلفة، يؤدّي دورًا مؤثّرًا قادرًا على عكس واقعٍ، وفي الوقت نفسه صناعة آخر جديد، مساهمًا في التنشئة المجتمعيّة، وإن كان هذا التأثير محدودًا، ويتعلّق بعوامل عدّة.

من نافل القول والتذكير أنّ العنف ضدّ النساء ظاهرة عابرة للثقافات، وتحصد حياة الكثير منهنّ سنويًّا حول العالم. وفقًا لدراسات، غالبيّة جرائم العنف ضدّ النساء تحدث من قبل قريب من الضحيّة، إن كان من العائلة أو الأصدقاء. وتشير المعطيات العالميّة إلى أنّ ثلث النساء يتعرّضن للعنف الجسديّ أو الجنسيّ من قبل أزواجهنّ على مدار حياتهنّ (منظّمة الصحّة العالميّة، 2019)، المعطيات التي تؤكدها الجرائم التي تقع هنا في فلسطين الـ 48.

لماذا الصحافيات؟!

ظاهرة العنف ضدّ النساء نتاج للبنية المجتمعيّة الذكوريّة الّتي تكرّس دونيّة المرأة وخضوعها لسيطرة الرجل وإشرافه. هذه البنية المجتمعيّة تحدّد مسار حياة المرأة، كما تحدّد ما هو مقبول وما ليس مقبولًا، وما هو العقاب في حال تجرّأت على السعي وراء أحلامها وطموحها والخروج عن صورة المرأة النمطيّة، الّتي حدّدتها البنية الذكوريّة؛ لذلك فإنّ التغيير المُراد يجب ألّا يقتصر فقط على شريحة متّخذي القرارات فقط، بل على جميع شرائح المجتمع، وعلى أنماط تربية الأجيال الصاعدة، ومن ضمنها الإعلام.

وفقًا لأدبيّات مختلفة، شخصت أداء الإعلام العربي المحليّ في فلسطين الـ 48 تتضح عدة نقاط منها؛ تستند الصحافيّات والصحافيّون في تغطية جرائم قتل النساء على مصادر رسميّة مثل الشرطة، بدلًا من الاستناد على مصادر أخرى تمكّن من التعرّف على الضحيّة من وجهة نظر أكثر قربًا وإنسانيّة، مما يؤثّر في تأطير الخبر. أحد المصادر المعلوماتيّة المهمّة للحديث عن ظاهرة قتل النساء في سياقها الاجتماعيّ، المختصّون في هذا المجال، لكن نادرًا ما يتمّ تقديم صوتهم خلال تغطية هذا النوع من الجرائم في إعلامنا المحليّ. يغيب من على صفحات إعلامنا المحلي صوت الضحيّة، وصوت أقربائها، إلا في حالات معينة، مما يجعل تعاملنا مع الخبر صوريًّا منزوعَ الإنسانيةِ والتداعيات والإسقاطات.

الصحافيات وكخطوة أولى في حراكهن عملن على كتابة دليل إرشاديّ، خصصت صفحاته لإرشاد الزملاء الصحافيين في التعامل مع قضايا العنف عامةً، والعنف ضد النساء خاصةً، وقُدِّمَت خلال الدليل مجموعة من الإرشادات والتوصيات العمليّة للتغطية المهنيّة والحسّاسة جندريًّا، أو الصديقة للنوع الاجتماعيّ، نستعرض فيما يلي أهم التوصيات:

1. أنسنة الضحيّة

ما نعنيه من ""أنسنة الضحيّة""، ذكر الجانب الإنسانيّ منها؛ فهي ليست امرأة قُتِلَت فقط، إنّما إنسانة لها اسم وأحلام ومهنة ومحبّون وقصص، من المهمّ نقلها إلى القارئ، ما يقرّبه إلى الضحيّة. واضح من نتائج البحث أعلاه أنّ التغطية الموسّعة، الّتي تتناول عدّة جوانب في حياة الضحيّة، خاصّة الإنسانيّة، توسّع دائرة التضامن معها، بالإضافة إلى الرفض المجتمعيّ للجريمة.

2. تغطية شاملة

""التغطية الشاملة"" هي الّتي تبدأ بسرد الأحداث ولا تتوقّف عندها، إنّما تّصل إلى آراء نسويّات ومتّخذي قرار ومختصّين، وخلالها تُطْرَح أسئلة منها: كيف نوقف الجريمة الآتية؟ وما هي المخطّطات والآليّات الّتي نحتاجها لذلك؟ قد نصل في هذه التغطية إلى أسئلة إضافيّة، منها ما يتعلّق بغياب المخطّطات الحكوميّة للتعامل مع الظاهرة، وغياب الميزانيّات المخصّصة لذلك، ليس فقط لحماية النساء، إنّما أيضًا لإعادة تأهيل الرجال العنيفين.

3. أبعاد الجريمة

من المهمّ التطرّق إلى أبعاد الجريمة، ما يساهم في ردع وقوع جريمة أخرى. على سبيل المثال، ثمّة أهمّيّة لفحص إسقاطات الجريمة العينيّة نفسيًّا على نساء قريبات من الضحيّة، وعلى أطفال قريبين منها، وعلى المجرم ذاته أيضًا، وهنا يكون التركيز ليس على الإسقاطات النفسيّة، إنّما الجنائيّة.

من المهمّ في السياق متابعة المحاكمات، وطرح تساؤلات حول عقوبات مخفّفة في حال وجودها، أو تساهل مع المجرم، قبل المحاكمات أو في أثنائها؛ فجريمة المغدورة نورا كعبيّة علّمتنا أنّه كان من الممكن منع وقوع الجريمة لو قامت سلطات تطبيق القانون بأداء الدور المتوخّى منها، وليس التساهل مع القاتل.

4. عدم تعزيز الصورة النمطيّة

حياة المرأة وجسدها حقّ لها، لا يحقّ لأحد أنّ يسلبها هذا الحقّ، سواء أكنا متفقين أم مختلفين معها، فلكلّ فرد حقّه في اختيار طريقة حياته، ما يشمل لبسه، وعمله، وطريقة حديثه، وما إلى ذلك. برزت من البحث أعلاه الوصاية الذكوريّة على النساء، وحالات قتل معيّنة وقعت لرفض الأخ زواج أخته من شريك حياتها مثلًا. نعي أنّ ثمّة تفاوت في أنماط العيش والسلوكيات، وأنّ ثمّة سياقات مجتمعيّة وثقافيّة مختلفة، وهذا طبيعيّ. الدور المتوخّى منّا ليس إسماع المتلقّين ما يلائم توقّعاتهم وأفكارهم، علمًا أنّهم أيضًا متفاوتون في كلّ ذلك، إنّما إنصاف الضحيّة.

خلود مصالحة

مديرة مركز إعلام – المركز العربي للحريات الإعلامية والتنمية والبحوث

شاركونا رأيكن.م