الحرب على المنظمات الأهلية
تشّن سلطات الاحتلال حملة ممنهجة وذات استراتيجية واضحة اتجاه المؤسسات الأهلية، ولقد شكلت سلطات الاحتلال عام 1994 لجنة لتحديد المؤسسات الفلسطينية الأهلية العاملة في القدس، وقامت بعملية تقييم وغربلة لِمن يُسمح لهم بالعمل وأخرى لا يسمح لها، ونَتج عن ذلك إغلاق خمس مؤسسات ووضع مؤسسة أخرى على قائمة الانتظار وكانت بداية هذه المؤسسات بيت الشرق وما يتبعها من دوائر، بالإضافة إلى الغرفة التجارية، وتبع ذلك في عام 2019 الإعلان عن إغلاق عدد آخر من المؤسسات العاملة في مدينة القدس؛ بذريعة تنظيم أنشطة للسلطة الفلسطينية أو نيابة عنها، أو تحت رعايتها في نطاق مدينة القدس، التي تعتبرها سلطات الاحتلال تحت السيادة الإسرائيلية والتي حسب (اتفاق أوسلو) لا يسمح للسلطة الفلسطينية عمل أي نشاط فيها بدون تصريح مسبق من سلطات الاحتلال. وقد طالت هذه القرارات إغلاق مؤسسات جديدة.
وفي عام 2021 تم الاعلان عن ست مؤسسات جديده منظمات إرهابية وهي تعمل ضمن نطاق السلطة الفلسطينية تخدم وتفضح ممارسات الاحتلال وكان وزير الأمن الاسرائيلي بيني غانتس قد وقع على أمر بإغلاق ست مؤسسات حقوقية فلسطينية باعتبارها مؤسسات تمثل منظمات إرهابية. وتبرير هذا الإغلاق باعتبار هذه المؤسسات الحقوقية جزءًا من شبكة مؤسسات تعمل تحت ستار مدني في الساحة الدولية من أجل دعم أنشطة التنظيم وتمويلها، وهذه المؤسسات التي شملها القرار مؤسسات معروفة في مجال حقوق الإنسان، وتتبنى الدفاع عن حقوق الفلسطينيين في الأراضي المحتلة.
وتُعد الإغلاقات والتي طالت منذ عام 1967 أكثر من مؤسسة فلسطينية عاملة في القدس، امتدادا لسياسة انتهجتها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة في سبيل فرض السيادة على المناطق المحتلة. ويعتبر إغلاق المؤسسات الأخيرة إعلان حرب مفتوحة على الوجود الفلسطيني لعدم إيصال الانتهاكات التي تطال الشعب الفلسطيني أرضا وحضارة للمحافل الدولية والحقوقية.
وتعتبر المؤسسات الأهلية جزءًا من إدارة أمور المواطنين، وفضح جرائم الاحتلال ووضع العالم في صورة ما يقترفه الاحتلال الإسرائيلي من انتهاكات. لقد تألمت سلطات الاحتلال كثيرًا، وبخاصةٍ بعد أن أصبحت هذه المؤسسات لها مصداقية كبيرة في العالم وأصبحت جزءًا من (B.D.S) والتي تتضامن مع شعبنا في مقاطعة منتوجات المستوطنات والتظاهرات التي تقام في عواصم عديدة في العالم. كل ذلك أدى إلى إنهاء (قانون الطوارئ) الذي يخولها انتهاك حقوق أساسية محمية بموجب قانون حقوق الإنسان الدولي. وتسنّ إسرائيل العشرات من القوانين والأنظمة التي يعتمد تطبيقها على حالة الطوارئ وفقا للبند التاسع، والذي يُخول كل وزير سن أنظمة لأوقات الطوارئ، من أجل ما يطلقون عليه أمن الدولة. أما مدينة القدس فإن الحرب المسعورة تجاه المؤسسات فهي على أشُدها لإثبات السيادة الاسرائيلية على القدس الشرقية وربط جميع سكانها بالمؤسسات الإسرائيلية، فكانت البداية بحل أمانة القدس، وإبعاد رئيس البلدية آنذاك (روحي الخطيب) وإغلاق المصارف، والمشافي والمحاكم، والمراكز الصحية، والمؤسسات التعليمية والثقافية، والأندية الشبابية. ومع الوقت أصبح الإغلاق والمنع يشمل فعاليات تأبين الشخصيات (كان آخرها تأبين (د. صبحي غوشة) وحفلات تخرج المدارس ورياض الاطفال.
إن هذه الحرب المفتوحة على المؤسسات الأهلية الفلسطينية تعتبر حلقة من حلقات الأسرلة والسيطرة وإثبات أن الحاكم الفعلي في القدس والضفة الغربية هي دولة الاحتلال وأن الصوت الذي يجب أن يخرج منها هو صوت الاحتلال ورؤيته، ما عدا ذلك فإنه مُعرض للإغلاق ووصفه في خانة الإرهاب.
استعمال الصورة بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال ملاحظات ل [email protected]ـ"
د. خليل تفكجي
مدير دائرة الخرائط في جمعية الدراسات العربية وخبير بارز في شؤون الاستيطان