تدهوّر الصحّة.. تشخيص حالة أهالي النقب

تطور المجتمعات العربية لنمط الحياة الغربية كان سريعا والذي نتج عنه بالتالي ارتفاع في الأمراض التي لها صلة مباشرة بنمط الحياة، هذه الصورة واضحة بخصوص المجتمع العربي في النقب. نرى أن التغذية تغيرت بشكل كبير (استهلاك السكريات، الدهون، اللحوم والخبز) بالإضافة لقلة الحركة، النسبة العالية من المدخنين وظروف الحياة الصعبة (أزمة السكن، البيئة، قرى غير معترف بها وهدم البيوت) والتي أدت إلى تدهور الصحة في مجالات مختلفة بما فيها الصحة النفسية.

الوضع الصحي في جميع الفئات العمرية مقلق وهنالك حاجة ماسة وكبيرة لتغيير الواقع الصحي

من المعطيات المقلقة بشكل كبير نسبة وفيات المواليد، ما يقارب 9.4 حالة وفاة مولود عربي من النقب لكل 1000 حالة ولادة حي، مقارنة مع المعدل العام 2.5. وبدون شك أن هناك صلة مباشرة بين زواج الأقارب وبين هذه النسبة العالية (هنالك انخفاض ملحوظ في زواج الأقارب في العقد الأخير) بالإضافة إلى عوامل أخرى مثل التغذية وغيرها. بعض الأمراض منتشرة لدى الأطفال في النقب أكثر من باقي المناطق، هنالك أمراض وراثية تؤدي الى متلازمات نادرة والتي تسبب المعاناة المستمرة للطفل والعائلة وهنالك أمراض لها صلة مباشرة في البيئة الحياتية مثل الأوبئة الحادة وغيرها. تبقى الحوادث البيتية وحوادث الأطفال بنسبة عالية في النقب لأسباب كثيرة إلا أن هذه الحوادث التي قد تسبب الإعاقة أو حتى الوفاة، والتي كثير منها ممكن منعها، ولكن في ظل استمرار الضائقة السكنية، انعدام البنى التحتية الملائمة وخاصة الأماكن العامة التي تعطي المجال لترفيه الأطفال تبقى هذه الفئة العمرية معرضة للحوادث سواء في البيت أو البيئة المحيطة.

بخصوص الأمراض المزمنة المعطيات الصحية تظهر ان هنالك ارتفاع مستمر في السكري والسمنة وخاصة لدى الفئات العمرية الكبيرة في الجيل، فكما أن المجتمع العربي في النقب هو مجتمع شبابي فمعظم السكن بنسبة ما تقارب %55 هم تحت جيل 19 عاماً، لكن نتيجة لنمط الحياة الغير صحي وفي ظل انخفاض في نسبة الوعي وقلة المنشآت التي تحسن نمط الحياة وتساعد على ممارسة النشاط الجسماني (غرق لياقة بدنية، مسارات للمشي أو برك السباحة) هنالك استمرار في ارتفاع هذه الأمراض بل التوقع انه الارتفاع سيستمر في حالة عدم التدخل بشكل كبير جداً.

46% من الرجال العرب في البلاد يدخنون مقارنة مع 26 بالمئة في الوسط اليهود، ومن المتوقع ان النسبة اعلى في النقب وخاصة مع انتشار كبير لتدخين النارجيلة التي انتشرت بشكل كبير في السنوات الأخيرة ومن المتوقع أنها ستزيد من أمراض وسرطان الرئة مستقبلا.

بالطبع لصحة المرأة هنالك جوانب كثيرة ومختلفة ولك قد يكون الأهم من بيها هو أهمية المتابعة خلال الحمل والتي لا تستطيع بعض النساء القيام بذلك لأسباب مختلفة بما في ذلك منالية الفحوصات بقرب جغرافي ملائم.

أمراض السرطان وحسب عدة أبحاث تم نشرها هنالك ارتفاع للسرطانات في الوسط العربي في النقب بحيث يتم كشفها في جيل مبكر مثل سرطان الثدي او سرطان القولون.

في ظل هذه الظروف الصحية والتي سردنا جزءاً بسيطاً منها لا بد من أن تكون هنالك حلول حتى نتجه نحو مستقبل صحي أفضل.

الأخوات والإخوة الأفاضل:

لا بد من العمل على تغيير الواقع الصحي في النقب والمجتمع العربي بشكل عام، كل منا عليه أن يكون مقتنع انه جزء من التغيير في البيت، المدرسة، العمل، العيادة ... بما في ذلك السلطات المحلية والوزارات المختلفة.

التغيير في نمط الحياة سيكون له التأثير الأكبر. على كل مؤسسة أن تضع لنفسها خطة قصيرة وطويلة الأمد بخصوص الأوضاع الصحية وما هي المشاريع التي ستقوم بها للمدى القريب والبعيد.

ابتداء من الاستشارة الوراثية قبل الزواج، تجنب زواج الأقارب، خلق بيئة ملائم لحياة آمنة لأطفالنا في البيت، البيئة المحيطة والمدرسة مروراً بفعاليات تملأ فراغ الشبيبة وانتقالاً الى الوعي الصحي في جميع فئات المجتمع لمنع الأمراض المزمنة. الوعي بخصوص التغذية وتغير طرق التغذية والتحول نحن تغذية سليمة، التوعية بخصوص أهمية النشاط الجسماني وفتح المنشآت الملائمة مثل برك السباحة أو مسارات المشي، من جانب آخر التوعية بمخاطر التدخين لها الأهمية الكبرى حتى نمنع الحالات الجديدة من هذه الأمراض. بالمقابل هنالك أهمية للتشخيص والعلاج المبكر للأمراض المزمنة والكشف المبكر للسرطانات. التوعية الصحية بخصوص الأمراض المنتشرة في النقب بشكل خاص بما فيها فهم المرضى أكثر عن الامراض والعلاجات واهمية المتابعة لدى الطبيب وتناول الادوية باستمرار كفيلة بتخفيض مضاعفات الأمراض المزمنة. الشراكة في إحداث التغيير هي للجميع، لكل له دوره المهم، وزارة الصحة وصناديق المرضى تبقى المسؤول الأول والأخير عن صحة المواطنين وعليها إيجاد الحلول بما يخص منالية الفحوصات للتشخيص في وقت معقول ومنالية العلاج الملائم. المواطنون، الأهل، المعلم، الأكاديمي، صاحب الدكان والطبيب لكل واحد مسؤول لا يوجد أحد يستطيع أن يعتبر نفسه خارج دائرة إحداث التغيير. مسؤولية السلطات المحلية لا بد أن تكون أكبر بكثير بخصوص الصحة ولا بد أن يكون هنالك قسم صحة في كل سلطة محلية يعتني بالجانب الصحي الحقيقي للمواطنين من حيث البنية التحتية والفهم العميق للأمراض المنتشرة في كل بلد والعمل على إحداث التغيير.

ختاماً، ان لم نعمل بشكل جدي على إحداث التغيير فينتظرنا مستقبل غير صحي بامتياز ولكن في ظل الثورة التعليمية وارتفاع عدد الأطباء والعاملين في الجهاز الصحي في المجتمع العربي بشكل عام وفي النقب بشكل خاص فلا بد أن تكون لهم بصمة قوية نحو إحداث التغيير وتحسين صحة المجتمع العربي في النقب.

مع تمنياتنا لكم بالصحة والسلامة ونحو مستقبل صحي أفضل.

د. نعيم أبو فريحه

رئيس رابطة الأطباء العرب في النقب

شاركونا رأيكن.م