الوجه الآخر للنقب.. جميلًا

جميعنا نعلم جيدا ما يمر به النقب من ظروف صعبةٍ ومن معاناةٍ مستمرةٍ ومن مسلسلِ ظلمٍ وتمييزٍ وتهميشٍ من قبل السلطات، كما أننا نعلم كل العلم أن النقب يعاني من مشاكل داخلية تنخر في جسده كالعائلية والعصبية المقيتة والعنف اللامبرر والتي يحاول البعض بدعم رسمي إحياءها لتحقيق أهداف مشبوهة تزيد من وهن وضعف النسيج الاجتماعي النقباوي وذلك لتمرير مخططات السلطة بالاستيلاء على الأرض وسلب إرادة الإنسان النقباوي، لكن على الرغم من هذه الصورة والتي للوهلة الأولى تبدو قاتمةً إلا أن للنقب وجهاً آخر وللمفارقة ربما تكون المعاناة هي أحد أسباب، بل سببا رئيسيا في صناعة هذا الوجه الآخر.

إن الوجه الآخر يتمثل بكل بساطة وعلى سبيل المثال لا الحصر في قرى غير معترف بها تفتقر لأبسط مقومات الحياة الأساسية ويعاني أهلها الأمرين في كل مجالات الحياة ونرى في نفس الوقت مئات الأطباء والأكاديميين والمبدعين في كل المجالات يتخرجون من هذه القرى ونرى بيوت الصفيح والصمود لا تسطر فقط أروع ملاحم الصمود في وجه آلة الخراب والدمار والتهجير بل تسطر أروع معاني الإبداع من رحم المعاناة ،وليست القرى والبلدات المعترف بها ببعيدة عن قرى الصمود فهي كما تتشارك معها المعاناة والصمود فهي تشاركها الإبداع ونرى فيها نهضة علمية وأكاديمية وإبداعية تتناسب بشكل طردي مع المعاناة .

وكم نشعر بالفخر وكل الفخر عندما ندخل مستشفى بئر السبع ونرى أن أغلب الأطباء فيه عرب من أبناء النقب وكم نرفع هاماتنا عالياً عندما يتم تصنيف طبيب من النقب من أفضل الأطباء في البلاد مثل الدكتور صبري السيد ،وكم تزداد هاماتنا ارتفاعا عندما نرى طبيبا مثل الدكتور عاهد المطيرات يتألق في مجاله ويقصده القاصي والداني من أجل العلاج والنيل من خبرته الواسعة ونزداد فخراً عندما ندخل مؤسسات التعليم العالي ونرى نقباويا خرج من رحم المعاناة مثل البروفيسور جهاد الصانع يرأس قسما في جامعة لها ثقلها الأكاديمي مثل جامعة بن غوريون، وكم حري بنا أن نفخر أكثر عندما نرى مؤلفات ابن المعاناة الدكتور منصور النصاصرة تجوب البلاد ليتعرف الجميع من خلالها على تاريخ النقب وحاضره، وعندما نذهب لأي معرض كتاب نرى رائحة النقب فيه من خلال الكاتب المبدع سليمان السرور وكم ترتفع الهامات عالياً بماجدات النقب وعلى سبيل المثال لا الحصر عندما نرى ابنة النقب الدكتورة سحر الصانع تحصل على أعلى الدرجات العلمية وتصعد لمنصة التتويج في الجامعة حاملة معها كل معاني الإرادة والأصالة .

وكم نفخر عندما ندخل لمؤسسات التعليم العالي ونرى فيها أعداداً لا يُستهان بها من طلاب وطالبات العلم النقباويين في كل المجالات.

وكل ما ذكرت غيض من فيض إبداع أهل النقب بشيبه، وشبابه، ورجاله، ونسائه.

وليس هذا فقط الوجه الجميل للنقب وأهله فما زالت صحراء النقب بأهلها صامدة في وجه كل عواصف التغيير السلبي رغم كل أساليب الترهيب والترغيب التي تُمارس ضد أهل النقب بشكل مكثف وممنهج، فنرى عجوزا بلغت من العمر عتياً تقف على أنقاض بيت صفيح هدمته آلة الدمار وترفع شارة النصر ونرى في مقابلها طفلا نقباويا يشاركها شارة النصر وشابا نقباويا مورست وتمارس عليه كل أساليب التجهيل والترهيب وما زال صامداً متمسكاً بأرضه التي لا يساوم عليها مهما كان الثمن.

نعم للنقب وجه آخر رغم كل الصعاب ومحاولات بث الفرقة بين أهله وللنقب وجه آخر رغم كل محاولات التجهيل، والتعتيم، والتمييز، والتهميش.

لقد أرادوا إماتة النقب وقضيته لكن لا يعلمون أن النقب باقٍ وصامد وعصي على كل معتدٍ آثم وذلك بهمة أهله الكرام.

ويبقى الأمل موجودا ما دام الوجه الآخر موجودا وفي النقب الأمل وفي أهله وجه آخر جميل قلما تجده في أماكن أخرى تعيش ظروف النقب وأهله.

عقاب نمر العواودة

مساعد رئيس مجلس القيصوم الإقليمي في النقب

رأيك يهمنا