تجربتي الوجودية وهويتي المعقدة وفنّي كمرآة

سيرة حياتي كفنان وإبداعاتي الفنية متداخلان معا ويؤثر أحدهما على الآخر. ولدت في مخيم اللاجئين البريج في قطاع غزة سنة 1966 ثم انتقلت إلى رهط بعد أن تزوجت بامرأة فلسطينية من النقب وحاليا نسكن في مدينة رهط كمواطنين إسرائيليين. إن التجربة الوجودية والهوية المعقدة التي أعيشها تشغلني كإنسان وفنان. من جهة أنا فلسطيني أحمل الهوية الإسرائيلية وأعيش في إسرائيل ويقتلني الشوق والحنين باستمرار إلى أبناء عائلتي الذين يعيشون في قطاع غزة وسيناء، والأردن والإمارات. في هذا الوضع حيث الهوية المركبة التي تتأرجح في واقع الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. حيث يفرض الواقع عليَّ كإنسان وفنان أن اكون مرآة لتصوير ومعالجة الواقع مرارا وتكرارا في أعمالي الفنية التشكيلية وقضية الانتماء العائلي والديني والقبلي، والثقافي، والقومي، والمهني. رقم بطاقة هويتي الإسرائيلية مرسوم، مكتوب أو مطبوع على لوحات صفيح فضية، وملصق بالوجوه المرسومة لأبناء عائلتي. أو لأشخاص آخرين. الوجوه مختلفة، ولكن الهوية مشتركة. يشير الرقم إلى العلاقة الجينية: كلهم خضر وشاح.

تجد هويتي المفتوحة والمركبة صداها في عدم الالتزام الصريح لأي أسلوب فني، أو لأي تقنية فنية معينة محددة. مما يعطيني الحرية الإبداعية في التنقل بين الأساليب الفنية والمواد المختلفة. فأعمالي الفنية تتراوح وتتأرجح في الفسحة بين الواقعية الصارمة والمنضبطة، وبين التعبيرية الحرة المنطقة. رسومات تلميحية ومقتضبة. رسومات مادية ع قماش القنب. السجّاد، وجلود الحيوانات والأقمشة المطرزة بالتطريز التراثي الفلسطيني. وألواح الخشب المتآكلة، وألواح الصفيح وأوراق التصوير. والإعلانات الفنية والتركيبات والمواد المتاحة. إحدى المعارض التي عرضت في دار العرض ام الفحم للفن المعاصر أنجزت في السنوات 2010-2012 وهي تنتمي إلى سلسلة أعمال متتابعة والتي رسمت في لحظة من جيشان القلب، وثورة من المشاعر العارمة. في جميع هذه الرسومات هي ردة فعل للأحداث السياسية الدراماتيكية، العنيفة غير المسبوقة حيث قوتها وشمولها. تلك الأحداث التي بدأت في 18 من كانون الأول عام 2010 قي تونس، ثم تتابعت واحدا تلو الآخر في معظم الدول العربية - الأحداث التي أطلق عليها اسم "الربيع العربي". لقد حفظت المشاهد المصورة من "الربيع العربي "التي تدفقت من قنوات التلفاز، ومواقع التواصل الاجتماعي، ومن صفحات الجرائد أو شاشات الهواتف النقالة. في حاسوبي الشخصي كي تصبح خليطا من التشبيهات المرسومة المصنعة التي تشتمل على الغضب، والصدمة، والشفقة من خلال ردت الفعل الإنسانية والفنية لذا احتوت الرسومات الفظائع التي تطل من الصور الملونة المأخوذة من المواقع الإخبارية- حادة أو مشوشة، دعائية ومفتعلة او معتمة ومبكسلة- صور التقطتها أطقم حرفية، وصور التقطها هواة أو شهود عيان الذين عبرت ايديهم المرتجفة عما وقع أمام أعينهم.

لكن الرسومات التي أنتجتها تتضمن أكثر من ذلك ليست رسومات مجرد معلومات إخبارية غير منتظمة. بل أعمال فنية معاصرة ومعبرة، تحولت هذه الرسومات الى وثائق فنية تتخذ موقفا- هي تعبير عن الاشمئزاز من البشر المتفجر الذي يبيح دم "الآخر" حتى لو كان من أفراد العائلة، اخا او اختا- شهادة تدين طبع الإنسان، أعمل في إبداعي الفني على مواد الذاكرة من ماضي العائلة وماضي أبناء شعبي، إنها مواد ترفد وتؤلف وعيي الشخصي، الذي هو أيضا وعي عائلي وقومي، ولكني اعيش في نفس الوقت مواد الحاضر من خلال التلفاز والانترنت، تثير في الأحداث الدراماتيكية التي تجري اليوم من حولي رغبة للرد، للفخر، للتوثيق، ولأكون شاهدا على العصر من خلال أعمال فنية تعكس الواقع والفترة الزمنية التي اعيش فيها. عندما أشاهد قتل الأطفال في سوريا لا أستطيع أن أتجاهل ما يجري. أنا أتضامن مع نضالهم، وأريد أن أخلد ذكراهم وذكرى الشهداء الذين سقطوا في الساحات والميادين للمطالبة بالحرية والعيش الكريم في جميع دول العالم. تتصل أعمالي الفنية بتراث الرسم التاريخي الأوروبي وهي تتضمن مجموعة من المشاهد قوية التعبير مرسومة بألوان قوية أو احادية اللون وبلمسات ألوان تعبيرية، وبقطع كبيرة وبتقطيعات دينامية من التشكيل الحر.


كاتب المقال: خضر حسان وشاح وهو فنان تشكيلي فلسطيني من مواليد مخيم البريج بقطاع غزة عام 1966، من أسرة فلسطينية أُجبرت على مغادرة موطنها الأصلي، واليوم من سكان مدينة رهط في النقب.

خضر حسان وشاح

فنان تشكيلي فلسطيني من مواليد مخيم البريج بقطاع غزة عام 1966، من أسرة فلسطينية أُجبرت على مغادرة موطنها الأصلي، واليوم من سكان مدينة رهط في النقب

شاركونا رأيكن.م