المرأة في الحكايات الشعبية الفلسطينية
هذه مقالة موجزة جدًّا عن موضوع يستحق الكثير من الانتباه من قبل الأهل والمربين ، وهو عرض مختصر لأهم المواضيع المتعلقة بالتعامل النقدي مع الحكايات الشعبية.
الحكاية الشعبية مقدمة نظرية
""كان يا ما كان..."" الجملة السحرية التي كانت منذ فجر الإنسانية تنقل المستمعين والمستمعات إلى عالم الحكايات السحري، ما زال لها الأثر نفسه في قلوب البشر. وعلى الرغم من التطور التكنولوجي في زمننا المعاصر فإننا نرى، وبخاصة في الغرب، وفي السنوات الأخيرة في بلادنا العربية عودة الحكاية الشعبية لتأخذ مكانتها كفن له أصوله وتميزه.
الحكاية الشعبية هي إحدى أنواع التراث الشعبي غير المادي القادرة على نقل نمط التفكير الجمعي من جيل إلى جيل وهي تعكس بالإضافة للقيم والعادات والتقاليد، الأفكارَ السياسيةَ والاجتماعية والاقتصادية السائدة في المجتمع في زمن حكاية القصة.
الحكاية الشعبية باعتبارها نتاجا أدبيا، تنطبق عليها جميع المواصفات الجمالية الفنية للنص الأدبي. وهي نوع أدبي له أصوله وميزاته، ومن أهمها أنها نتاج شعبي متراكم وليس لها مؤلف معروف، وغالبا ما تعرف باسم من جمعها، كحكايات الأخوين غريم. وبما أنها تنتقل شفويا من جيل لجيل، فإنَّها تعطي كل حكواتي حرية نسبية في إعادة حكايتها بأسلوبه وتبعا لقيمه وقناعاته؛ لذا فهي تتشكل من جديد مع كل حكواتي\ة يحكيها، مثل معايير الطبخة التي تكون أساس عملية الطبخ ولكن كل طباخ\ة ينتج في النهاية طبخته المميزة.
وهي تتجدد مع كل حكواتي يسردها؛ لأن العلاقة بين من يسرد الحكاية ومن يستمع إليها علاقة فورية مباشرة، شخصية وفعَّالة؛ لذلك هي كانت وما زالت من أهم طرق التواصل بين الأجيال، وبالتالي تقليص الفجوة بينها، وهذا ما يجعل الحكاية مؤثرة في تذويت القيم المختلفة في المجتمع (الحسنة والسيئة).
الحكاية الشعبية الفلسطينية
فضلًا عن كل ما ذكر سابقا فإن للحكاية الشعبية الفلسطينية أهمية قصوى كونها إحدى السبل للمحافظة على الهوية الوطنية والتراث غير المادي وربط الحاضر بالماضي خاصة في الواقع السياسي والاجتماعي الصعب الذي نعيشه في أنحاء فلسطين والشتات، فموروثنا الثقافي هو القاعدة المشتركة التي تجمعنا بعيدا عن الانقسامات الفئوية التي تهدد بشرذمة شعبنا وتفكيك وحدته.
تشكل الحكايات الفلسطينية جزءًا من الموروث الثقافي العربي والعالمي. ففيها ما يميزنا عن باقي الشعوب وفيها الكثير من المشترك بيننا وبين شعوب العالم. وبالتالي تنطبق عليها جميع المعايير النقدية التي تنطبق على الحكايات العالمية.
التعامل النقدي مع الحكايات الشعبية:
لطالما كان هناك خلاف بين الأكاديميين من المجالات المختلفة (علم النفس وعلم الاجتماع واللغة والدراسات النسوية) وبخاصة في الغرب (حيث يُدرس موضوع فن الحكي The Art of Story-Telling بالجامعات كمساق أكاديمي مميز) حول التعامل مع الحكاية الشعبية كونها أولا تُحكَى من قبل أناس مؤثرين في حياة الأطفال (الأهل أو المربيات) وثانيا كونها نصًّا أدبيًّا، ومن المعروف أن النص الأدبي يؤثر في تكوين هويتنا.
فيما يلي أهم نقاط المؤيدين والمعارضين:
المؤيدون:
1. هي نوع أدبي يعالج مشكلات وجودية حقيقية، وعُقَد الإنسان في كل مكان وزمان. وبما أن الحكاية الشعبية لا تقتصر على فئة عمرية محددة، فيمكن للإنسان مهما كانت سنه أن يجد في مثل هذه الحكايات صدى لمشاكله.
2. تتعامل مع المشاكل وتحلها على مستوى اللاوعي لدى المتلقي.
3. هي إحدى أفضل الوسائل للتواصل بين الأجيال وبين الثقافات المختلفة.
4. تغذي خيال الأطفال والبالغين وتعطي شرعية لخيال كل واحد منا.
5. رغم تشابه الحكايات في كل الثقافات إلا أنها تعتبر من أهم ميزات كل ثقافة، بحيث تساعد على الحفاظ على الهوية الجمعية والقيم المتوارثة من جيل لآخر.
6. الحكاية الشعبية لا تحتاج لوسيط بين الحكواتي/ة والمتلقي فهي من القلب للقلب، وهنا تكمن قوة تأثيرها على المتلقين.
7. الحكاية الشعبية تنمي اللغة عند الأطفال وتعطيهم أدوات لتحسين التواصل لأن الاستماع للحكاية بحد ذاته يتطلب مهارة الاصغاء وإعادة سرد الحكاية بلغة المتلقي هي جزء لا يتجزأ من الحكاية.
المعارضون:
1. تربط السعادة بالثراء، أي إن الإنسان لا يمكن أن يكون سعيدا إن لم يكن غنيا.
2. تتحدث عن العمل كقيمة سلبية: حلم كل إنسان هو أن يتوقف عن العمل.
3. الحكاية الشعبية تنظر إلى الجمال الأنثوي كقيمة بحد ذاتها، وتربط الشكل الخارجي بالخُلق. فالجميل أبيض وطيب أما القبيح الأسود فإنه شرير. وهكذا فإنها تضع مقولبات (أفكار مسبقة) قاسية تحدد نظرة الأشخاص لبعضهم البعض وفق أسس ومعايير بعيدة عن الإنسانيَّة.
4. الحكاية الشعبية تعطي صورة سلبية عن الخالة زوجة الأب/ وعن المختلف عرقيا ودينيا
5. الحكاية الشعبية غالبا ما تعكس صورة دونية للمرأة، فالبطلة النسائية لا تبادر وليس لها دور فعال في حل مشاكلها وهي غير مستقلة في حياتها.
6- في الكثير من الحكايات الشعبية هناك شخصيات مخيفة وتصرفات عنيفة مثل الغول/الغولة التي تأكل الأولاد... إلخ.
أهم ما يورده المعارضون للحكاية الشعبية هو كونها تعطي صورة نمطية سيئة جدا عن المرأة وبخاصة في الحكايات التي تم إعدادها من قبل الأخوين غريم عن الأدب الشعبي الألماني، والتي انتشرت في أنحاء العالم من خلال نصوص أدبية، ولاحقا من خلال أفلام ديزني، ولعل الأكثر شهرة منها هي ""بيضاءالثلج"" و""سندريلا"" ، وقصص أندرسون التي كتبها متأثرا بالحكايات الشعبية وأكثرها شهرة حكاية ""حورية البحر""* وقد قام الأخوان جريم وأندرسون بتغيير الحكايات لتتلاءم وتفكيرهم الذكوري، وكتاب ""نساء يركضن مع الذئاب: الاتصال بقوى المرأة الوحشية"" تأليف كلاريسا بنكولا يعرض لنا الحكاية الأصلية الشبيهه جدا بحكاية ""حورية البحر"" والتي تحمل مضامين نسوية قوية عكس ما تحمله قصة ""حورية البحر"" لأندرسون من تخاذل واستغناء عن الكينونة في سبيل الزواج.
في الثمانينيات من القرن الماضي بدأت قصص بديلة للحكايات الشعبية بالظهور في الغرب، من خلال دور نشر تحمل فكرا نسويا وإنسانيا، وقد لاقت وما زالت تلقى هذه المنشورات إقبالًا كبيرًا من الأطفال والأهل، وفي أغلبها قصص تستعمل قالب الحكاية الشعبية وشخصياتها ولكن تغير من مضامينها بشكل جذري وقصة ""الأميرة ذات الرداء الورقي"" للكندي روبرت مونش هي نموذج لهذه الكتب (قد تمت ترجمته وتوزيعه بآلاف النسخ في مدارس غزة والضفة عام 2000 من قبل مؤسسة تامر للتعليم المجتمعي).
لضيق المجال أرفق نموذجين يعكسان دونية المرأة والتعامل البشع مع الآخر المختلف، ونموذجًا يعكس حكاية حاولت فيها المحررة أن تعكس مضامين نسوية.
""الديك الهادر""
لمشاهدة الفيديو، اضغط\ي هنا.
هي من أولى الحكايات التي قمت بسردها منذ أكثر من عشرين عامًا، وكنت قد سمعتها من والدي وأحببتها جدا لكن عندما كبرت وصرت حكواتية، لم أستطع أن أسردها مع نهايتها التي لا تتماشى مع رؤيتي الإنسانية والنسوية.
تتلخص الحكاية بعثور الديك على قمحة وقيامه بتبديلها/ المقايضة بدهاء وحيلة ليحصل في النهاية على ""عروس"" وفي نهاية الحكاية المدوَّنة يكتب المحرر بما معناه: شوفوا هالديك شو شاطر حصل على عروس ولم يكن مهرها سوى حبة قمح.
بعد عمل دؤوب ومستمر وصلت لنهاية تلائم رؤيتي وجعلت الديك يقايض الجاموسة ب ""تاج العروس"" وصار له عُرف على رأسه هو وجميع ديوك العالم.
""حكاية جبينة""
لمشاهدة الفيديو، اضغط\ي هنا.
هي من الحكايات الشعبية المتداولة جدًّا، والتي تم توثيقها في كتب بحثية من قبل عدة باحثين.
جبينة طفلة أعطوها اسمها من شدة ""بياضها"" وكان لها ""عبدة سودا"" وقد قامت الخادمة السوداء بطلاء نفسها بالكلس الأبيض وطلاء ""جبينة "" بالزفت، فأحب الامير الخادمة وتزوجها وأخذ جبينة لتكون خادمة في قصره.
قام الدكتور شريف كناعنة في كتابه ""قول يا طير.. حكايات للأطفال"" بإعدادها للأطفال وألغى شخصية الخادمة سوداء البشرة، وجعل جبينة تقوم بدهن جسمها الابيض بالزفت الاسود لكي تبقى بأمان لأن لا أحد يحب سود البشرة في قصر الأمير وهذا إعداد لم يلغ التوجه العنصري للحكاية.
""حكاية أولها خيال وآخرها خيال"" إعداد د. سونيا النمر التي قامت بالاعتماد على الأحداث الخيالية في الحكاية الأصلية لكن جعلت البطلة هي التي تحكيها وكأنها مغامراتها الشخصية ويختارها الأمير لمهاراتها وخيالها الواسع بدون أن يهتم لأصلها وفصلها أو لشكلها الخارجي.
*الموضوع يستحق مقالًا أكاديميًّا منفصلًا لعرض الفرق بين مضامين أندرسون ومساهمتها في تذويت قيم ذكورية بحتة ومضامين الحكاية الشعبية الأصلية.
ملاحظة مهمة:
هذه المقالة ليست مقالة أكاديمية، وأعتمد فيها بالطبع على دراستي الأكاديمية للقب الأول والثاني في جامعة حيفا واطِّلاعي على العديد من المواد النظرية في مجال القراءة النقدية للحكايات الشعبية، وعلى معرفتي بعشرات الحكايات التي تدور حول أمور النساء في بلادنا وفي أنحاء العالم.
• في الختام، اليكم قصة ""الأميرة ذات الرداء الورقي""، لمشاهدة الفيديو، اضغط\ي هنا.