السياسة المتّبعة لتهويد التراث المقدسي

القدس هي قلب فلسطين ومركزها، وهي رمز للوطن، والقومية العربية، والمسيحية، والإسلام. وهي مدينة الإسراء والمعراج، وأُولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين الشريفين ودرّتها المسجد الأقصى المبارك، وقبة الصخرة المشرفة، وفيها آثار السيد المسيح، ودرب الآلام وكنيسة القيامة، وجبل الصعود. وتاريخ المدينة يثُبت أنها عربية إسلامية، أسسها الكنعانيون سابقا (العرب) ودمرها الرومان، ثم أعيد بناؤها. وفي الفترة الإسلامية ازدهرت وكان بناء قبة الصخرة في (العهد الأموي) وتطورت بالعهود المتلاحقة. وأصبحت رمزاً من رموز العهد العثماني فكان بناء الأسوار في عهد سليمان القانوني وبقيت كذلك حتى دخول الاحتلال الإنجليزي لتبدأ مرحلة أخرى من مراحل التبديل والتغيير وفي عام 1948 قسمت المدينة فكان الاحتلال الإسرائيلي وأعمال التطهير العرقي للعرب وتهجيرهم من أحيائهم وتغيير الأسماء والمواقع أو هدمها كان جزءا من السياسة الاسرائيلية اتجاه هذه المدينة وتدريجيا بدأ تغيير المشهد العام للمدينة ، باقتلاع جذور التاريخ العربي الإسلامي وإحلاله بمشهد غريب لا يمت بصلةِ بالتاريخ العربي ، وجاءت الضربة القاسية بعد احتلال ما تبقى من المدينة عام 1967 فوضعت كل القوانين والتشريعات لخدمة الهدف المعلن. وهو أن القدس (يهودية) عاصمة للدولة العبرية غير قابلة للقسمة تحت سيادة واحدة دون أي شريك فلسطيني.

تمر البلدة القديمة في القدس بظروف خاصة ، استباحت فيها الدولة العبرية كل مكوناتها، وأحدثت تغيرات كبيرة مست الحجر والبشر، وعلى الرغم من إعلان المدينة تراثا حضاريا عالميا يجب حمايته إلا أن سلطات الاحتلال أمعنت في تغيير المشهد الحضاري والتاريخي للمدينة ، ففي عام 1967 تمت إزالة حي المغاربة وأصبح أثرا بعد عين، محدثةً خراباً أثرياً وتاريخياً في هذه المنطقة وبعدها مباشرة بدأت بإزالة أجزاء من حارة الشرف، الميدان ، والعلم ، لإقامة أبنية جديدة ذات نمط معماري جديد دمج بين القديم والحديث ، كما أحدثت تغيرا كبيرا في البناء التاريخي الذي تمت المحافظة عليه خلال قرون ماضية. من الحكم العربي والإسلامي، ومسحت معالم تاريخية، ومساجد، وزوايا، ومقامات لها ارتباط بالعقيدة الإسلامية، ووضعت بدلا منها كنُسا ومعابد يهودية، لتبدأ مرحلة جديدة من الرواية اليهودية التوراتية لخلق تاريخ جديد مرتبط ارتباطا قويا بالهدف السياسي باعتبار القدس كاملة تحت السيادة وعاصمة لدولة واحدة وهي الدولة العبرية مستعملةً أسماء جغرافية عبرية لأسماء عربية لتأكيد هذه الرواية.

الاحتلال الحسّي:

ضمن سياسة التهويد المبرمجة والتي تهدف إلى محو كل شيء وكل ما يتعلق بالتراث المكاني والزماني. استخدمت الماكنة الإعلامية الاسرائيلية حيزا كبيرا من هذا التهويد والمسميات والرواية اليهودي التلمودية في تغيير الاماكن والحقب الإسلامية العربية أو حتى الرومانية بأسماء تم اختراعها من أجل إسقاط هذه الأسماء على التراث والمشهد العربي للمدينة. وكانت إحدى هذه الوسائل، المتاحف، والأدوات الإعلامية المقروءة والمسموعة، بالصوت والصورة وهذا الاحتلال الحسّي، لم يكن فقط على المواقع الأثرية أو التاريخية، بل تعدى ذلك إلى الأسماء العربية. وهذا يعني بالدرجة الأولى الاقتلاع من الجذور عن طريق المناهج الدراسية أو الإعلامية مما يؤدي إلى خروج أجيال لا تعرف سوى هذه الأسماء الجديدة وارتباطها بالتاريخ اليهودي (العدمية القومية) وظهور جيل يتكلم اللغة العربية لكن بأسلوب إسرائيلي. 

سلوان (مركز زيارات مدينة داوود):


المصدر: دائرة الخرائط ونظم المعلومات الجغرافية

يعتبر المركز الذي تم إنشاؤه في عام 1989، وافتتح عام 2006 ويعرض في القائمة أمام الزائر آخر المستجدات حول ما يطلقون عليه 1(عير دافيد)[1] بطريقة تتناسب مع وجهات نظر جمعية إلعاد الاستيطانية، حيث يعرض المجسم الأحداث المركزية التي حدثت في المدينة خلال الفترة التي يسميها الأثريون الإسرائيليون "فترة الهيكل الأول" فهو يركز على استعادة بناء شكل المدينة بعد أن احتلها داود، ويمكّن الزائر من التجول بها بطريقة وهمية. بالمقابل هنالك القليل فقط من إعادة البناء للمدينة اليبوسية. ويزعم القائمون على المجّسم أن استعادة المباني في العرض يعتمد على ثلاثة مصادر:
1. الموجودات الأثرية التي اكتشفت في الموقع.
2. بقايا وموجودات مدن أثرية كنعانية وتوراتية ومدن من الشرق القديم في هذه الفترة.
3. الوصف التوراتي والاقتباسات التوراتية التي حددت شكل والسرد.

وخطورة هذا المجسم أنه يعرض الرواية اليهودية بأحدث الطرق من الناحية التقنية. أما الحفريات في هذا الجزء من الموقع بدأت في سنوات العشرين من القرن الماضي، وفي عام 2005 تجدد الحفر في المكان تحت إشراف الأثرية الإسرائيلية ذات التوجهات التوراتية المحافظة والواضحة (إيلات مزار) Eilat Mazar. وفي هذه الحفريات وجدت مسار شبكة مائية في باطن الأرض يطلق عليه اسم) (Charles Wammen أو بيرون. وهذا البئر الذي أقيم في الفترة الكنعانية كان هدفه الوصول إلى نبع المياه الذي يقع أسفل المنطقة وخاصةً في فترة الحصار الذي يعني الوصول اليه بطريقة آمنة ومضمونة. وهذا البئر يبدأ بالنزول من المنطقة العليا بواسطة درج ملتوٍ إلى مناطق منخفضة2. [2]

1. وقف المغاربة مجمع كيدم موقف جفعاتي 1(الهيكل التوراتي)[3]


المصدر: دائرة الخرائط ونظم المعلومات الجغرافية

مركز زوار كبير سيقام بمبادرة من الجمعية الاستيطانية إلعاد. ويتألف المخطط من متحف، وحوض مائي كبير ومدخل إلى الحديقة الوطنية مدينة داود. سيرتفع المبنى (7) طوابق على مساحة 16600 م2، والطابق السفلي مكون من طبقة أثرية سيحافظ عليها والتي وجدت أثناء أعمال الحفر. وفوق المنطقة الأثرية يوجد موقف سيارات يتسع لـ 250 سيارة وفوقه فرع سياحي يشمل غرف دراسة وقاعات عرض2،[4] وحوضا مائيا كبيرا، وحوانيت لبيع المواد التذكارية، ومطعما، ومكاتب إدارة مدينة داود وغير ذلك 3.[5] وستكون أسطح المبنى مفتوحة للزوار ويوصل المبنى بشارع (هورودوس) تحت الأرض حيث يصل بين مدينة داود وباحة البراق. وهنالك معارضة من مهندسي العمارة وعلماء آثار وأدباء، وشعراء، ورجال عامون، وأكاديميون. حيث يشير هؤلاء باعتراضهم بأن المبنى الضخم يغير المشهد العام للمدينة القديمة. ويكون سابقة لا مثيل لها لبناء خاص كثيف على تل أثري ذو أهمية علمية نادرة. وانضمت إلى المعارضة مؤسسة اليونسكو والجدير بالذكر بأن المهندس المعماري (آرية رحمينوف) الذي صمم المنشأة. وهو من اليمين المتطرف ويستخدم التخطيط كسياسة رافعة في السيطرة وتغير المشهد العام للبلدة القديمة. وتبلغ مساحة الأرض التي تم الاستيلاء عليها (5) دونمات.

2. جبل المدور – الشيخ جراح (جبعات حتموشت):


المصدر: دائرة الخرائط ونظم المعلومات الجغرافية

أقام الإسرائيليون متحفا مفتوحا على أرض حي الشيخ جراح بالقرب من مدرسة عبد الله بن الحسين على مساحة تبلغ 11 دونما وهو الموقع الذي وقعت فيه معارك حامية عام 1967 بين الجيشين الأردني والإسرائيلي. وفي المتحف تعرض فيه مسار المعركة ومواقع الخنادق والجدران والأسلحة الاردنية التي استخدمت خلال المعركة. أقيم وسط الموقع قاعة القدس التي تضم صورة للمدينة كما كانت عليه عقب حرب حزيران مباشرة. وعلى جزء أخر من الموقع تم إقامة موقف ضخم للسيارات والحافلات التي تخدم القطار الخفيف.

أسماء بعض المواقع التي تم عبرنتها وذات دلالات توراتية:

الاسم باللغة العربية

الاسم باللغة العبرية

حارة الشرف

الحي اليهودي

عقبة الخالدية

الحشمونائيم

الواد

هجاي

المناضلين

شارع هايهوديم

طريق الميدان

مسكاف لداخ

عقبة أبو مدين

طريق هاكوتيل

عقبة غنيم

شارع شوني هلشوت

شارع عمر بن الخطاب

شارع بيتي مهاسي

شارع نمَر

شارع تفيئيرت اسرائيل

طريق حارة الشرف

شارع هلوت رابي يهودا

درج الطابونه

شارع بلوجات هاكوتيل

طريق سوق الحصر

حباد

شارع خان الزيت

بيت حباد

طريق المجاهدين

شعار هآريوت

عقبة القادسية

شعار ها براخيم

عقبة التكية

معلوت همدرشاه

جبل الزيتون

هارهمشحاة

حي البستان

شيرهمعلوت

راس العمود

معاليه هزتيم

وادي الربابة

وادي هنوم

وادي حلوة

عيردافيد

الصلدوحة

ديرخ هاعوفيل

 

إن مراحل تهويد الأسماء الجغرافية، والمواقع الأثرية داخل مدينة القدس تعتبر المرحلة ما قبل الاخيرة لحسم الصراع على القدس سياسيا وتاريخيا ودينيا للصالح الإسرائيلي، باعتبارها عاصمة أبدية لهم مستخدمةً كل الأدوات اللازمة لتحقيق هذا الهدف.


الاحالات:

1. (عيردافيد) هو جزء مما يسمى الحديقة الوطنية – محيط أسوار القدس. وتديره جمعية إلعاد الخاصة.
2. تلة سلوان – نواة القدس. علياء عطا الزعبي – القدس 2015
3. بلدية القدس / مشروع مخطط هيكلي رقم 13542/2012 المصادق عليه عام 2014.
4. هارتس – نيرحسون وآخرين 22/7/2009
5. وكالة معاً – 24/3/2016.

 


كاتب المقال: د. خليل التفكجي وهو مدير دائرة الخرائط في جمعية الدراسات العربية وخبير بارز في شؤون الاستيطان.

د. خليل تفكجي

مدير دائرة الخرائط في جمعية الدراسات العربية وخبير بارز في شؤون الاستيطان

شاركونا رأيكن.م