الحروب السيبرانية – حروب المستقبل!

بينما تتجه أنظار العالم والإعلام لتغطية صوت القذائف وصور غارات الطيران الروسي على المدن الأوكرانية هناك حرب سيبرانية موازية للحرب التقليدية لا تقل أهمية وتأثيرًا عنها.

ما هي الحرب السيبرانية؟ وما مدى تأثيرها على الصراعات بين الدول؟ وهل من الممكن أن تقلب ميزان القوى بين الدول العظمى في المستقبل؟

يمكن تعريف الحرب السيبرانية على أنها هجمات على الشبكات والأنظمة المحوسبة تقوم بها جهة معينة ضد جهة أخرى. يتم اختراق هذه الشبكات والأنظمة لتحقيق عدة أهداف أهمها تعطيل هذه الشبكات أو الاستيلاء عليها والتحكم بها، الحصول على المعلومات الموجودة على هذه الأنظمة والتي ممكن أن تكون سريّة أو تشفيرها وزرع معلومات كاذبة ممكن أن تؤثر على الرأي العام.

في هذه الحقبة الزمنية من تاريخ الحروب تعتبر الحرب السيبرانية جزء من الحرب الهجينة ويمكن أن يكون لها تأثير على مجريات الحرب الفعلية، فتعطيل خوادم في وزارة دفاع، تعطيل شبكة الكهرباء أو شبكة تزويد الوقود ممكن أن يكون له تأثير كبير على مسار الحرب الفعلية. ومع التطور التكنولوجي الكبير من المتوقع أن يزيد تأثير الحرب السيبرانية على الصراعات والحروب حتى تصبح لها حصة الأسد في تحديد مصير هذه الحروب.

لهذه الأسباب نرى اليوم سباق تسلح من نوع جديد بين دول العالم فتقوم دول عديدة ببناء جيش سيبراني للقيام بالهجومات السيبرانية ضد أهداف معادية ووظيفة لا تقل أهمية هي بناء منظومة دفاع سيبرانية للشبكات والمنظومات المحوسبة الحيوية للدولة كخوادم الوزارات، المصارف، المستشفيات، شبكات البنى التحتية كالكهرباء، الوقود والماء والمفاعلات النووية.

وإن نظرنا على سباق التسلح بين الشرق والغرب خلال وبعد الحرب العالمية الثانية والذي دفع الدول للتسلح بالأسلحة النووية لتكون لها أفضلية عسكرية في حال اندلاع أي حرب فبعد أن استطاعت العديد من الدول الحصول على السلاح النووي خلال العقود الماضية، لم يعد السلاح النووي يشكل ورقة رابحة لدولة أو حلف ما ضد دولة أو حلف معادي، ومن هذا المنطلق تسعى عدة دول كروسيا، الولايات المتحدة، الصين وبريطانيا لتكون السباقة في سباق التسلح السيبراني ليكون عندها سلاح كاسر للتعادل.

لنتحدث الآن عن بعض الهجمات السيبرانية المنسوبة لروسيا (والتي تدعي روسيا دومًا أن لا علاقة لها بهذه الهجمات) والتي كانت لها تأثيرات كبيرة على نظرة العالم لهذا السلاح الهجومي غير التقليدي الجديد وكيف يتم مهاجمة أوكرانيا في الحرب الدائرة اليوم وكيف تقوم أوكرانيا بالرد على هذه الهجمات.

إحدى أولى الهجمات المنسوبة لروسيا ضد دولة كانت عام ٢٠٠٧ حيث هوجمت عدة مواقع حكومية، تجارية وهيئات اتصال إستونيّة وتم تعطيل هذه المواقع لعدة أيام وتسبب ذلك في خسائر مادية كبيرة لإستونيا.

في عام ٢٠٠٨ قبل اقتحام روسيا لجورجيا تم الهجوم على البنك المركزي الجورجي ومواقع ومنظومات حكومية وأهم ما تم مهاجمته وتعطيله هي المنظومة التابعة للجيش الجورجي والمسؤولة عن تنظيم واستدعاء جنود الاحتياط مما أدى إلى تخبط الجيش الجورجي باستدعاء جنود الاحتياط للمشاركة في الحرب. كان هذا الهجوم علامة فارقة في تاريخ الحروب حيث كانت المرة الأولى التي يتم استخدام الحرب السيبرانية ضمن حرب فعليّة. بعد هذه الحادثة فهمت الدول قوة الحرب السيبرانية وبدأت بضخ الميزانيات لبناء منظومات دفاعية وهجومية سيبرانية.

ويتكرر ذلك في عام ٢٠١٤ فقبل بدء الحرب في شبه جزيرة القرم قامت روسيا بهجمات سيبرانية واسعة ضد أوكرانيا ومنذ ذلك الحين قامت روسيا بأكثر من ألف هجمة سيبرانية ضد أوكرانيا وهناك من يقول إن أوكرانيا أصبحت حقل التجارب أو المختبر الذي تجري فيه روسيا تجاربها السيبرانية وتضمنت هذه التجارب هجمات على مصارف، مواقع حكومية، شبكات الكهرباء والماء وحتى الإشارات الضوئية. كل هذه الهجمات تدل على ثقة روسيا ودول أخرى بقوة هذا السلاح الجديد.

في ٢٣ كانون أول ٢٠١٥ قامت روسيا بهجوم سيبراني معقد وذكي جدًا على ٣ شركات أوكرانية لتوصيل الكهرباء وتم قطع التيار الكهربائي عن ٢٣٠ ألف أوكراني لمدة ٦ ساعات في شتاء أوكرانيا القارس. إن نظرنا على العبرة من الهجمة التي حصلت فهي إمكانية تعطيل بنى تحتية والتي ممكن أن يكون لها تأثير كبير على كافة القطاعات بالدولة.

في عام ٢٠١٧ قامت روسيا بتشفير وإبادة مواد من خوادم التابعة للحكومة الأوكرانية وانتشار الفيروس لشركات أخرى ويقدّر حجم الخسائر من هذه الهجمة ب ١٠ مليارات دولار وتعد هذه الهجمة أكبر هجمة كان لها تأثير على اقتصاد العالم حتى اليوم.

وتتواصل الهجمات الروسية على أوكرانيا على مدار السنين حيث تقوم روسيا بشن عشرات الهجمات منذ بدء تصاعد الأحداث في نهاية العام الماضي وحتى يومنا هذا، محاولة ترك دمار الكتروني قدر الإمكان ليس فقط في أوكرانيا، بل في دول الغرب أيضًا. في المقابل أوكرانيا كدولة لا تمتلك القدرة على الدفاع عن نفسها ربما لشح الميزانيات المرصودة للسايبر أو لعدم وضع السايبر على سلم أولوياتها، لهذه الأسباب قامت أوكرانيا بطلب المساعدة أو تجنيد مجموعات وأفراد لمساعدتها في صد هذه الهجمات وتنفيذ هجمات سيبرانية على مواقع روسية ومن أبرز المجموعات التي دخلت الحرب هي مجموعة أنونِموس حيث أعلنت أنها في حالة حرب ضد روسيا.

لا شك أن الحرب السيبرانية تغير الكثير من المفاهيم والمعادلات وموازين القوى كما نعرفها اليوم في الحروب التقليدية ومن المتوقع أن يكون للحرب السيبرانية تأثير أكبر على الحروب والنزاعات في المستقبل وستكون ورقة رابحة للطرف الذي يمتلك ""جيش سيبراني"" دفاعي وهجومي أفضل، لذلك تقوم الدول بتطوير هذا الجيش ومن غير المستبعد أننا بتنا قريبين لليوم الذي تكون فيه عناوين الصحافة والخبر الأول في نشرات الأخبار عن اختراق خوادم عسكرية تشل حركة سلاح الجو بدلًا من عبور أول دبابة وأول جندي للحدود.

وجدي زابط

شريك مؤسس لشركة أوركا سكيورتي ومختص سايبر وأمن المعلومات

شاركونا رأيكن.م