الأصول الاجتماعية لكذبة الأول من نيسان: تفسير علم الإنسان

إنه يوم الكذب والمقالب العالمي!

مع بداية اليوم الأول من شهر نيسان/أبريل، ينطلق خيال البعض ليشمل خططا خبيثة مضحكة، تعتمد ""الكذب الأبيض"" لبناء المقالب المختلفة والمزاح، حيث تنتشر هذه العادة اليوم في كثير من دول وشعوب العالم. لكن هل حقا نعلم لماذا معظمنا يقبل لنفسه أن يكون ""كاذبا"" لمدة 24 ساعة كل سنة، وبموافقة اجتماعية واسعة؟ للوهلة الأولى، إذا تعمقنا بالفكرة ذاتها قد تبدو لنا حقا غريبة. فالكذب من المفروض أن يكون من الخصال التي تبعد عنا الصديق والقريب. فما هو أصل العادة؟ وما هي أهميتها التاريخية والاجتماعية التي جعلت هذا اليوم جزءا من التاريخ على مدى مئات السنين أو أكثر؟

انتشرت عادة الانغماس في المقالب في الأول من نيسان في أوروبا منذ مئات السنوات. ووثقت هذه الممارسة في ألمانيا وفرنسا وإنجلترا وبولندا والبرتغال وروسيا، من بين بلدان أخرى. بعض النظريات القديمة لأصل هذه العادة تعتبر اليوم ضعيفة وغير موثقة، خصوصا تلك التي تدعي أن أصلها هو عادة دينية مسيحية، بتأثير العهد الجديد أو التوراة. مثلا آمن البعض أن القصد منها محاكاة ساخرة للقيصر الروماني وللحكم على المسيح، الذي أُرسل من بيلاطس إلى هيرودس ومن هيرودس إلى بيلاطس. هناك نظرية أخرى تعود إلى عام 1769، حيث زعمت أن عادة كذبة الأول من نيسان هي احتفال برحلة حمامة نوح من السفينة قبل أن تنحسر المياه، ولإحياء ذكرى خلاص نوح.

ويقترح بعض الباحثين أن سبب نشوء كذبة الأول من نيسان، في العصور الوسطى، هو كون معظم المدن والقرى الأوروبية احتفلت بيوم رأس السنة الجديدة في 25 مارس، مع عطلة تنتهي في بعض مناطق فرنسا على وجه التحديد، في 1 أبريل. لكن مع تغيير القانون في الدولة واعتماد التقويم الغريغوري سنة 1582 انتقلت بداية السنة إلى الأول من كانون الثاني.

أولئك الذين احتفلوا بليلة رأس السنة الجديدة في التاريخ الجديد سخروا من أولئك الذين احتفلوا في تواريخ أخرى بوساطة اختراع يوم كذبة الاول من نيسان. وفي عام 1508، أشار الشاعر الفرنسي إيلوي دامرفال إلى Poisson d'avril (كذبة أبريل، تعني حرفيا ""سمكة أبريل"")، ربما كانت أول إشارة إلى الاحتفال في فرنسا. يشير المصطلح على الأرجح إلى ""صيد"" الأسماك، حيث إن إحدى الوظائف الواضحة للمقالب هي ""إمساك"" المخادع أو الضحية. وفي إيطاليا، كلمة سمكة هي مصطلح عام لكلمة غبي أو أحمق. في اسكتلندا، تُعرف الضحية باسم Gowk أو cuckoo وهي أسماء عصافير قد تعتبر قليلة الذكاء. باحثون آخرون يعتقدون أن أول إشارة مؤكدة إلى هذا اليوم كان في قصيدة فلمنكية عام 1561 كتبها إدوارد ديدين. في القصيدة، يرسل أحد النبلاء خادمه في مهام غير مثمرة ليدرك الخادم أنه تم إرساله في ليظهر أنه ""أحمق"" لأنه يوم 1 نيسان.

تفسير أقوى لأصول ومعاني هذه العادة يقدمه لنا علماء الأنثروبولوجيا (علم الإنسان)، وخصوصا المهتمين منهم بالتاريخ الاجتماعي للعادات. يوثق العديد من علماء الإنسان من خلال أبحاثهم الكثير من تلك العادات الغريبة، للوهلة الأولى، لمن لا يعرفها، حيث يعتبرون النكتة أو المقلب أحد المركبات الأساسية من الطقوس البشرية المتنوعة. فمثلا في طقس ال Charivari المنتشر حول منطقة البحر المتوسط وأوروبا، يتعرض فيه المتزوجون حديثًا لنكات ومقالب مختلفة أو إهانات من قبل الأسرة أو مجتمع القرية بأكمله، بحيث يوفر مناسبة طقسية أخرى لسلوك المزاح.

أحد أشهر هذه الأبحاث هنا هي لعالم الأنثروبولوجيا الاجتماعية ألفريد رادكليف - براون في عام 1940، حيث وصف نوعًا من المزاح الطقسي الذي يحدث، على سبيل المثال، بين الرجل وحماته في بعض مجتمعات السكان الأصليين في جنوب أفريقيا أو الطفل وخاله في الكثير من المجتمعات حول العالم. حلل رادكليف - براون نوعين رئيسيين من علاقات المزاح: الأولى هي ""علاقة غير متكافئة""، حيث يُطلب من أحد الطرفين عدم الشعور بالإهانة من المضايقة المستمرة أو السخرية التي يفعلها به الطرف الآخر، بينما في ""العلاقة المتكافئة"" يسخر كل طرف على حساب الطرف الآخر. مثل النكتة اللفظية، فإن المقلب يحتوي على خداع أو ضحية. بالإضافة إلى ذلك، يكتشف المرء أن هناك عادةً جمهورًا، غالبًا ما يتكون من أصدقاء المخادع، حاضر للاستمتاع بالمزحة، وكثيرًا ما ينضم الجمهور إلى المساعدة في الإذلال النهائي للضحية. المقلب إذن هو طقس اجتماعي لأن معانيه لا تقتصر على طرفين فقط. فيرى رادكيف-براون أن علاقة المزاح على أنواعها هي تفاعل يربط ويثبت العلاقات الاجتماعية، خاصة حيث يتواجد توتر أو تنافس أو صراع محتمل، مثل بين الأصهار وبين العشائر والقبائل، وتصبح المزحة وسيلة لنشر روح الدعابة، اللعب، وبالتالي السلام بين الطرفين.

وإذا قمنا بمقارنة السياقات الأكثر شيوعًا لمقالب الأول من نيسان، فيمكننا بسهولة أن نرى أنها تحدث كثيرا مع الأفراد أصحاب الوضع الجديد أو مكانة اجتماعية مختلفة عن صاحب المقلب. فتنفذ المقالب على الساكنين الجدد في البلد، أو الوافدين الجدد في مخيم العطلة الصيفية أو المدرسة. وإحدى المناسبات المنتشرة التي يتم فيها تنفيذ المقالب هي أول يوم للوافد الجديد في العمل. وفي المجتمعات الطبقية، يسهل عادة لمن ينتمي إلى طبقة اجتماعية قوية صنع المقالب مع شخص ينتمي إلى طبقة أضعف، أو العكس.

لاحظ عالم الإنسان أرنولد فان جينيب Van Gennep في دراسته الكلاسيكية ""طقوس العبور"" عام 1908 أن جميع هذه الطقوس تبدو وكأنها تتبع لنفس النمط الهيكلي: الانفصال ، الانتقال ، ومن ثم مرحلة الاندماج مجددا في المجتمع. سواء تحدث المرء عن طقوس بداية البلوغ، أو طقوس الزواج أو الموت، يمكن ملاحظة نفس التسلسل عند الشعوب البشرية. فيتم فصل الفرد أولا عن المجموعة؛ ثم يتبعها فترة حالة هامشية ينقطع عنها الشخص عن المجتمع (وهي فترة الطقس المركزية)؛ وأخيرًا يتم قبول الفرد مرة أخرى في المجتمع مع الاعتراف بوضعه الجديد تمامًا.

يمكن هنا رؤية التشابه بين تحليل فان جينيب لطقوس العبور وطقس مقلب الاول من نيسان: أولا، يتم فصل الشخص عن المجموعة عن طريق إرساله لإيجاد شيء (وهمي) أو إنجاز فعل معين. خلال الوقت الذي يقضيه في المهمة الكاذبة، يكون في حالة هامشية، فهو الآن (لفترة معينة) ليس جزءًا من المجموعة صاحبة المزحة. أخيرًا، إما أن يدرك المخادع أنه قد تم خداعه أو تم الكشف عن المقلب للضحية من قبل واحد أو أكثر من أعضاء المجموعة. في هذه المرحلة، يتم إعادة دمج الضحية في المجموعة كعضو كامل العضوية في مركز اجتماعي متجدد.

كيف يساعد تحليل المقالب هذا في تفسير سبب إجراء المقالب في الأول من أبريل؟ لفهم هذا، يجب أن نتذكر أن هناك نقاطًا مهمة في دورات التقويم الشهري القديم، والتي غالبًا ما كانت مصحوبة بطقوس العبور. اعتبر القدماء شهري مارس وأبريل (وتحديدا أسبوع الاعتدال الربيعي) بداية العام. فاسم كانون الأول (ديسمبر) مشتق من الكلمة اللاتينية التي تعني عشرة. وبنفس الطريقة، نوفمبر هو التاسع (وليس الشهر الحادي عشر)، وأكتوبر هو الثامن، وسبتمبر هو السابع. بالعد إلى الوراء، يمكننا أن نرى بسهولة أن العام بدأ في شهر آذار/مارس، وليس كانون الثاني/يناير. ففي إيران حتى يومنا هذا، يعتبر آذار بداية العام الفارسي الجديد. شهر نيسان/أبريل الذي يأتي بعد أيام قليلة من الاعتدال الربيعي أصله من الكلمة اللاتينية التي تعني ""فتح"" أو بداية. ومن ثم، فإن نيسان/أبريل هو بداية الربيع ونهاية الشتاء، وقت الزراعة، ولذلك كان يُنظر إليه على أنه البداية الصحيحة للسنة الجديدة. ومن هنا يمكن فهم تعدد المهرجانات والطقوس القديمة في هذه الفترة، مثل النوروز على تجلياته المتعددة (منها شم النسيم، وبلا شك احتفالات يوم الأم الحديثة ترتبط بالمهرجانات الاحتفالية القديمة في هذا الأسبوع)، أو بمهرجان ""هيلاريا"" الساخر في روما القديمة، كما يقع الاحتفال الهندوسي ""هولي"" الذي يستمر يومين ، والمهرجان الفارسي سيزده بيدار وعيد البوريم اليهودي في أوائل الربيع.

على ضوء ذلك، يرى الباحثون في علوم الإنسان أن الأول من نيسان/أبريل يلبي شروطا مناسبا لإجراء طقوس العبور: تغيير في السنة، والموسم، والشهر. وهو يمثل فترة الانقطاع والهامشية الاجتماعية. إنه انقلاب طقسي للمواسم: الشتاء إلى الربيع هو انتقال وانقلاب. فهذا الانقلاب في الموازين ينعكس أيضا في قلب السلطة والقوة في الأول من نيسان، حين يسمح المجتمع للأطفال تنفيذ المقالب على المعلمين وأولياء الأمور (أو الأشقاء الأكبر سنًا). يصبح الخيال في هذا اليوم حقيقة، والباطل يعاير على أنه نوع من الصدق. وبذلك تنتج حالة من المساواة بين الطبقات المختلفة.

إذن، للمقالب التي نستمتع في تنفيذها معانٍ ووظائف اجتماعية واضحة تعيدنا إلى طقوس العالم القديم قبل آلاف السنين. وقد تكون الحاجة الإنسانية إلى اللعب والفرح، كمتعة شخصية، مع التوق إلى الشعور بالحرية من التدرج الطبقي المجتمعي، والتوق إلى التجديد في الهوية، المتمثل بتغيير وتجدد المواسم، هو أساس انتشار هذه العادة القديمة.

د. رامز عيد

محاضر وباحث في العلوم الإنسانية بالجامعة المفتوحة

شاركونا رأيكن.م