هل كل ضرر جسماني أثناء تلقي علاج طبي بالضرورة يشير على وقوع إهمال من قبل الطاقم الطبي؟

هل دائما الأضرار الجسدية أثناء تلقي العلاج هي بمثابة قضاء وقدر؟

بداية يجب التمييز قبل كل شيء، بين الأضرار الجسدية الناتجة عن خطأ طبي عادي أو معروف الناتج أثناء تلقي علاج طبي، وبين الأضرار الناتجة من إهمال الطاقم الطبي. فالخطأ العادي مشروع يمكنه دائما أن يقع، حتى وإن التزم المعالج بالمعايير المطلوبة والمتفق عليها طبيا أثناء تقديم العلاج. أما الإهمال الطبيّ فهو حالة معيّنة من إعطاء العلاج دون اتباع المعايير المطلوبة، والمتفق عليها طبيا فيتسبب ذلك بضرر جسدي أو آخر لم يكن ليحصل لولا إهمال المعالج.

عندما يتم استئصال الكلية اليمنى لمريض ما، بينما كان من المفروض أن تُسـتأصل الأخرى، يشكل ذلك ضررا جسديا بمثابة نسبه عجز ثابتة ترافق متلقي العلاج كل أيام حياته! هذا مثال صارخ لإهمال طبي قد يمكن المتضرر، متلقي العلاج، من تقديم دعوى قضائية بهذا الصدد بهدف محاسبة كل من كان له علاقة في سيرورة العلاج، ولا تقتصر المحاسبة بالضرورة على الطبيب الذي أجرى العملية أو العلاج مباشرة، بل وأيضا يمكن محاسبة المؤسسة الطبية التي يعمل بها هذا الطبيب، صناديق المرضى، المستشفيات، وفي حالات خاصة تتم أيضا مقاضاة عيادات خاصة ومستقلة.

أما الضرر الذي يمكن أن يحدث للمريض نتيجة إهمال طبي فهو متنوع ويندرج في ثلاث فئات:

  • ضرر جسدي يؤدي إلى الموت المباشر.

  • ضرر جسدي لا يمكن تصحيحه، فيعيش المريض مع إعاقة صحية مدى حياته.

  • ضرر نفسي يتعرض له المريض نتيجة الضرر الجسدي يرافقه مدى الحياة.

الإهمال الطبي له وجوه عديدة منها: تشخيص الحالة الطبية بشكل خاطئ، عدم توجيه المريض لإجراء فحوصات طبية مناسبة، اختيار إجراءات طبية خاطئة، اختيار علاج أو تطبيقه بشكل خاطئ، عدم تزويد المريض بالمعلومات الكافية عن العلاجات المتوفرة حتى يتمكن من اتخاذ قرار باختيار إحدى طرق العلاج المتوفرة وغير ذلك الكثير...

عندما يتم إثبات وقوع الإهمال الطبيّ، تفرض المحكمة على المؤسسة المسؤولة عن وقوع هذا الإهمال تقديم التعويضات المادية المناسبة للتخفيف على متلقي العلاج من آثار الضرر الذي تعرض إليه. تـهدف هذه التعويضات إلى تغطية الخسائر التي تعرض لها متلقي العلاج، يشمل ذلك على سبيل المثال، تغطية جميع الخسائر الناتجة من حدوث الإهمال الطبي كفقدان القدرة على العمل وكسب الرزق، تكاليف العلاج الطبي، تكاليف مرافقة كتكاليف السفريات، تعويضات عن الأضرار النفسية الناتجة عن حدوث الضرر الجسدي كالخوف والمعاناة، تكاليف الاحتياجات لتلقي مساعدة الاخرين بالمهام اليومية نتيجة الإعاقة الجسدية، إضافة إلى التعويض عن تقصير مدى العمر المتوقع وما شابه ذلك.

ومن الجدير بالذكر، أنه وفق أبحاث تم إجراؤها بين السنوات 2000 وحتى 2014، 74% من الشكوات عن وقوع حوادث إهمال طبي، المصرح عنها من قبل الطواقم الطبية لإدارة المؤسسات المشغلة ولشركات التأمين التي تغطي المسؤولية المهنية لهؤلاء الطواقم، لم تحظَ بالوصول إلى المحكمة لتقديم دعاوى قضائية بحق المسؤولين، هذا معطى يشير إلى أن أغلبيه المتضررين لم يقوموا بفحص إمكانيه وقوع إهمال طبي ويتعاملون مع النتيجة، غير المتوقعة على أنها قضاء وقدر. وهذا يعود برأيي إلى نقص في وعي جمهور المتعالجين وقلة إدراكهم لحقوقهم في حال وقوع حادث طبي.

أما عن قيمة مبلغ التعويض لمتلقي العلاج المتضرر، فذلك يتعلق بعدة عوامل منها: جيل المتضرر، مدى الضرر الذي تعرض إليه ونسبة العجز الطبية المتبقية، المؤقتة والمستديمة، الانخفاض بمدخوله الشهري نتيجة العجز، تكاليف العلاجات الطبية التي يخضع إليها، تكلفة المساعدة من طرف ثالث، الألم والمعاناة وإلخ...

وفق قانون التقادم، يمكن للمتضرر من الإهمال الطبي، تقديم دعوى حتى مرور سبع سنوات منذ الموعد الذي حدث به الإهمال الطبي. لكن هنالك استثناءات لذلك. من الاستثناءات الشائعة:

عندما يكون المتضرر قاصرا، تبدأ فتره التقادم منذ بلوغ القاصر سن الثامنة عشر عاما.

عندما يتم اكتشاف الضرر الناتج عن الإهمال الطبي في وقت لاحق، تبدأ فتره التقادم منذ موعد اكتشاف الضرر.

أما عن الخطوات التي يجب على المحامي المختص بقضايا الإهمال الطبي أخذها من أجل تقديم دعوى قضائية حول الإهمال الطبي، فهي كما يلي:

التوجه أولا إلى الأجسام أو المؤسسات الطبية بطلب لجمع الملف الطبي الذي يشمل كافة المستندات الطبية المتعلقة بالمتعالج. في كل مؤسسه طبّية هنالك قسم خاص يُعنى بالتسجيل الطبي، حيث يحق لكل متعالج تلقي نسخة كاملة عن ملفه الطبي. بحالة إثبات أن السجل الطبي لا يشمل جميع المعلومات الطبية التي يحتاجها المتعالج لإثبات دعوى الإهمال، عندها يحق للمحكمة نقل مسئوليه الإقناع للمدعى عليه لإثبات أن المعالج لم يتصرف بإهمال عند تقديم العلاج الطبي.

عرض الملف الطبي على طبيب مختص والذي يحدد بتقرير طبي مفصّل إذا كان هنالك إهمال، ويشمل التقرير تقدير للضرر الناتج عن ذلك ونسبة العجز الطبية.

تقدم الدعوى والتقرير الطبي المرفق لها للمحكمة.

القانون الإسرائيلي يحتم تقديم دعاوى لإهمال طبي بإرفاق تقرير طبي من طبيب مختص، بدون هذا التقرير لا يمكن دخول الحلبة القضائية.

وأخيرا، بعيدا عن الاعتبارات القانونية، لا شكّ أن التعويضات المادية مهما ارتفعت قيمتها، لا تضاهي لحظة ألم لهؤلاء المتضررين في أغلى ما يملكون، وكأن المصائب التي حلّت بـهم لم تكن قاسيةً كفاية، ولكن عسانا أن نخفف من وطأة المعاناة ولو قليلا من خلال تحصيل التعويضات وعليه نحث المتضررين للمطالبة بحقوقهم كاملة عن طريق التوجه إلى محام مختص في قضايا الإهمال الطبي لإجراء الفحوصات القانونية\ الطبية المطلوبة لتقصي الحقائق والإجابة عن السؤال الأساس – هل الضرر والعجز نتيجة إهمال طبي أم قضاء وقدر؟

المحامي اياد مطانس

محامي مختص في قضايا الإهمال الطبي

شاركونا رأيكن.م