الصدمات النفسية – مآلاتها، كيفية تشخيصها وسبل علاجها

بداية وقبل الخوض في الصدمة النفسية يجب أن نُعرف الصحة النفسية التي يتوجب على الفرد والأفراد البحث عنها في المسيرة أو السيرورة الحياتية.

"الصحة النفسية هي أعلى درجات التكيف النفسي الاجتماعي، وهي حالة عقلية انفعالية مركبة تمتاز بالشعور بالسعادة مع الذات ومع الاخرين والشعور بالرضا والطمأنينة والنشاط والقوة، ويتسم الشخص بالاتزان والكفاءة". "الصحة النفسية هي حالة إيجابية تظهر في مستوى أداء الوظائف النفسية".

في المقام الثاني نعرف الضغط النفسي على إنه حالة نفسية من التوتر الشديد. حيث يؤدي إلى اختلال التوازن النفسي وإلى اضطراب في السلوك ويترتب على ذلك أسباب داخلية أهمها فكر سلبي غير عقلاني، تنافس مبالغ فيه، صراع نفسي داخلي، عدم تقبل الواقع، وهنالك أسباب خارجية كوفاة عزيز، خسارة مادية، خسارة مكان العمل، صراع بين مجموعات، حالات الحروب، الكوارث الطبيعية وغيرها.

تعريفات وأسباب

أما الصدمة النفسية فهي نتاج تعرض الشخص لحادث صادم مهدد حيث يتمثل ذلك إما على حياة الشخص مباشرة أو إذا رأى الشخص آخرين تعرضوا لحوادث صادمة أدت إلى وفاة أو تهديد بخطر الموت، أو إصابة جسدية بالغة.

كما تتمثل ردود أفعال هذا الشخص بالخوف الكبير والشعور بالعجز أو الشعور بالرعب ولاحقا تؤدي الأحداث الصادمة إلى ذكريات مزعجة مستمرة، تشتمل على تخيلات وأفكار وتهيؤات للحدث الصادم وإلى أحلام مزعجة مستمرة حول الحدث. كما تظهر لدى غالبية المصدومين أحاسيس بأن الحدث الصادم ما زال مستمرا ويتجلى ذلك من خلال الومضات الخيالية السماعية والصوتية ويكون الضرر النفسي عميقا نتيجة الحدث الصادم ونتيجة حدوث أحداث مشابهة له ويمتنع هؤلاء الأشخاص عن المثيرات المتعلقة بالحدث الصادم وتتمحور ردود الفعل حول تفادي كل ما يتعلق به من خلال بذل مجهود خاص للامتناع عن التفكير والإحساس أو الحديث المتعلق بالحدث الصادم وكذلك بذل مجهود كبير على مستوى الفكري من أجل الامتناع عن فعاليات وأماكن واشخاص تذكر بالحادثة الصادمة، وهنالك فئة من هؤلاء تتميز بعدم القدرة على تذكر جزء هام من الحادثة (ويعرف ذلك بالإنكار عند الشخص كوسيلة دفاعية نفسية).

وغالبًا ما تتميز ردود الفعل حين حدوث الحدث الصادم، بالأمور التالية:

1. Freeze الجمود

2. Fight المقاومة

3. Flight الهروب

أما أحدث التعريفات النفسية للصدمة تلك التي تأخذ منحى فلسفيا اجتماعيا:

Wound of the soul الصدمة النفسية هي جرح في الروح - والجرح في الروح يعني بأبعاده تحطيم النفسية للاستمرار في الحياة ويعني أيضا موت المشاعر والأحاسيس وموت أي نوع من ردود الأفعال.

open circles الصدمة النفسية هي دوائر مفتوحة - حيث كل دائرة مفتوحة في التجارب الحياتية والتي لا يتم إغلاقها تؤدي إلى ألم نفسي بالغ الأثر.

الصدمة النفسية هي أيضا نتاج احداث غير متوقعة ومفاجئة تؤدي إلى ألم نفسي كبير حيث تؤثر الصدمة النفسية على الجوانب الحياتية، السلوكية، الاجتماعية، وعلى الجوانب العاطفية والانفعالية وتؤثر على جوانب وأنماط التفكير محدثةً ضررًا على المستوى الفكري والذاكرة وعلى مجالات التركيز والإصغاء والقيام بالوظائف الحياتية اليومية وميادين العلم والعمل والإنتاج.

وهنالك أسباب على صعيد الخلفية الاجتماعية كتربية غير سليمة وقمعية تتمثل باضطهاد الآخر وتتمثل بالعنف المستمر بمختلف أنواعه تجاه الافراد وخاصةً العنف على المستوى الاسري والمجتمعي، والتنكيل النفسي وعدم احترام الآخرين، حيث يعاني هؤلاء المصدومون من غياب أنواع الدعم النفسي والتهميش وعدم الاكتراث باحتياجاتهم النفسية على وجه الخصوص.

أعراض

يعاني الأشخاص الذين تعرضوا للصدمة النفسية من القلق والتوتر الشديد ويميلون إلى العزلة والانطواء إضافةً إلى التصور الذاتي المنخفض والشعور بالإحباط كما تكون لديهم مخاوف دون أسباب وآلام جسدية مرافقة وصعوبات في النوم واضطرابات في التغذية. وهنالك أعراض أخرى كضياع الإحساس بالزمن وصعوبات في التركيز والبلادة في الأحاسيس الجسدية والنفسية.

ينقطع هؤلاء عن الفعاليات والمناسبات الاجتماعية وتلك ذات المعنى منها ويميلون للبكاء والحزن وتظهر لديهم أحيانا نوبات من الغضب وعدم القدرة على التعبير المشاعري وعدم الثقة بالآخرين، وصعوبة في بناء علاقات عاطفية.

هذا ولوحظ ظهور أعراض لدى الأطفال والمراهقين تمثلت بمخاوف مستمرة وصعوبات في التركيز إضافة إلى التوتر والعصبية وآلام جسدية ترافقها اضطرابات في النوم وكذلك تظهر لديهم علاقه تتميز بالارتباط والتعلق المفرط بالأخرين ويتميزون بعدم الهدوء النفسي والإفراط في الحركة.

العلاج النفسي

أنواع العلاج النفسي كثيرة ومتعددة كتعدد مدارس علم النفس، هذه العلاجات في مجملها تحدث تغيرات إيجابية في نفسية المنتفعين وتساعد في إعادة التوازن النفسي وإعادة المنتفع الى الواقع وذلك من خلال استعمال التوجيهات المهنية الهادفة لأن الكلمات وحدها لا تجدي دائما في لحظات الانفعالات المشحونة.

هذا وتتمثل مبادئ العلاج النفسي في مراحل التشخيص والتقييم على تجميع المعلومات وخصوصا فيما يتعلق بالسيرة الذاتية التي هي أهم متسع لجمع المعلومات، ثم الانتباه لطريقة سرد القصة للمنتفع والإصغاء بدقة وبحذر للأعراض ومتى بدأت لديه. ويجب الانتباه لنوعية العلاقة التي تنشأ بين المنتفع والمعالج، كيف يرى كل منهما الآخر وما هو مستوى التفاعل ودرجة الثقة.

ومن أهم شروط ونجاح العلاج النفسي أن تتوفر لدى المنتفعين القدرة على الاستمرار في العلاج ودرجة عالية من الدافعية الذاتية والإقناع الذاتي بأهمية العلاج النفسي.

هذا ويشترط أن تتمحور العلاقة العلاجية بالعلاج فحسب واحترام المواضيع والمضامين وتوفير الأمان في الجلسة وكذلك ترسيم حدود واضحة واوقات زمنية ثابتة للجلسات العلاجية.

في نهاية المطاف يهدف العلاج النفسي إلى نقل الأشخاص من ظروف حياتية سيئة إلى ظروف حياتية مقبولة على المستوى النفسي والعودة إلى الحياة الوظيفية العادية بعد التعرض للأحداث المؤلمة وإلى إحداث تغيرات إيجابية في نفسيات الأشخاص.

أما المعالج النفسي يتوجب عليه أن يرافق المنتفع حسب قدرات الأخير، وأن يعطيه جزءًا من نفسه بالمعنى المجازي والامتناع عن أحكام مسبقة. أن يكون واضحا وطبيعيا، وألَّا يتحدث عن نفسه في العلاج وعدم التعميم والمقارنة في الحالات العلاجية ويلخص ذلك بما يسمى، الإصغاء، الفهم والإحساس .


نشر في منصتا يوم 1 حزيران 2022.

د. جمال دقدوقي

أخصائي نفسي مختص في علاج الصدمة النفسية ومدير مركز الخدمات النفسية في كفركنا ورئيس الهيئة الإدارية لجمعية الجليل للعلوم والبحوث وعضو في جمعية أطباء لحقوق الانسان

شاركونا رأيكن.م