عن النسوية والانتخابات البرلمانية!
أنا امرأة متعبة من الأفكار النمطية المسبقة عن النساء العربيات، والتي باتت تطلّ علينا من كل حدب وصوب كأحد الأمور العصيّة على النسيان، والتي تحاول أن تفرض عليّ نهجًا حياتيّا أو تنبذ وتستهجن نهجًا آخر اخترته لنفسي.
في كل اتجاه أنظر إليه، أراها هناك، تلك الأفكار والأحكام المسبقة، تتبعني بنظراتها وتراقبني وتحاول أن توجهني للصواب وتنهيني عن الخطأ. تأتيني أحيانا بوجه سافر من دون حياء وتفرض نفسها بقوة وبعنف، وأحيانا تأتي متسترة بأفكار لمّاعة تدّعي أنها تحررية تحاول أن تحررني من عبوديتي للمجتمع الذكوري، ولكنها في الواقع تزجّني في قفص عبودية آخر لأفكار نمطية أخرى تأت من الشق الآخر.
للأفكار النمطية عدة أوجه لكن المنطلق واحد- التبجّح بمعرفة مصلحة المرأة العربية أكثر مما تعرفه هي. ولذلك يطلق المجتمع بشتى تياراته، الذكورية والتحررية على حد سواء، أحكاما مسبقة عن الشكل والمضمون المناسب الذي يجب على المرأة أن تتحلى به في مجتمعنا، من وجه نظره هو، لإقناع النساء بتبني نهج حياة معين أو نبذ نهج حياة آخر.
الوجه الأقدم والأسوأ للتفكير النمطي والأفكار المسبقة عن النساء، برأيي، هو المجتمع الذكوري الذي يطل علينا في الفترة الأخيرة من خلال انتخابات البرلمان الإسرائيلي. فبينما تشكل النساء نصف المجتمع العربي الفلسطيني في الداخل، تمثيلهن في القوائم الانتخابية أقل من هذا بكثير، وهذا يعكس الفكر السائد في مجتمعنا: إن مكان النساء هو المطبخ والسياسة هي مساحة للذكور بشكل أساسي. ليس هذا فحسب، فحتى بعض الإعلانات التي تتوجه لجمهور النساء الناخبات تخاطبهن بالصورة النمطية التقليدية للنساء العربيات، ربات منزل ولا يعملن في الخارج، وهذا كان واضحًا في بعض الدعايات الانتخابية لبعض الأحزاب التي صورت النساء في إعلاناتها بهذا الشكل؛ وهو التجلي الأوضح للنمطية في التعاطي مع النساء من قبل المجتمع الذكوري.
الوجه الآخر الأكثر عصرية للأفكار النمطية عن النساء العربيات هو الوجه الراديكالي للحركات النسوية، والذي ينبذ كل ترسبات نهج حياة النساء العربيات في الماضي والحاضر، ويحاول فرض صورة مختلفة تماما للنساء العربيات، تتعارض مع كل الموروث الثقافي والحضاري لنا كمجتمع عربي، وبالتالي يحدث في بعض الأحيان نفور من هذه الأفكار التي تعد في منظور البعض غريبة ودخيلة علينا.
على سبيل المثال، بينما تصور بعض إعلانات الأحزاب المرأة العربية على أنها امرأة محجبة، نرى في بعض الحركات النسوية الراديكالية أنه لا تمثيل للنساء المحجبات في توجهاتها الإعلامية؛ وبينما يقوم الإعلان السياسي بتصوير المرأة على أنها فقط ربة منزل، يتجه الفكر الراديكالي النسوي إلى رفض عمل النساء في المنزل كونه جزءا من تجسيد الأدوار الجندرية في مجتمعنا العربي.
ويُسأل السؤال – ما المشترك بين الذكورية والتوجهات النسوية الراديكالية فيما يخص الأفكار النمطية عن النساء؟ المشترك هو الفرضية التي يبني عليها الطرفان توجهاتهما وأفكارهما عن المرأة العربية، أنها مخلوق غير قادر على اتخاذ قراره بنفسه، والتعامل مع النساء على أنهن كتلة واحدة والتغاضي عن التنوع الفكري والثقافي وكذلك الديني بينهن. ولذلك يحاول المجتمع الذكوري فرض أفكاره على النساء بصفته يعلم بصورة أفضل ما يناسب النساء العربيات والمجتمع العربي، وبالمقابل تفرض الحركات النسوية الراديكالية أفكارها المسبقة لما هو برأيها في مصلحة النساء العربيات وسط محاربة من لا تنتمي لهذه المجموعة.
إن الأفكار النمطية والتقليدية هي عملة ذات وجهين، الوجه الأول هو الذكوري المتطرف والوجه الثاني هو النسوي المتطرف، والمشترك هو فرض نمط حياة مبني على فرضيات عامة من الأفكار المسبقة التي تتعامل مع النساء كمجموعة واحدة لا متنوعة، والافتراض أنه سيناسبهن جميعا دون الأخذ بعين الاعتبار الفروق الشاسعة في نمط الحياة والتفكير، مع الاقتناع التام أن هذه هي صورة الحياة الأفضل للمرأة العربية وأنه بهذه الطريقة عليها أن تحيا.
إن النساء العربيات لسن بمخلوقات ضعيفات بحاجة للمجتمع أو للحركات النسوية الراديكالية ليملين عليهن ما يفعلن. نحن نساء ذوات كيان مستقل قادرات على اتخاذ قراراتنا بوعي كامل بحسب معتقداتنا وإيماننا وأفكارنا الخاصة. إذا اخترت العمل في المنزل فهذا قراري أنا وعلى المجتمع احترامه؛ وإذا قررت أن أتبع نظام حياة تديّن فهذا هو قراري أنا ولا يعني بالضرورة أن هناك من فرضه عليّ؛ وإذا اخترت أن أعمل خارج المنزل فهذا قراري أنا ولا يعني أنني أم مهملة؛ وإذا اخترت أن اتبع أٍسلوب حياة مختلف تماما عن الأسلوب المتبع في مجتمعنا فهذا لا يبرر الطعن في أخلاقي ومبادئي، فقط لأن أسلوب حياتي مختلف؛ وإذا قررت عدم الإنجاب فهذا لا يعني أنني انسانة بدون شعور بالرحمة والأمومة؛ وإذا قررت الزواج فهذا لا يعني أنني إنسانة تقليدية؛ وإذا قررتُ عدم الزواج فهذا لا يعني أنني إنسانة "بدها تدور عحل شعرها".
امرأة عربية وحرّة. هذه أنا. وحريتي هي في اختيار نهج حياتي من دون أفكار أو أحكام مسبقة بالية لا أساس لها من الصحة سوى أنها تهدف الى التحكم بنا، بغض النظر عن الجهة التي تطلقها.