خصوصية انتخابات الكنيست الـ25 ومعضلة الناخبين العرب

أيام قليلة تفصلنا عن معركة الانتخابات الـ 25 للسلطة التشريعية في البلاد، وذلك في ظل انعدام الحسم السياسي للمرة الخامسة على التوالي خلال ثلاث سنوات ونصف بخصوص هوية الأحزاب التي تشكل الحكومة في دولة تعتمد على شكل حكم تمثيلي ديمقراطي برلماني. حالة انعدام الحسم السياسي والاستقرار السلطوي هذه تؤثر بشكل طبيعي على المجتمع عامةً وعلى الحالة الاجتماعية والاقتصادية بالمفهوم السلبيّ.

نحن لا نتحدث اليوم عن خارطة سياسية أو محور سياسي لقوائم وأحزاب موجودة في يمين أو يسار المحور؛ وذلك لأن الاعتبارات لتشكيل الحكومة ما بعد الانتخابات في هذه الفترة بالذات لا تتم بناءً على هذه التقسيمة، ذلك أننا نرى قوائم وأحزاب موجودة على يمين المحور السياسي في البلاد لكنها غير موجودة بتحالف برلماني مع أحزاب وقوى يمينية أخرى، وبالتالي فقد اختار معظم المحللين في البلاد تقسيمًا جديدًا للخارطة السياسية يعكس الحالة الحقيقية للواقع السياسي الذي يقسم القوائم والأحزاب إلى قسمين اثنين بالأساس، الأحزاب أو تحالف التغيير – المقصود تغيير السياسة التي كان يقودها رئيس الحكومة سابقًا ورئيس حزب المعارضة حاليًّا بنيامين نتنياهو – والقسم الثاني الأحزاب أو التحالف الذي يدعم بنيامين نتنياهو ويرى فيه الشخص المناسب لقيادة السلطة.

وللحقيقة فإن هذه التقسيمة وهذا التوزيع الجديد ظهر بالأساس في أعقاب تغيرات وأحداث كثيرة ظهرت بالأساس في السنوات الأخيرة لحكومة اليمين برئاسة بنيامين نتنياهو والتي تمثلت بالأساس من خلال تصريحات وخطوات عملية مثل سن قوانين أو طرح مقترحات قوانين على جدول أعمال الكنيست تسعى إلى تقويض السلطة القضائية في الدولة وبالأساس تقويض محكمة العدل العليا، وإلى تقويض مؤسسة المستشار القضائي للحكومة، والمفتش العام للشرطة، وتقويض وسائل الاتصال المختلفة. وقد تزامنت كل هذه المحاولات من قبل بنيامين نتنياهو وبعض أعضاء حزب الليكود وأحزاب يمينية أخرى مع الأزمة الشخصية لبنيامين نتنياهو فيما يخص التحقيقات في ملفات تشمل عدة تهم جنائية بالرشاوى والاحتيال وخيانة الأمانة العامة من قبل بنيامين نتنياهو والتي تقرر فتح التحقيق فيها بناءً على قرار المستشار القضائي السابق للحكومة أفيخاي مندلبليت.

هذه المحاولات من قبل بنيامين نتنياهو وبعض أعضاء حزب الليكود وأحزاب يمينية أخرى أدت إلى امتعاض واستياء بعض القيادات والأحزاب الموجودة على الطرف اليميني للمحور السياسي والخارطة السياسية التقليدية في البلاد التي رفضت كل هذه المحاولات ورأت فيها محاولة للقضاء على أحد أهم المبادئ الديمقراطية وهو مبدأ تقييد السلطة ومبدأ الفصل بين السلطات واستقلالية السلطة القضائية وتقييد صلاحية محكمة العدل العليا بإلغاء قوانين في النظام الديمقراطي. لقد رأت بعض القيادات والأحزاب اليمينية في ذلك خطرًا كبيرًا يهدد مصير الدولة من حيث كونها دولة ديمقراطية تفقد الأساس والركن المركزي في حال أصبحت هذه المحاولات جزءًا من الحالة السياسية للدولة، وبالتالي أعلنت هذه القيادات وهذه الأحزاب عن رفضها التام للسياسة التي قادها وما زال يقودها بنيامين نتنياهو – رئيس المعارضة اليوم – وصرحت أنها تريد الحفاظ على الديمقراطية وعلى مبدأ تقييد السلطة ومبدأ الفصل بين السلطات وبالتالي أعلنت انضمامها لتحالف التغيير بقيادة يئير لبيد رئيس الحكومة ورئيس حزب "يش عتيد"، وبذلك قضت حاليا على التقسيم التقليدي للأحزاب على المحور السياسي – يمين ويسار –.

في ظلّ هذه البعثرة في الأوراق تتواجد الأحزاب والقوائم العربية التي من جهة أولى ترى ببنيامين نتنياهو وحلفائه خطرًا يهدد المصالح التي تنادي بها هذه الأحزاب من أجل المجتمع العربي الذي تمثله خلال عشرات السنوات، ولكنها من جهة أخرى لا ترى نفسها ضمن ائتلاف التغيير الذي يشمل كما ذكرنا أعلاه أحزابا يمينية لا تعنى بالمجتمع العربي الفلسطيني في البلاد. هذه الحالة هي التي أدت بالأساس حسب اعتقادي إلى تفكيك القائمة المشتركة وتحوّلها اليوم إلى ثلاث قوائم تخوض الانتخابات في الأوّل من نوفمبر وتسعى إلى اجتياز نسبة الحسم التي من المتوقع أن تصل إلى ما يعادل الـ 150 ألف صوت تقريبًا، الأمر الذي يعتبر مهمّة صعبة للغاية في ظل الاستطلاعات التي تشير إلى نسبة مشاركة منخفضة جدًا في الانتخابات في البلدات العربية، وبالتالي نصل اليوم إلى حقيقة تشير إلى خطر كبير يهدد جميع القوائم الثلاث في اجتياز نسبة الحسم وانعدام التمثيل العربي ربما لأول مرة منذ قيام الدولة.

إنّ مسألة مشاركة المواطن العربي الفلسطيني في البلاد في هذه الانتخابات، بالأخذ بعين الاعتبار كل ما ذكرناه أعلاه، هي مصيرية جدًّا وربما الأكثر أهمية وحسمًا للحالة السياسية للمجتمع العربي داخل البلاد، حيث إننا نتحدث عن أنّه في حال وصلنا صباح يوم 2 نوفمبر إلى حقيقة تشير إلى نسبة مشاركة شبيهة بالانتخابات الأخيرة للكنيست ال 24 ( 4% تقريبًا ) فإنّ إمكانية عدم اجتياز نسبة الحسم وفقدان التمثيل العربي في البرلمان هي واردة بشكل كبير على الأقل لقائمة واحدة، وربما لقائمتين ولربما لكل القوائم الثلاث.

عندما حصلت القائمة المشتركة على 15 مقعدًا لاحظنا مشاركة ما يقارب 67% من المجتمع العربي في تلك الانتخابات، أمّا في الانتخابات الأخيرة وبعد تفكك القائمة المشتركة لاحظنا مشاركة ما يقارب 42% من المجتمع العربي في الانتخابات، أي إن هناك ما يقارب 25% لم يشاركوا في الانتخابات الأخيرة ليس لدوافع أيديولوجية وإنما لدوافع مختلفة منها خيبة الأمل من تفكيك المشتركة.

لذلك؛ وحتى تضمن هذه القوائم كلها (الجبهة والعربية للتغيير، والموحدة، وللتجمع الوطني الديمقراطي) وجودها، فيقع على عاتقها بالأساس رفع نسبة المصوتين على الأقل إلى ما يقارب 54% وبالتالي فإنّ هذه الإمكانية واردة جدًا فقط في حال قامت هذه الأحزاب والقوائم بالعمل على إقناع شريحة المواطنين - الذين كانوا قد شاركوا في الانتخابات عندما كانت هناك المشتركة لكنهم لم يخرجوا إلى الصناديق في الانتخابات الأخيرة (25%) – بضرورة وأهميّة مشاركتهم هذه المرة في الانتخابات وهذا هو الضمان الوحيد لنجاح هذه القوائم من جهة ومنع وصول قوى اليمين برئاسة بنيامين نتنياهو إلى سدة الحكم والحفاظ على الهوية الوطنية، القومية، والدينية والجمعية للمجتمع الفلسطيني في البلاد.

أحمد أبو عماد محاميد

محلل وخبير في الشؤون السياسية والحزبية، ويعمل مديرًا لمدرسة ثانويّة

شاركونا رأيكن.م