من يشبهك ليس بصالحك بالضرورة عند الحديث عن المؤسَّسَات!

مصطلح التنوّع في المؤسّسات بات منتشرا لحدّ كبير في الآونة الأخيرة، لدرجة أَنَّه أصبح من الشعارات التسويقيّة التي ينادي بها أصحاب المؤسّسات أو المصالح كإحدى القيم التسويقيّة الأولى المهمّة لديهم والمتَّبَعة ومن أجندتهم. لكنّ الواقع ليس بهذه الصورة الكاملة المتكامِلة، إذ هُناك الكثير ممّا يحتاج لنقف عنده بهذا الباب!

الكثير من المقالات والأبحاث تتطرّق للجانب الرقميّ والإحصائيّات للتنوّع في المؤسّسات والمصالح ومدى الاختلافات الموجودة في المؤسّسات في مجتمع فلسطينيّ الداخل والمؤسّسات الإسرائيليّة بشكل عام، وما قبل الكرونا وما بعدها.

هذا المقال، سيكون بعيدا عن الأرقام، ليلمس الواقع من زاوية أخرى. الهدف من ذلك تسليط الضوء على رفع الوعي وأهمّيَة التنوّع في المؤسّسات وماذا يعني التنوّع في المؤسسات، وكيف يُذَوَّت، وكيفيّة نجاحه واستمراره. إيمانًا منّي أَنّ التغيير يبدأ برفع الوعي أوّلا والاستمراريّة والمتابعة ثانيا، أي لا يكفي أن نناشد ونندد بالتنوّع وأن نستقطب فردا لمؤسّستنا أو مجموعة صغيرة وبذلك أصبحنا مؤسّسة فيها طاقم متنوّع. بل هناك أهمّيّة لكيفيّة الدمج وتهيئة بيئة العمل للتنوّع والإيمان به بشكل حقيقيّ وليس بشكلٍ سطحيّ وصُوريّ.

نبدأ أَوَّلا بتعريف التنوّع: فهو يمثّل الاختلافات في الهويَّة، وتشمل (العِرق والاثنيّة والجنس والعمر والاحتياجات الخاصّة) إضافة إلى ذلك أرى بشكل أعمق التنوّع بمفهومه من حيث اختلافات الفكر والثقافة الشخصيّة المهنيّة، المعتقدات والنهج. وهذه الاختلافات تؤخذ بعمق في مؤسّسات تبحث عن التنوّع الحقيقيّ وليس السطحيّ والعامّ.

كيف يؤثّر التنوّع على المؤسّسات؟

  • الجانب الاقتصاديّ: الغنى والِانتعاش والازدهار الاقتصاديّ في المؤسّسات لا يتعلّق برأس المال المادّيّ فقط، بل برأس المال الفكريّ أي ما يسمى لدى البعض بمسمياته المختلفة مثل "القوى العاملة /المورد البشريّ/ العمّال / الموظفين/طواقم العمل".

  • رأس المال الفكريّ، إن كان متنوّعا ومختلفا، فهذا الاختلاف والتنوّع يعود بالفائدة المادّيَة والاقتصاديّة على المؤسّسة. أي مؤسسة فيها تنوّع فكريّ، ثقافي، عرقيّ اجتماعيّ إلخ.. هذا التنوّع يؤدّي لازدهارها اقتصاديّا ونجاحها وزيادة إيراداتها على جميع الأصعدة.

  • الثقافة التنظيمية واتخاذ القرارات: التنوّع في الطاقم يؤدّي لاتّخاذ قرارات تعتمد على الحقائق، أي بعيدة عن التحيُّزات في اتخاذ القرار الذي يكون بمجموعات متجانسة. وبالمقابل يؤخذ القرار بشكل موضوعيّ وبأبعاد منطقيّة وتنوّع فكريّ بعيدة عن طرق التفكير المألوفة المتعارف عليها بمجموعة متجانسة. وبالتالي أيضا تكون بيئة العمل والثقافة التنظيميّة محفّزة للابتكار والتفكير خارج الصندوق وبغير المألوف.

  • الجانب الاجتماعيّ والعمل بروح الفريق الواحد: التنوّع والاختلاف يشجّع على تبادل المعرفة والخبرات، بهذه الحالة يكون تحفيز المهارات الإصغاء والتقبّل للآخر، وهذا يعكس على التعاون والعمل بروح الفريق الواحد. وبذلك المكسب للمؤسسة يكون بنجاعة العمل والتواصل الشفّاف والفعال لدى الطواقم مما ينعكس على أدائهم ومنح الخدمات للزبائن بأفضل شكل.

  • الجانب التسويقيّ والخاصيّة والتميز عن الآخرين: كل فرد من أفراد الطاقم المتنوّع هو سفير ومسوق للمؤسّسة أو المصلحة. أي تنوع في الطاقم ثقافيّا، فكريّا، جغرافيّا الخ.. يؤدّي لانتشار ووصول المؤسّسة لأكثر أماكن وأكثر مجموعات مختلفة ومتنوعة بحسب ووفق تنوع الطاقم. إضافة لذلك اختلاف وتنوّع الطاقم يؤدّي لمنح خدمات متنوّعة تعنى باحتياجات السوق المختلفة تماشيا مع اختلاف الطاقم وتنوعه.

توصيات أساسيّة لنجاح دمج التنوّع في المؤسسات

  • الإيمان بالتنوّع كنهج صحّيّ وأساسيّ للمؤسّسة: الإيمان بفكرة ونهج التنوّع والتعدّديّة كسياسة ذكيّة وصحّيّة تأسس المؤسّسة وتُكسبها مواهب ومهارات مميزة متنوّعة للصالح الخاص والعام.

  • استراتيجيّة وثقافة تنظيميّة للتنوّع في المؤسّسة: وضع خطّة استراتيجيّة للتنوّع في المؤسّسة لجميع مراحلها وتحدياتها. وخلق ثقافة تنظيميّة داعمة ومحفّزة للطاقم المتنوّع يشمل اندماجه وتطوّره وتمكينه، رقابته ومتابعته ودعمه.

  • تهيئة وتدريب العاملين على نهج وفكرة التنوّع في المؤسّسة: رفع الوعي وتدريب الطاقم على نهج وفكرة التنوّع من خلال دورات تدريبية ومحاضرات وورشات توعويّة. اشراكهم ومشاركتك بسيرورة التنوّع ليتقبّلوا النهج وليصبحوا جزءا من دمج التنوع في المؤسسة ويكون تذويتها سلسا بمساعدتهم.

للتلخيص

الغنى والانتعاش والازدهار الاقتصاديّ في المؤسّسات لا يتعلّق برأس المال المادّيّ فقط، اتخاذ القرارات السليمة لا يُقتصر على المجموعة الّتي تُجمِع على اتّجاه واحد من الاحتمالات الواردة، إيرادات ومدخول مؤسّستك لا يزداد بتقليص مصروفات من خلال تشغيل طاقم من أبناء البلد القريبين جغرافيا، وصول مؤسّستك وانتشارها الواسع غير متاح وقابل بحالة وجود طاقم من الدائرة المحيطة بك جغرافيا وثقافيّا.

التنوع من أهم العوامل لنجاح المؤسسات أو المصالح، قبل هذا المقال لربما كنت تظن أن التنوع في المؤسسات أو المصالح هو بمثابة "اكسترا" وبعد قراءته أرجو أنك أيقنت أن التنوع "ماست" ومن هنا تبدأ بالعمل على تذويته ونجاحه.

ومن هنا أيضا أدعو جميع الجمعيات القائمة على دمج الموظفين العرب في الشركات الإسرائيلية المتنوعة والعديدة بمجالات مختلفة تحت مبدأ التنوع. أدعوها بفحص هذا الدمج ان كان ناجح ويفي بجميع العوامل بالظروف المطلوبة لتحقق نجاحه. أي هل يلقى متابعة المؤسسة المستقطبة للموظفين؟ هل الثقافة التنظيمية في المؤسسات التي تتعاملوا معها مهيئة فعلا للتنوع؟ هل الموظفين الذي تم دمجهم يتوفر لديهم الدعم والمرافقة لنجاحهم في وظيفتهم؟ اضاءة مهمة لا بد من التفكر بها وفحصها بعمق.


مصدر الصورة المرفقة للمقال.

مروة مجادلة بدران

مستشارة تنظيمية ومختصة في مجال الموارد البشرية

شاركونا رأيكن.م