ثقافة الكذب "الملون" في أماكن العمل والمؤسسات

في كل مرة نيسان يأتينا ويحمل في جعبة يومه الأول كذبة "وردية" نفيق بالأول من نيسان ويحيط بنا من أهل، زملاء أو أحباب بمحاولات ترفيهية خداعية اختيار كذبة "وردية"، ويترقبون من خلالها تفاجئنا وتصديقنا للكذبة. وبعدها يطغو على وجوهنا تعابير الدهشة بنسياننا أننا في الأول من نيسان!

هذه بداية نيسان. ولكن، ما الحال مع بقية الأشهر ومدار السنة؟ فالكذبة "الوردية" في أول نيسان تصبح على مدار السنة تلك الكذبة السوداء والرمادية، والبنفسجية في غالبية الدوائر المحيطة بنا، ومنها دائرة العمل التي نقضي معظم اليوم بها من ثماني إلى تسع ساعات على الأقل.

نعم، العمل الذي فيه مختلف الرتب والأعمار بين هنا وهُناك يطلقون ويفصحون بعض من الكذب الملون لأهداف عدة. منها المدروس ومنها الارتجالي والعشوائي، وبعضها لأهداف شخصية وبعضها الآخر عام. تطلق بزخرفات وعلّاقات تُعلّق عليها أسباب وغايات كثيرة. وهذا الكذب له اسقاطات قريبة وبعيدة الأمد على المؤسسة وثقافتها التنظيمية وجميع من فيها.

في الغالب يبدأ الكذب "الملون" في المحطة الأولى قبل الاندماج في الوظيفة والدخول لمكان العمل، أي في مرحلة الترشح للوظيفة، يتقدم المرشح لوظيفة ما، يود الفوز بها، فيُعد السيرة الذاتية وفي نهايتها يُجملها ببعض "الكذب الملون" والمبالغة بمهارات وقدرات وبطولات وأماكن عمل سابقة بقبعات متعددة مختلفة بعضها من الحقيقة والبعض الآخر من التوقعات المنشودة التي لم تتحقق. وبعد تلقيه مكالمة "الرابح" بالوظيفة وأنه من بين المختارين فينطلق لمقابلة العمل ملتزما بموعدها ودقة الوصول. وبأبهى طلة وأجمل الملابس تنسيقا وملاءمة. ويبدأ بالتعريف عن نفسه ومن سؤال لآخر خلال المقابلة ومن أسئلة عينية ممن يُجري المقابلة وهو عادة ما يكون مسؤول الموارد البشرية ومدير القسم الذي سيوظف به المرشح، في بعض الحالات يُلاحظ عدم التطابق بين السيرة الذاتية على الورق وبين المرشح الذي أمامهم. بحسب إحصائيات عديدة في السنوات الأخيرة تبين أن 75% من المترشحين للوظيفة يكذبون بسيرتهم الذاتية. وفي الكثير من الحالات يتم اكتشاف الكذب في السير الذاتية بشأن التأهيل الأكاديمي وأماكن عمل سابقة وبخصوص قدرات ومهارات لدى المرشح بعد استقطابه وتلقيه الوظيفة.

محطات مؤسساتية أخرى يتواجد بها الكذب في أماكن العمل وهي المحطة الثانية، محطة الإجازات بجميع أنواعها. ففي هذه المحطة الكذب "الملون" يحدث على صعيدين. الصعيد الأول عندما تكون المؤسسة تندد بشعار ثقافة تنظيمية وسياسة توفير التوازن بين العمل والحياة الشخصية لطواقمها. والواقع في المؤسسة غير ذلك حيث إن أصحاب الوظائف يضطرون للخروج "لإجازة" ليست إجازة. مثلاً يسافر صاحب الوظيفة إلى خارج البلاد للاستجمام مع عائلته، وخلالها يقوم بالرد على رسائل البريد الإلكتروني، ويصله رسائل نصية ومكالمات عن أمور في العمل ويرد عليها ويعالج مهام وإشكاليات في العمل خلال إجازته. يكون هذا الوضع عندما يُعلق نجاح الموظف وتميزه "وولاؤه" بالقيام بجميع متطلبات العمل في وقت العمل وما بعد وقت العمل أي في وقته ووقت عائلته الخاص. كما أنه عادةً، أصحاب الوظائف المعنيين بالتقدم في الوظيفة ويخططون لاستمراريتهم في المؤسسة، هذا التقدم وهذه الاستمرارية تكون منوطة بالتزامهم وإنجازهم لجميع الأمور المطلوبة والمتوقعة منهم. في حالات كهذه تكون شعارات توفير التوازن بين العمل والحياة الشخصية حبر على ورق ومعلن عنها فقط ولا تطبق على أرض واقع العمل. ويصبح في هذه الأنواع من المؤسسات التقدم الوظيفي والتنافس يرتكز على معايير غير سليمة.

أما الصعيد الثاني وهو استغلال الإجازة المرضية ليست كإجازة مرضية حقيقة. فتستغل من قبل طواقم العمل بحجة المرض والوعكة الصحية، بينما تكون الأسباب غير ذلك. ادعاء المرض يأتي لرغبة الموظف بالتغيُّب عن العمل فيستعمل الأسلوب المرضي ليبرر تغيبه لسبب يبدو للمشغل خارجا عن إرادته وبالتالي يكون مصادقا عليه وشرعيا.

المحطة الثالثة التي يكون بها الكذب "الملون" كمَخرج لغالبية المدراء في محادثة التقييم أو التغذية المرتدة. محادثة التقييم أو التغذية المرتدة من السيرورات المهمة التي يقوم بها المدراء لطواقمهم بإرشاد وتوجيه قسم الموارد البشرية. عندما تطبق على الوجه الصحيح، نتائجها تكون إيجابية جدا في تطوير وتحسين أداء الموظف وتحفيز دافعيته. ولكن بعض المدراء يتبعون الأسلوب السهل الذي يمكنهم من اجراء المحادثة بأقل شفافية ومصداقية وعدم مشاركة الموظف بصراحة ومهنية بحقائق أو قدرات تحتاج للتقويم والتحسين لديه. عادة يلجأ المدراء لهذه الطريقة لأسباب عدة منها للحفاظ على العلاقة واللطافة بالعمل. بالمقابل إسقاطات هذا النهج وأضراره على المؤسسة والطواقم وخيمة.

هناك محطات عده في أماكن العمل والمؤسسات نيسان يستمر فيها خلال العام. مثلا محطة محادثة الترقية ومحطة محادثة إنهاء العمل وغيرها من المحطات الأخرى. ورغم ذلك يمكن تصحيح الوضع القائم من خلال بعض التوصيات التالية.

المحطة الأولى، الترشح للوظيفة: قسم الموارد البشرية المؤهل والمختص بالمجال ينبغي أن يتفحص تفاصيل السيرة الذاتية والتحقق من تفاصيلها من خلال مقابلة هاتفية مع المشغلين السابقين، التأكد من التأهيل الأكاديمي أو المهني طلب إرفاق صور عن الشهادات أو النسخ الأصلية لها. وبخصوص المهارات والقدرات فهناك أنظمة وبرامج معدة لفحص هذا الجانب وإعطاء تشخيص مفصل لمعايير الوظيفة المطلوبة مقارنة بالمرشح للوظيفة.

المحطة الثانية، الإجازات: ثقافة التوازن بين العمل والحياة الشخصية تعود بالفائدة الكبرى على المؤسسة وطواقمها ويجب تذويتها والعمل بها وتحفيز جميع الطواقم بمختلف رتبهم بالالتزام بها لتوفير بيئة عمل صحية وعمل الطاقم بتعاون ولتجنب الاحتراق الوظيفي ومنح تنافس وتقدم وظيفي شريف في المؤسسة.

المحطة الثالثة، التقييم أو التغذية المرتدة: العمل على ثقافة التقييم الشفاف من خلال تدريب ومرافقة المدراء بإجراء السيرورة بجوانبها المهنية. وتذويت أهمية التقويم بما يعود بالفائدة على صاحب الوظيفة والمؤسسة واعتبار التقييم فرصة بهدف التقويم وتطوير الذات وليس بهدف المحاسبة.


مصدر الصورة المرفقة للمقال.

مروة مجادلة بدران

مستشارة تنظيمية ومختصة في مجال الموارد البشرية

شاركونا رأيكن.م