المجتمع العربي و"الوالدية المتوازنة"

تؤكد الأبحاث النفسية والتربوية أهمية تواجد الأهل (الأم والأب) في العملية التربوية وتأثيرهم على شتى المجالات العاطفية، الاجتماعية، الحسية، الذهنية والجسدية.

 "الوالدية المتوازنة" تشمل المحبة والاهتمام والعطاء، ومن شأنها تعزيز استمرارية سيرورة التربية على القيم والمعايير الاجتماعية والأخلاقية، لنبني معًا مجتمعًا نيّرًا وآمنًا.

"الوالدية المتوازنة" تعمل بشكل لولبي، أي المرحلة السابقة هي الدافع للمرحلة المقبلة لتطوير وتنشئة علاقات أسرية صحية وسليمة متبادلة بين الأهل والأبناء.

عند وجود خلل معين في السيرورة التربوية، يجب إعادة النظر في العوامل المؤثرة، دعم الدائرة الأولى من العائلة، أو تدخل أشخاص مهنيين مختصين.

الوالدية هي عملية شاملة متكاملة، قد تشمل عدة مراحل متتالية يمكن أن تبدأ منذ ولادة الطفل وحتى بلوغه سن الرشد.  يخوضها الأهل والأبناء سوية، منهم من يدفعون ثمن التذكرة عند الدخول إلى هذه العملية ويصلون إلى بر الأمان ومنهم من يدفعون ثمن التذكرة حتى يومنا هذا بأسىً وألم. 

"الوالدية المتوازنة" هي عبارة عن مرساة من شأنها تعزيز العلاقات وترسيخ القيم المجتمعية. يتحمل كل فرد في المجتمع المسؤولية عن احترام حرية الآخر واحترام المختلف من أجل العيش في بيئة آمنة.

تحدثت سابقًا عن أهمية الوالدية المتوازنة ودورها في بناء مجتمع حضاري، ذي قيم ومعايير أخلاقية من شأنها منع آفة العنف المستشري في مجتمعنا العربي، حيث أرى علاقة مباشرة بين تأثير أنماط الوالدية الجيدة وغير الجيدة على تحديد سلوكيات أفراد المجتمع.

لا ينقص مجتمعنا العربي الموارد الإنسانية والكوادر المهنية، بل ينقصنا استغلالها وتوظيفها بالشكل الصحيح وتوجيهها في المنحى المناسب.

من خلال هذا المقال، سوف أطرح سبل تعزيز "الوالدية المتوازنة" في المجتمع العربي على مستوى متخذي القرارات ومنها:

  • دمج خطة عمل داخل المنهاج التدريسي في وزارة التربية والتعليم، كمرحلة تحضيرية في كل ما يتعلق بالوالدية المثالية، التي تسعى لتحقيق الأهداف المتوخاة في بناء جيل يعي الصعوبات والتحديات ويُكسبه، في المقابل، الآليات اللازمة لخوض تجربة الوالدية بسلام.

  • بناء سلسلة لقاءات تحضيرية كشرط للأزواج الشابة قبل عقد القران، تكون على شكل ورقة موقف من قبل وزارة الأديان (المسؤولة فعليًا عن تطبيق قضايا الأحوال الشخصية لمختلف الطوائف في البلاد)، مدعمة بقانون ملزم في هذا الإطار.

  • إلزام الجهات المهنية والمختصة في وزارة الرفاه الاجتماعي العمل مع الأهل الذين يواجهون تحديات وصعوبات بشكل مباشر لإكسابهم أدوات للخروج من الضائقة وتمكينهم من مزاولة حياتهم بطريقة سليمة.

يجب على المجتمعات المختلفة أن تأخذ على عاتقها المسؤولية وأن تدعم مشروع "الوالدية" بشمولية تامة، من منطلق الإيمان بأن الطفل هو كيان كامل ومتكامل، لدية احتياجات في شتى النواحي الحياتية (العاطفية- الاجتماعية، الذهنية، الحسية والحركية)، تحتاج تلبيتها إلى مرافقة ودعم بشكل مكثف من المجتمع ككل، من الأهل والكوادر المهنية، إلى جانب السياسة العليا بالطبع. إدراك أهمية هذه السيرورة بشكل موضوعي من شأنه أن يساهم في تقليص ظاهرة العنف في جميع المجتمعات.

أنا على ثقة بأن الطفل الذي يعيش في ضائقة ويفتقر إلى إطار آمن ومناسب ولا يحصل على إرشاد بالغ ومسؤول سيكون أكثر عرضة من غيره للجنوح والتورط في آفات اجتماعية، مثل الإدمان على مختلف أشكاله، الاتجار بالسلاح، الانزلاق إلى عالم الاجرام وغيره. وعليه، من الضرورة بمكان أن نكون على دراية بأن من تورط في هذه العوالم هو شخص يكون في الغالب قد حرم من "الوالدية المتوازنة".  

في الختام، أتمنى أن نحتضن كل طفل يعيش في ضائقة، سعيًا إلى تقليص آفة العنف والجريمة في مجتمعنا وأن أذكّر بأن "الوالدية المتوازنة" تبدأ بالحوار واحتضان الأبناء ورعايتهم والاهتمام بهم.  

مريم الهيب

حاصلة على لقب ثان في مجال الطفولة المبكرة من الجامعة العبرية في القدس ولقب ثان في مجال إدارة السياسات العامة من جامعة حيفا

محمد هيب
مقال بقمة الروعة
الخميس 1 حزيران 2023
شادية
رائعة عزيزتي مريم كل الاحترام
الخميس 1 حزيران 2023
غادة
كلام سليم يلمس واقعنا المرير
الجمعة 2 حزيران 2023
فاطمة
مقال رائع
الجمعة 2 حزيران 2023
يوسف الهيب
نتأمل الرسالة تصل للاهالي على ارض الواقع
الجمعة 2 حزيران 2023
فداء حناحنة
راااائعة كالعادة حبيبتي
الاثنين 5 حزيران 2023
خيريه نمر
هاذا هو الواقع المؤلم الذي لم يعرف عنه الكثير لذالك يجب ايصال الفكره بشتى المجالات
الثلاثاء 6 حزيران 2023
عمر فواز
مقال يعبر كثيرا عن العنف في مجتمعنا مقال جميل من ابن مريم. انا فخور بعملك يا امي
الأحد 24 أيلول 2023
رأيك يهمنا