الأطفال والمفاهيم في واقع شبكة الإنترنت وشبكات التواصل ما بين الحاجة والتسلية

بات اليوم استخدام شبكة الانترنت ضرورة عصرية، وأصبح من الاحتياجات الأساسية لكل أسرة، حيث إن وجود الشبكة والتجهيزات لها هو أمر ضروري لضمان تلبية احتياجات الأبناء بكل الأجيال. إنَّ أزمة كورونا المتواصلة وتحدياتها وضعت جهاز التربية والتعليم أمام تحد كبير، وهو تحويل عملية التربية والتعليم من الوجاهي إلى المتزامن، واستخدام تطبيقات متعددة ليتسنى للمعلمين تمرير المواد التعليمية لطلابهم ومتابعة القضايا التعليمية عبر الشبكةـ سواء كان بالزوم، أو الكلاسروم، أو الواتساب، أو الألعاب التكنولوجية التي تهدف لتذويت المواد والمعلومات والمراجعات وغيرها من التطبيقات.

هذا لا شك وضع الأهالي أمام صعوبات وتحديات كبيرة ومعقدة، حيث توجب على الأهل توفير شبكة الإنترنت والحواسيب أو الهواتف الذكية، كما وقع على عاتق الأبناء تعلّم طرق استخدام التطبيقات لمتابعة التعلم عن بعد، وإذا كان الحديث عن الأطفال في جيل الطفولة المبكرة أو الابتدائي، فكان دور الأهل التعلم والتدرب على استخدام الشبكة لإتاحة التعلم لأبنائهم الصغار. فالتعلم عن بعد جعل البيت يتحول إلى مدرسة كاملة، حيث دخل المعلمون والطلاب إلى كافة البيوت، تحديات وصعوبات كبيرة الانكشاف على الخصوصيات، البيت أصبح مدرسة والمدرسة بيت، الأهل باتوا داخل الشبكة مع الأبناء.

والنتيجة؛ استخدام الشبكة عبارة عن سيف ذي حدين، فمن ناحية، يلزم الأهل أبناءهم للبقاء داخل الشبكة للتواصل مع التعليم ومن ناحية أخرى قد يدمن الأبناء على استخدام الشبكة ليس لأهداف تعليمية فقط، وإنما لأهداف التسلية والتواصل الاجتماعي والترفيه.

المقلق في الأمر هو تزايد عدد الأطفال والمراهقين المستخدمين لعالم التطبيقات الإلكترونية، وتحول الأمر في أحيان كثيرة لإدمان، يستتبعه عادات بعضها سيئة يلتقطها الطفل والمراهق خلال تصفحه ال “تك توك""TikTok ، و""فيسبوك"" Facebook، و""إنستجرام"" Insagram أو ""تويتر"" Twitter وغيرها من المواقع الأكثر شهرة بين وسائل التواصل كافة.

من ناحية لاستخدام الانترنت ضرورة كبيرة، فبعض الطلاب الجامعيين أنهوا تخصصاتهم وشهاداتهم التعليمية داخل الشبكة، وطلاب المدارس تواصلوا مع التعليم من خلال الشبكة، ومن ناحية أخرى هذا وضع الأهل أمام تحد كبير، كيف يوقفون إدمان استخدام الشبكة لدى أبنائهم خصوصًا بعد عودة التعليم إلى الوجاهي، وهؤلاء الأبناء يقضون معظم وقتهم داخل الشبكات على حساب أوقات الدراسة والتعليم وأداء الواجبات المدرسية.

كوني منكشفة على عالم الطلاب والأبناء، وباحثة في المجال لتأثيرات التعلم الهبريدي (المتزامن وغير المتزامن) إلى جانب التعليم الوجاهي للطلاب، أقول إنَّنا نشهد انعكاسات الشبكة على شخصية الأبناء وتأثيراتها، من جهة، أصبح استخدام الشبكة مصدر قلق دائم على الأطفال، بل وتشكل خطرا كبيرا عليهم، خاصة فيما يتعلق بتضييع الكثير من الوقت واكتسابهم العزلة والاهتمام المتزايد بمظهرهم على الإنترنت، ومن جانب آخر فاستخدام الأطفال مواقع التواصل، لما تتيحه من إمكانية الوصول إلى المعلومات بشكل أكبر، وتوفير بعض المزايا التعليمية، فهذا يؤثر بشكل إيجابي عليهم، فمن إيجابيات استخدام الشبكة: الانكشاف للمعرفة والعلم، وتوسيع الفكر والآفاق، وتوسيع العلاقات الاجتماعية، والمكان الآمن لبعض المستخدمين حيث يجردون من الخوف الاجتماعي والتوتر والخجل، ويجدون فرصة للتعبير عن أنفسهم وتطوير الذات (شهد المعلمون أن بعض الطلاب الخجولين كانوا أكثر جرأة وثقة خلال التعلم عن بعد)، الشبكة منصة للتعبير عن الرأي وتحقق التسلية والترفيه. ولكن الشبكة قد تشكل خطرًا على الأبناء حيث إنها تسبب الإهدار بالوقت أمام التصفح المبالغ به، مما يسبب الإدمان للمستخدمين، وإنَّ تكشّف الأبناء لمضامين غير ملائمة لهم كالانكشاف على مواقع جنسية إباحية، وفقدان الهوية الشخصية، والتأثر من الشخصيات والمحتويات التي ينكشف لها الأبناء، التنمر ونشر الشائعات المؤذية، الإدمان على ألعاب عنيفة وخطرة قد تودي بحياة المستخدم، الشبكة قد تسبب سوء الحالة النفسية وغيرها من التأثيرات السلبية التي لا شك أنها وضعت الأهالي أمام ضغوطات كبيرة قد تؤثر على العلاقة مع الأبناء.

إذا دخلنا بوابات المدارس فنشهد أن بعض الطلاب باتوا يعانون من العزلة الاجتماعية والوحدة المخيفة، وبعضهم يعاني من المخاوف بشتى أشكالها، كالاكتئاب والحزن العميق، وبعضهم يميلون إلى الأفكار السلبية، أو يقلدون شخصيات مختلفة لهدف الشعور بأهميتهم، وبعضهم يميلون للعدوانية والعنف أو التنمر، سواء داخل الشبكة أو التنمر المباشر داخل المدرسة، البعض يعانون من صعوبات تعليمية وفجوات كبيرة جعلتهم يفقدون ثقتهم بنفسهم وقدراتهم، وفي غياب الأهل والمعلمين الذين يتنازلون عن هؤلاء الطلاب نراهم استسلموا لصعوباتهم وفقدوا أمل العودة إلى المسار السليم، والبعض بقوا في الشوارع متسربين تنازلوا عن صفوف الدراسة واستسلموا لمغريات الشارع والعمل لكسب مصدر الرزق ليشعروا بوجودهم، والبعض اختبأ خلف الشاشة يقلد شخصيات من الألعاب الإجرامية والمخيفة ليشبعوا حاجتهم بالشعور بالقوة والتأثير وغيرهم من الطلاب الضحايا لكل الأوضاع الراهنة.

هذه الضغوطات وضعت الأهالي أمام تحديات خانقة وضاغطة، فبعض الأهالي يرون أنهم المسؤولون المباشرون عن أولادهم، والبعض يوجهون الاتهامات للمدرسة والمعلمين وجهاز التعليم والدولة، وبالتالي هذا يضع المعلم أمام ضغوطات ليست بالبعيدة عن وضع الأهالي وقد يضيع الطالب بين الاتهامات والضغوطات.

الإدمان على الشاشات الذكية، هل هو نوع من الإدمان المرضي؟

الإدمان هو الاعتياد على شيء ما وعدم القدرة على تركه، مثل الإدمان على المخدرات، الكحول، الدخان، الخ.

اما الإدمان على الانترنت هو الافراط في استعماله، وقضاء ساعات طويلة في الشبكة بشكل يتعارض مع أداء المهام اليومية واتخاذ القرارات، كل من يتجاوز استخدامه للشبكة أكثر من 20 ساعة أسبوعية تزيد احتمالات اصابته بالإدمان.

بحيث ينظر الأطفال تحت سن ال 8ىسنوات الى الشاشات لمدة ساعتين في اليوم، المراهقون 8 -18 سنة لمدة 7.5 ساعات والكبار 8.5 ساعات في اليوم.

أدمان الانترنت هو مرض خطير يجب علينا الوقاية منه او اكتشافه مبكرا ليتسنى معالجته.

أسباب الإدمان على الانترنت:

• عصر التكنولوجيا والحوسبة، الخضوع للتطورات.

• مغريات الانترنت.

• السرية-لا توجد حاجة لتعريف بالتفاصيل الشخصية.

• الراحة-لا يتطلب بذل جهد والخروج من المنزل. (حتى اقتناء الحاجات الأساسية عبر الانترنت)

• الهروب-الهروب من الواقع وخلق واقع خيالي.

كيف يتم التعرف الى المدمنين من هذا النوع؟

علامات ادمان الانترنت:

1. زيادة عدد الساعات امام الانترنت بشكل يتجاوز الفترات المحدودة.

2. التوتر والقلق الشديدين في حالة وجود أي عائق للاتصال بالأنترنت قد تصل الى حد الاكتئاب إذا ما طالت فترة الابتعاد عن الدخول للأنترنت، واستعادة الهدوء والسعادة عند العودة لاستخدامه.

3. قضاء وقت طويل في الأنشطة المتعلقة بالأنترنت، مثل تنزيل برامج وبحث عن مواقع مختلفة وغير ذالك.

4. محاولة استخدامه له بنوع من السرية قد تصل الى محاولة اخفائه من اجل استخدامه دون علم الاهل.

5. يتعرض مدمن الانترنت لخطر خسارة عمله او علاقات مهمة في حياته، او فرص دراسية بسبب استخدامه المفرط للأنترنت.

6. استخدام الانترنت كوسيلة للهروب من المشكلات، او عند الإحساس بالحيرة او العجز امام المشكلات، او عند الشعور بالذنب او القلق او الاكتئاب (مثلا بعد شجار مع الأصدقاء).

7. فقدان الاهتمام بالأنشطة الأخرى التي كان من قبل يستمتع بها.

8. قد يتجنب أنشطة الحياة الحقيقية والأماكن التي قد يتسبب في تدهور علاقاته وادائه الدراسي وغيرهما من المساحات في حياته.

9. لا يشعر المدمن بالوقت حين يستعمل الانترنت.

10. اهمال الواجبات الاجتماعية والاسرية والوظيفية بسبب استعمال الشبكة.

هل للإدمان تأثير على الحياة اليومية؟

للإدمان اضرار وخيمة على الأطفال والبالغين.

بداية الأضرار الجسدية الصحية وتتضمن:

1. يضعف العضلات الدقيقة للطفل اللازمة لاستخدام الورقة والقلم.

2. اشعاعات ال Microwave المنبعثة من الهواتف الخلوية تضعف الحاجز الدماغي الوقائي وادمغة الأطفال تمتص ضعف البالغين.

3. التأثير على قدرته على ضبط الشهية.

4. اضعاف انتباه الطفل والتقليل من طول فترات تركيزه.

5. التشجيع على الخمول وقلة التركيز، مما يؤثر على اكتشاف الطفل للعالم.

6. احداث قليلة تشير الى ان التطبيقات التعليمية يمكنها ان تساعد على تنمية الحصيلة اللغوية للأطفال دون العامين، بينما تشير أبحاث أخرى الى ان الأطفال دون السنتين لا يتعلمون كثيرا من وسائل الاعلام الالكترونية وان استخدامها يؤخر نمو المهارات اللغوية ومهارات التفكير ويؤدي الى تأخر الكلام. لذالك نشهد في أيامنا هذه توجه العديد من الأطفال لتلقي العلاج التشغيلي الوظيفي.

7. ظهور صعوبات في التعلم نتيجة خمول وظائف الدماغ.

8. مشاكل واضطراب النوم والارق.

9. نقص حاد في الذاكرة خصوصا الطويلة المدى.

10. ضعف النظر.

11. ضعف في عضلات المثانة او الإمساك.

12. الم في أسفل الظهر والام الرقبة.

اما الأضرار النفسية والاجتماعية والسلوكية، فتتضمن:

1. القلق التوتر والاكتئاب.

2. العزلة الاجتماعية، الانطواء والوحدة.

3. اقل تعاطف وابداء المشاعر تجاه الاخرين.

4. الحد من اكتشاف البيئة المحيطة والتواصل مع البيئة (في الماضي العاب الساحة، كرة القدم والحي.... اليوم تكاد تنعدم هذه اللعاب).

5. خلل وتوتر في العلاقات الاجتماعية، صعوبة في تكوين علاقات او المحافظة عليها.

6. اقل مشاركة وتعاون.

7. ميول للعنف والعدوان والتمرد والعصبية، تقليد العاب ومسلسلات.

8. حساسية مفرطة.

9. اندفاعية.

10. انكشاف الأطفال والمراهقين لمضامين غير مناسبة لجيلهم قد يؤدي الى بلبلة وقلق.

ما بين الشرعية المجتمعية لاستعمال الشاشات في مختلف الأوساط وبين الرقابة الذاتية:

أصبح مشهدا طبيعيا ان ترى طفلا ممسكا بهاتف او جهاز لوحي، يتعامل معه باحتراف ربما يفوقنا نحن الكبار. يلعب يتصفح ويشاهد ونفرح بهذا بل ونتفاخر ان ابننا ذكي ويتعامل مع الأجهزة التكنولوجية باحتراف ويحفظ الأغاني ويرددها. ولكننا لا نعلم ان استخدام الهواتف الذكية له اضرار وخيمة.

من هم الأكثر عرضة من غيرهم للإدمان على الشاشات؟

1. الصبيان هم أكثر عرضة من الفتيات لإدمان الانترنت، كما ان كل من يتجاوز استخدامه الشبكة العنكبوتية 20 ساعة أسبوعيا تتزايد لديه احتمالات الإدمان.

2. وان المراهقين يكون احتمال اصابتهم بالادمان كبير جدا.

3. الأشخاص الانطوائيين والذين يعانون من الوحدة, او الخوف من تكوين علاقات اجتماعية, إحساس بعدم الثقة بالنفس.

4. أصحاب حالات الاكتئاب والشخصيات القلقة او من عانوا من حالات ادمان سابقة (كمدمن الكحول, السجائر, المخدرات...)

5. الناس الذين يعانون من الوحدة, الملل كربات البيوت او نوعية عمل مملة.

اين نجد مدمنو الانترنت؟

1. مواقع الدردشة.

2. الفيس.

3. المواقع الإباحية.

4. مواقع إخبارية وثقافية.

أخيرا، لا شك بان سهولة منالية التعاطي مع الشاشات الذكية على اختلاف اشكالها، اثرت في الواقع الذي نعيشه وبمقدمتها تراجع العلاقات الاجتماعية والتفاعل الوجاهي، ولكن هذا يقتضي التوقف عنده في اطار مقال اخر.

د. سهراب مصري

محاضرة أكاديمية وباحثة في مجال الاستشارة التربوية، معالجة زوجية أسرية ومعالجة سلوكية معرفية

شاركونا رأيكن.م