مصالحكم السياسة... أم حماية الفرد والمجتمع؟!
أسابيع قليلة وينتهي العام 2021؛ أسابيع قليلة ينتهي فيها العام ليتم الإعلان مرة أخرى عن تراجع القوى الوطنية والديمقراطية في مواجهة ومجابهة القوى التقليدية الرجعية، تلك القوى التي قررت أن تستمد قوتها من خلال قمع النساء والأطفال، تلك القوى التي أعلنت حربها على نشر اتفاقية القضاء على كافة أشكال التميييز ضد المرأة (CEDAW) والتي وقعت عليها السلطة الوطنية الفلسطينية في العام 2009 وبدون تحفظات لتكون ثاني دولة عربية لم تتحفظ على أي بند من بنود هذه الاتفاقية، ولكن وللأسف ولغاية الآن لم يتم العمل على مواءمة القوانين المحلية مع تلك الاتفاقية كما يفترض أن يكون.
عام آخر يمر وتشتد حملة "الأصوليين" على ناشطات الحركة النسوية، ورفع شعارات تكفير الناشطات منهن، بل وحتى التحريض عليهن، وأنا شخصيًّا قاموا بمهاجمتي وأعطوني صفة "كبيرة المخربات" على صفحات "الفيس بوك" الخاصة بهم، مما يعني التحريض علي، وقمت شخصيًّا بتقديم شكوى لدى شرطة الجرائم الإلكترونية منذ أشهر، ولكن لغاية الآن لم يحرّكوا ساكنًا، ولم تؤخذ الشكوى على محمل الجدية.
في ظل كل هذا الهجوم، السؤال الذي يطرح نفسه وبقوة "لماذا قانون حماية الأسرة من العنف؟ ولماذا اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة تشغل بال هذه "القوى" التي تدعي بأنها قوى وطنية ودينية تعمل من أجل التحرير؟! وهل فعلا أن العمل بقانون يحمي أفراد الأسرة؛ أفراد المجتمع؛ نساء وأطفال البلد من العنف ومن تسلط بعض المعنفين ممن يدّعون بأنهم يعملون على "تربية" أفراد أسرهم أهم من العمل على وقف الاستيطان وهدم البيوت وتشريد العائلات وقطع أرزاق العمّال والعاملات...و...والخ؟!
هل حماية من يغتصب ابنته أو ابنة أخيه الطفلة (كما حصل في غزة مؤخرًا) يقع ضمن تعاليم الأديان؟! هل حماية من يقتل زوجته "أم أطفاله" لمجرد أنها لم تنفذ قراراته بدقة، ولم تراعِ احتياجاته كما يجب، وإلخ؟! يقع ضمن التعاليم الدينية التي علينا ألَّا نخالفها؟! أم أنها مجرد مظلات للسكوت على قضايا أكبر وأهم؟!
عام آخر يمر والمنظمات النسوية وبعض المنظمات الحقوقية تناضل من أجل إقرار قانون حماية الأسرة من العنف، كبداية لتطبيق اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة والتي اتفق العالم أجمع حول أهميتها، عام آخر يمر وما زلنا نرفع الصوت من أجل شجب قضايا العنف المسلط على النساء والطفلات. تجتمع القوى الوطنية في يوم 10/11/2020 لتعلن بالصوت العالي أنها ستعمل جاهدة من أجل إقرار قانون حماية الأسرة من العنف، ولكن وللأسف مَن مِن جميع أمنائها العامين وأعضاء لجانها القيادية لم يحركوا ساكنا خلال العام 2021 ولم يسعَ من أجل إقرار هذا القانون؟ في حين ترتفع أصوات المعارضين للقانون من قوى "أصولية" لتعلن بأن هذا القانون يتنافى مع الدين والشريعة الإسلامية. ولكل هؤلاء أقول هل تتنافى حماية حياة النساء والطفلات وصون كرامتهن مع الدين؟! وبالله عليكم إن كان جوابكم "نعم" فعن أي دين وأي شريعة تتكلمون؟! فالديانات جميعها تحث على حماية حياة الإنسان وكرامته ومن يدّعي غير ذلك فهو كافر.
ما أود التأكيد عليه في هذه المقالة وقبل أن أختتمها بأنهم (القوى التي تطالب بعدم إقرار القانون) يعلمون تمامًا بأن القانون لا يناهض الشريعة الإسلامية ولا الدين، وإنما يستخدمون ذلك من أجل نشر فكرة أنهم "الأحرص" و"الأشد تدينًا وتمسكًا بأصول الدين" وبالتالي يعلنون بأنهم هم من يصلحون لقيادة المجتمع. بمعنى آخر إنها حرب سياسية ما بينهم وبين القوى الأخرى، هم أدركوا أهميتها في اجتذاب الشارع الذي يتمسك بكل ما هو تعليمات دينية بغض النظر عن مدى صحتها، بينما سلّمت القوى الثانية لهم تلك الأداة ليستخدموها بحرية، بل وخضعت لإرادتهم عبر تأجيل وتأجيل وتأجيل إقرار القانون حتى لا يتهمها الشعب "بالكفر" بدلا من بذل مجهود أفضل في التصدي لهذه الأكاذيب والعمل جنبا إلى جنب مع مناضلات ومناضلي حقوق الإنسان من أجل مجتمع حر متماسك يعرف أولوياته النضالية ويناضل من أجلها.
في نهاية هذه المقالة لا يسعني إلا أن أعبّر عن حزني وأسفي لكل الحالات التي قتلت من النساء والطفلات أو التي عذّبت أو التي تم تزويجها وهي ما زالت طفلة تتطلع إلى غد أفضل. وأناشد كل من لديه ضمير حي أن يضع مصلحة المجتمع أولا وقبل مصالحه الحزبية والسلطوية.
كاتبة المقال: ساما عويضة وهي المديرة العامة لمركز الدراسات النسوية في القدس.