قرار إعادة الصّف الأوّل، لتعويض الخسائر عن عام كورونا – إيجابيات وسلبيات!

من أجمل الذّكريات الرّاسخة في ذاكرتنا، هي تجربة الصّف الأوّل، حيث تمتزج مشاعر الفرح بمشاعر مجهولة، ففرحة الحقيبة الكبيرة الجديدة، واختيار الأغلفة والملصقات، وشراء الكتب، الدّفاتر والقرطاسيّة تزوّدنا بطاقات إيجابية ودافعيّة نحو التّعلّم، لكنّنا بالمقابل نخاف المجهول، نخاف أمورًا لا نعرف حقيقتها، فنرسم صورة لمبنى المدرسة الضّخم، ونتساءل عن مواصفات المربيّة، هل ستكون لطيفة، تحتضننا وتحتوي مشاعرنا؟ أم أنّها من أولئك اللّواتي يتواصلن عبر الصّراخ؟ هل سأتدبر أمري في السّاحة الكبيرة ومع العدّد الكبير مِن الطّلاب الّذين يكبرونني بأعوام؟ متى سأتمكن مِن القراءة والكتابة، وأقوم بالواجبات البيتيّة؟ لأشعر بأنني أصبحت كبيرًا.

هذه هي بعض المخاوف والمشاعر التي يمر بها غالبيّة الأطفال المرتفعون إلى الصّف الأوّل، إلّا إنّ عام الكورونا كان عامًا مختلفًا تمامًا، إذ حرم الأطفال من خوض هذه التّجربة بشكل طبيعي، فانتقل التّعلم من تعلم فعّال، يعتمد على البيئة الطّبيعيّة، وعلى الجانب العاطفي والاجتماعي إلى تعلم تقني أمام الشّاشات والحواسيب. فصار التّعلم تعلمًا فرديّا، ذاتيًا، وباتت علاقة الطّفل بزملائه ومربيته علاقة مرهونة بالغرف الافتراضيّة والفعاليات المحوسبة. وغدا الطّفل يقضي أكثر ساعاته أمام الشّاشات؛ الأمر الّذي منع عنه التّواصل الاجتماعي والعاطفي مع البيئة الطّبيعية.

لم يقتصر الأمر على الأطفال أنفسهم، بل راح أولياء الأمور يتساءلون كذلك ويستفسرون عن أمور عدة، لكن لا إجابة شافيّة سوى الانتظار لمعرفة ما ستثمره هذه العمليّة التّعليمية في ظلّ الكورونا، فكلّ منهم يتساءل: هل سيتمكن ابني من التّعلم بشكل ناجع؟ وهل سينجح في اكتساب مهارات القراءة والكتابة؟ هل سيُعيد الصف الأول ليتمكن من تقليص الفجوات التّعليمية التي تسبب بها عام الكورونا؟ وتساؤلات أخرى لا حصر لها.

 

ولكن، قبل مناقشة مثل هذه الأسئلة علينا إعادة النّظر في مصطلح "تعلم" ما هو تعريفنا لمصطلح تعلم؟

بحسب التّعريف الوارد في ويكيبيديا، الموسوعة الحرة: "فإن التّعلم هو عمليّة تلقي المعرفة، والقيم والمهارات من خلال الدّراسة أو الخبرات أو التّعليم، مما قد يؤدي إلى تغير دائم في السّلوك، تغير قابل للقياس والانتقائيّة، بحيث يعيد توجيه الفرد الإنساني ويعيد تشكيل بنية تفكيره وعقليته."

 

عندما نمعن النّظر في البند الأوّل من التّعريف وهو "عملية تلقي المعرفة، والقيم والمهارات..."، تخطر في بالنا تساؤلات عديدة:

 

  • من أو ما هو مصدر المعرفة؟ أهو المعلم وغرف التدريس فقط، أم أنّ هنالك مصادر أخرى للمعرفة؟

لا شك بأننا متفقون، بأنّ هنالك تطور سريع في عملية التّعلم، فلم تعد وظيفة المعلّم إكساب المعرفة فقط، بل باتت تضمّ جوانب أخرى عديدة: تواصليّة، اجتماعيّة، شعوريّة... وكثيرًا ما نلحظ أنّ معرفة الطّالب في مجال معيّن تفوق معرفة المعلّم، كما حدث خلال التعلّم في ظلّ الكورونا، فقد ساهم الطلاب في توجيه المعلم للتعامل مع البرامج الحاسوبيّة بشكل ناجع. الأمر الذي يقودنا إلى الإعلان بأنّ المعلّم لم يعُد المصدر الوحيد للمعرفة.

وبناء عليه، لا بدّ أن نفكّر عميقًا في أنواع المعارف التي يحتاجها المتعلّم.

  • ما هي أنواع المعرفة التي يحتاجها المتعلم؟

نحن نعيش في عالم متغير، لذا علينا جعل التّعلم ذي جودة، وذي صلة مع هذا العالم المتغير شكلا ومضمونًا، ولا نستثني من ذلك أيّ فئة عمريّة، فالمعرفة التي يحتاج إليها طلابنا لخوض هذه الحياة، تفوق الممسطّر في الكتب والمناهج الوزاريّة، فنحن نتحدث عن معرفة عامة، معرفة في مجالات قريبة من عالم الطالب، مضامين يطرحها الطلاب وتنبثق من مجالات اهتمامهم، ومن القضايا التي تشغل فكرهم، معرفة تنبثق من أحداث عفوية قد تحدث داخل غرفة الصّف أو في السّاحة، أو في المدرسة، أو حتى في البيت أو الحيّ، هذه المعرفة لن يكتسبها الطّالب داخل جدران غرفته وأمام شاشة الحاسوب، بل بالتّجربة الحيّة التي تتفاعل فيها أعضاؤه وأفكاره ومشاعره، لتخلص بالتّالي إلى نتيجة ما، وهكذا يكتسب المهارات الحياتيّة الاجتماعيّة، الّتي تؤهلّه من ممارسة حياته الاجتماعيّة بشكل طبيعيّ أكثر، الأمر الذي لا يوفرّه له اكتساب المعرفة النّظريّة الخاصة.

 

فمَن المسؤول علـى إكساب الطّالب مثل هذه المهارات المتنوّعة؟

إنّ عملية اكتساب الطالب للمهارات تقع على عاتق جهات عدة: المدرسة، والطاقم التّدريسي، والأهل والاجتهاد الذّاتي للطالب، ولا ننسى أهمها: ألا وهي: تجاربه وأخطاؤه.
عندما نذكر مهارات نرى أن مصادر الأبحاث العالميّة تطرقت إلى جوانب عدة من المهارات مثل:

  • مهارات التّفكير.

  • مهارات شخصيّة.

  • مهارات اجتماعيّة.

  • مهارات حركيّة.

لنتمكن من تطوير هذه المهارات لدى الطلاب، نحن بحاجة لتغيير في نظام التّعليم والفكرة المسبقة حول عمليّة التّعلم، علمًا بأنّ وزارة التّربية والتّعليم باشرت في العمل على هذا التّغيير، إلّا أنّ عام الكورنا فرض تسريع هذه الأمور، ليضع المنظومة التّعلمية أمام تحد كبير؛ مما أدى بأنّ تقوم وزارة التّربية والتّعليم بتوصيات عدة مثل: الاهتمام بالتّعلم في الطّبيعة، وتعزيز المبادرات الشّخصية والجماعيّة، والعمل ضمن طاقم وإعطاء المساحة للطالب ليخطّط برنامجه ويطور الإدارة الذّاتية لديه بالإضافة إلى العديد من التّوصيات.

فإذا نجح الطّالب باكتساب هذه المعارف، المهارات والقيّم وتمكّن من تطويرها، فسيساعده ذلك في عمليّة التّعلم وسيتمكن من تعلم المواد والمواضيع المنهاجيّة كافة.

والسّؤال الذي يطرح نفسه هنا، ماذا عن الطالب حديث العهد بالعمليّة التّعليميّة، فهو في عامه السّابع، وعلى مشارف الصّف الأوّل، وسيخطو الخطوة الأولى في عالم المدرسة؟ لكن أجواء كورونا فرضت عليه التّعاطي مع العمليّة التّعليمية بشكل آخر، اختلف كليًا عن أفكاره وتساؤلاته المسبقة، فقد خاض تجربته في ظروف مغايرة كليّا.

 

فهل من المفضل أن يعيد الصّف الأوّل ليتمكن من خوض هذه التّجربة كما يجب؟

أنا لا أرى بأن هنالك حاجة لإعادة مرحلته الأولى، وذلك لأنه قد خاض تجارب من نوع آخر، وهنا يدخل دور الأهل والطّاقم التّربوي لمرافقته عاطفيًا، اجتماعيًا وتعليميًا ليتمكن من اكتساب المهارات والمعارف التي تحدثنا حولها أعلاه، فهنا تكمن الفرصة لنعزّز التّعلم الذّاتي والمسؤوليّة والثّقة بالنفس لدى الطالب، عاجلًا أم آجلًا، ومع مرافقة صحيحة سيتمكن الطالب من التّغلب على الفجوات التّعليمية، سيتمكن من التّعرف على الحروف وتعلم القراءة والكتابة وما إلى ذلك. أما بالنسبة للمهارات والمعرفة والقيّم، فإنها لا تقتصر على شريحة عمرية، بل إنها نهج حياة يجب أن نتبعه في مدارسنا وبيوتنا وعالمنا. علينا التّفكير خارج الصّندوق، خارج حدود الصّف والمدرسة، الإيمان بالطالب بأنه يستطيع... وبأنّ المعرفة التي يحتاج إليها الإنسان في الحياة تفوق ما تعلمناه في صغرنا وفي مدارسنا، علينا أن نعدّ إنسانًا متمكنًا من التًعاطي مع الظًروف الحياتيّة المختلفة، ناضجًا في تجاربه، حيث يعود كلّ ما اكتسبه بالفائدة لنفسه، لمجتمعه، وبلده، فيعمل ما يحب ويتقنه. وأملنا التّوفيق في ما نسعى إلى تحقيقه.

 


كاتبة المقال: بريهان هريش - موسى وهي حاملة اللقب الاول Bed في مجال تربية الطفولة المبكرة واللقب الثاني MA في التربية البديلة.

بريهان هريش - موسى

حاملة اللقب الاول Bed في مجال تربية الطفولة المبكرة واللقب الثاني MA في التربية البديلة

شاركونا رأيكن.م