التربيّة الاقتصاديّة للأطفال والشّباب - ضرورة أم كماليات؟
من منا لم يشهد لحديث أو نقاش بين شباب أو أطفال مع أهلهم عن ماهية وأهمية تعلم مواضيع معينة في المدرسة؟ لست بحاجة لتعلم التّاريخ، أنا لا أحب الرياضيات ولماذا عليّ تعلم القواعد العربيّة؟ وجزء من ادعائتهم المطروحة في هذا النّقاش أنا لن أعمل في هذا المجال، أو لن أكون بحاجة لهذه المعلومة أو المعرفة بحياتي النّاضجة. كأهل، قد يكون هذا النّقاش والجدال مرهق ومتعب ونضطر أحيانًا البحث عن حيل وخدع لاقناعهم أن هذا الموضوع مهم وقد نلجأ للبطاقة الأخيرة وهي ""لا يوجد عنا خيار آخر وهذا الموجود"" ومن الممكن أننا داخليًا قد نوافق البعض من هذه الادعاءات.
من المهارات التي لا نقاش على أهميتها وحاجتها هي التّربية والمعرفة الماليّة، إذ بكلّ اختيار لأي مهنة مستقبليّة وبكلّ مسار سنختاره هنالك حاجة ماسة لبناء معرفة ووعي مالي أساسي بالحياة. تعلم مصطلحات أساسيّة في البنك، بناء سلم أولويات شخصي، بناء وتخطيط أهداف ماليّة للحياة، مهارة مقارنة الأسعار والبحث عن الحل الأنسب لي، الفرق بين المصروف والاستثمار والفرق بين الاستثمارات المختلفة. الفرق بين الحاجة والرّغبة في الشراء، والتّعرف على آليات التّسويق لتشجيعنا للاستهلاك الزّائد، التّعامل مع المفاجآت والأزمات الماليّة، واتخاذ القرارات الاقتصاديّة الشّخصية ومن ثم الزّوجية، البرامج التّقاعديّة والتأمينات المختلفة، أهميّة التّوفير وشبكة الأمان الاقتصاديّة، والحقوق في العمل للشبيبّة، المصروفات الشّهرية الثّابتة والمتغيرة، المصروفات السنويّة، بناء ميزانية حسب سلم أولوياتي الخ.
لما العجلة؟ سيكبرون ويتعلمون هذه المهارة في وقت ما!
تحديد موقفنا من المال وتعاملنا معه يتحدّد في جيل صغير، فمن الممكن أن نطور نهجًا مبذرًا لأموال العيديّة الأخيرة أو ممتنعًا عن الشّراء بشكل مستمر للحفاظ على أكبر مبلغ من المال في الحصالة.
يبدأ الأطفال المشاركة بالقرارات الماليّة العائليّة منذ جيل صغير، فقد يبدأ الأطفال باختيار أنواع الحلوى التي نشتريها في السّلة الأسبوعيّة وينتقلون لتحديد نوعيّة الألعاب التي يشترونها، ويصرون على نوعيّة الملابس التي تناسبهم، ويصبحون شركاء في اختيار المكان لتقضية الوقت العائلي وبجيل المراهقة يكونوا جزءًا من القرار لاختيار العطلة السنويّة.
هم بنفسهم قوة شرائيّة، يستهدفون عبر التّسويق داخل الألعاب الإلكترونيّة المختلفة وعبر الإعلانات في الفيديوهات المختلفة وحسب تقرير ل سي أي أبحاث تسويقية، الشّبيبة في البلاد مسؤولين عن شراء ذاتي بقيمة 2 ميليارد دولار سنويًا.
بالإضافة إلى ما ذكر أعلاه فأنّ المجتمع العربي في البلاد يعاني من نقطة بداية سيئة في مجال الإدارة المالية، بالإضافة إلى معطيات الفقر المعروفة ومعطيات نسبتنا الرّسمية من سوق العمل فأنّ مدخولات العائلة العربيّة هي 60% من مدخول العائلة اليهوديّة، و 39% ممن وصلوا إلى ديون في دائرة الإجراء الرّسميّة هم من العرب. وحسب البحث الأخير من המכון הישראלי לדמוקרטיה 50% ممن يملكون حسابًا بنكيًا موجودين في دين للبنك (مينوس) مقابل 30% من اليهود غير المتدينين، 46% من المشاركين في البحث صرحوا أنهم لا يملكون مبلغ نقدي متوفر وأغلبيّة من يملكون مبلغ مالي في حسابهم فهو قد يكفيهم حتى شهرين من احتياجاتهم الأساسيّة كعائلة، أي أنهم غير جاهزين لحالة طوارئ ماليّة. الضّغط الاجتماعي وتأثيره على قراراتنا الاقتصاديّة الشّخصية هو سبب إضافي للحاجة بتمكين الجيل القادم بآليات ومهارات الإدارة الماليّة ليتمكن من تغيير الاحصائيات والنّسب المذكورة.
من أي جيل من الممكن التّحدث عن الأمور المالية؟
من جيل سنتين من الممكن تعلم مهارة الاختيار بين إمكانيات مطروحة أمامي (أي أن ليست كل الإمكانيات متوفرة)، المشاركة في الشّراء الأسبوعي ومهام داخل الدّكان في الجيل الأكبر حتى التّخطيط لشراء الألعاب والتوفير لها، والتّقدم حتى إدارة المصروف اليومي والأسبوعي ومن ثم الشّهري.
برامج التربيّة الماليّة التي بالأساس تهدف لتطوير المهارة والمعلومات في المجال المالي لا يمكن أن تكون مبنيّة مثل أي منهاج تعليمي أخر، ومن المهم أنّ يكون أساسها عملي وتطبيقي يهدف لتوسيع المعرفة والآفاق ولتطوير المهارة العمليّة. بعض هذه البرامج تتضمن سرد القصّص لجيل الطّفولة، تمثيل أدوار فعالة، والعاب تفاعليّة يشارك بها الطّفل في عمليّة شراء وبيع بعملات نقديّة معروفة له ضمن التّعامل مع مواقف معروفة له من حياته وحتى تعلم المصطلحات الماليّة والمشاركة في نقاشات فعالة بمواضيع من عالم الاستهلاك والتّخطيط وبناء ميزانيّة مناسبة له.
لا شك بأنه قد آن الوقت لتبني الإدارة الماليّة بشكل جذري في المنهاج الرّسمي ولكن هذا لن يكفي لإحداث التّغيير الجذري المطلوب في هذا الموضوع. لا يمكن لهذا الطّلب أن يزيل المسؤوليّة عنا نحن الأهل وعن دورنا الكبير في تطبيق أسس سليمة للإدارة إذ علينا أن نكون مثالًا جيدًا بإدارتنا الشّخصية لأموالنا، مثل كل المواضيع الأخرى التي قد نتحدث عنها ونتناقش في أهميتها كثيرًا ولكن؛ أولادنا قد يتبنون أفعالنا أسرع بكثير من كلماتنا حتى لو كانت مفخّخة في المشاعر والآمال. للأفعال قوة أكبر!
نردين أرملي
حاملة للقب الأول في مجالي ادارة اعمال وعلم اجتماع، موجهة مجموعات ومستشارة لاقتصاد العائلة