"النهج الجديد" ومنصور عباس حدث العام وشخصية العام بلا منافس، ولكن..

يحدث أحيانًا أن تُجبر على أن تعترف بما لا توافق عليه، أو لا تحبّه، وهذا جزء من الواقع البشري، في السياسة وفي المجتمع وفي كل شيء، مثل أن تكون مشجعًا خالصًا للبرازيل في كرة القدم، وتعترف أن ليونيل ميسي هو أفضل لاعب في العالم، أو مثلًا أن تكون مناهضًا للعنف والجريمة بشدّة، وتعترف أن كل الجهود لمكافحة الجريمة فاشلة وأن عصابات الجريمة المنظمة باتت تسيطر اليوم على الشارع العربي. وفي مثال آخر، وهو ما أريد التحدث عنه في هذه المقالة، أن تعترف بأن النائب منصور عباس هو الشخصية الأبرز في مجتمعنا هذا العام، وأن دخول القائمة الموحدة للائتلاف الحكومي هو الحدث الأبرز أيضًا لهذا العام الذي ينتهي بعد أسابيع قليلة، وذلك رغم معارضتي الشديدة لكل ما أتى به منصور عباس والموحدة من نهج جديد (قديم) لا يجلب على مجتمعنا باعتقادي، إلّا المزيد من الأضرار، وأهمها تراجع الوعي الوطني والسياسي أكثر، وزيادة الانقسام أكثر وأكثر.

لقد كان لانفصال الموحدة عن ائتلافها مع الأحزاب الأخرى داخل القائمة المشتركة، وافتعال قضية المثليين وأن الانفصال كان بسببها، وتقرّب الموحدة في البداية من نتنياهو وحكومته والمجاهرة فكرة تحوّل تعاملنا مع المؤسسة الإسرائيلية إلى نهج المقايضة، مواقف سياسية مقابل ميزانيات (غير مضمونة وسأتطرق لذلك لاحقًا)، واستغلال هذا الخطاب (قضية المثليين وقضية نهج المقايضة) لإقناع فئات معينة من شعبنا، والتي تعاني من حالة يأس بسبب السياسات العنصرية المستمرة، وبيع الوهم لهذه الفئات أن الحالة الحالية سببها السياسة العربية وليس عنصرية إسرائيل، وبالتالي حصول الموحدة على نحو 170 ألف صوت في الانتخابات، والتي تمثلت بـ4 مقاعد في الكنيست، وبعد ذلك استمرار محاولة التقرب من نتنياهو واليمين المتطرف لدرجة الذهاب لزيارة حاخام المستوطنين، الراف العنصري حاييم دروكمان ومحاولة كسب رضاه، ورفض الأخير لذلك مما منع تشكيل حكومة "نتنياهو- صهيونية دينية- حريديم- موحدة) حيث كانت كل الأطراف موافقة باستثناء الصهيونية الدينية (بن غفير وسموتريتش وحاخامهم دروكمان) وتشكيل حكومة بعد ذلك مع بينيت ولبيد، وكل الأحداث منذ تشكيل الحكومة حتى اليوم، كان لهذا كله، الأثر الأكبر على مجتمعنا هذا العام، وبالتالي، فإن النجم وصاحب البطولة المطلقة في مسلسلنا السياسي هذا العام، هو وبلا أي منافسة، النائب منصور عباس، حتى لو كانت البطولة سلبية، بنظري ونظر العديد من أبناء شعبنا.

وتنعكس "بطولة" منصور عباس للمشهد العام، في تصدره للعناوين، في الصحافة المحلية وحتى العبرية أحيانًا، وفي وسائل التواصل الاجتماعي، وتحديدًا فيسبوك، الذي بات وسيلة الإعلام الأقوى والأكثر انتشارًا في مجتمعنا، وفي ارتفاع منسوب شهرته خلال هذه الفترة القصيرة، ليعادل في نجوميته النائبين أحمد الطيبي وأيمن عودة، وربما يتفوق عليهما. وبالإضافة إلى كل ما قام به عباس عبر قيادة الموحدة في نهجها الجديد، فإن العامل المركزي الذي ساهم في شهرته، كان مشاركته في المقابلات الإعلامية وتصريحاته المثيرة للجدل، من وصفه للأسرى بالمخربين، إلى قوله بأن نتنياهو ليس سيئًا للعرب، ومن ثم تسميته للمسجد الأقصى بجبل الهيكل في أكثر من مقابلة، وأخيرًا دعوته لمن لا يوافق على فكرة يهودية الدولة أن يسلم مواطنته، وغيرها من التصريحات المثيرة للجدل. وجاءت بطولة منصور لتغطي على زملائه في الحزب، فمازن غنايم مثلًا، الذي توقع الجميع أن يكون من الشخصيات البارزة عند دخوله للكنيست، يظهر حتى الآن بشكل متواضع جدًا، كذلك إيمان خطيب، رغم كونها السيدة الوحيدة في القائمة، وكذلك المرحوم سعيد الخرومي، الذي برز اسمه قليلًا عندما حاول الامتناع عن التصويت ورفض بعض البنود في الاتفاقية الائتلافية، خصوصًا التي تمس بالنقب، لكن بعد ذلك تراجع ظهوره، إلى أن جاءت وفاته المفاجئة أواخر شهر آب، فتحدثت عن وسائل الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي عنه، ولكن كشخصية رحلت ومنشورات عزاء ورثاء; أمّا وليد طه، فهذا الآخر، نجح بخطف بعض النجومية، ليس بمقدار تلك التي حققها منصور عباس، لكن بحجم لا بأس به، فوليد الذي ترأس لجنة الداخلية بعد وفاة سعيد الخرومي، وصدرت عنه تصريحات عديدة أبرزها أن الموحدة لن تترك الحكومة في حال شنت الأخيرة حربًا على غزة، وكان رأس الحربة في عدة مواجهات، مع المشتركة خصوصًا، مثلًا في موضوع التصويت على قانون الكهرباء وجداله مع الطيبي آنذاك.

باختصار، نجحت الموحدة لأن تكون الحدث الإعلامي الأبرز في مجتمعنا هذا العام، منذ اطلاق نهجها الجديد إلى اليوم، ونجح منصور عباس بأن يكون النجم الأول في مجتمعنا هذا العام، رغم كثرة الأحداث وخطورة بعضها.

ولكن، رغم كل هذا، تكون البطولة أحيانًا سلبية، كأن يكون بطل الفيلم هو شخصية الشرّير مثلًا، وتصدّر منصور عباس والموحدة لدور البطولة في مجتمعنا هذا العام، هو تصدّر لبطولة سلبية، وسلبية بامتياز باعتقادي.

وهنالك من يقول أن الاندماج داخل حكومة اسرائيل والسكوت عن كل ما تفعله، مقابل الميزانيات، هو أمر جيد ومطلب لمجتمعنا، وهذا أكده منصور عباس قبل أسبوع في المؤتمر بكفر قاسم حين استهزأ بمن يقول أن "الميزانيات ليست كل شيء" وقال- "الميزانيات هي كل شيء، هي تعليم واسكان وثقافة وتطوير" وقال أن مخططه هو ليس فقط تقليص الفجوات بين المجتمع العربي والمجتمع اليهودي، انما الغاء هذه الفجوات بشكل نهائي. وأفند ما ادعاه عباس بأننا ومن تجربتنا لسنوات مع هذه الدولة نعرف تمامًا أنها ليست دولتنا ولن تكون، وأنها لن تتعامل معنا كمواطنين بكامل الحقوق لأنها أصلًا تعرّف نفسها بأنها دولة يهودية، دولة من يتبع الدين اليهودي. وديمقراطية بعد ذلك.

ورغم معرفتها أنها ليست دولتنا، لكننا نعيش في بلادنا، دون منيّة من أحد، ونتقبل هذا الواقع، دون نسيان هويتنا ودون التنازل عن خطابنا وعن كرامتنا، نحترم القوانين وندفع الضرائب ونطالب ليل نهار بحقوقنا ونتعلم ونعمل ولدينا أصدقاء وزملاء اسرائيليين يهود، ولكننا نعرف أن هذه الدولة لن تقدم لنا ما تقدمه للمواطنين اليهود، حتى لو أشعلنا لها أصابعنا كالشموع وصلّينا لها ليل نهار.

من لا يصدق ذلك، فلينظر الى القرى العربية الدرزية التي يخدم اولادها في الجيش الاسرائيلي كخدمة الزامية ويصوت قسم كبير من أهلها منذ سنوات مع الأحزاب الصهيونية والأحزاب الحاكمة، وليقارنها بالبلدات اليهودية المجاورة لها، من ناحية خدمات وميزانيات وأطر ومشاريع اسكان وكل شيء، ولينظر الى بعض القرى البدوية التي يخدم قسم كبير من اولادها باختيارهم في الجيش، وقارنوا بينها وبين البلدات اليهودية. ستجدون أن الفوارق كبيرة، كبيرة جدًا، رغم أن بعض البلدات اليهودية، فيها نسبة الذين يخدمون في الجيش أقل، قارنوا شلومي بحرفيش المجاورة لها مثلًا.

ومن لا يقتنع بذلك، ليرجع 40 أو 50 سنة الى الوراء أو أكثر، وقتها كانت بلداتنا تصوت للاحزاب الصهيونية الحاكمة، وكان الناس في بلداتنا يغنون "في عيد استقلال بلادي غرد الطير الشادي"، وفي نفس الفترة تم بناء عشرات البلدات اليهودية وخصصوا المليارات لهذه البلدات وبقي مجتمعنا قابع في فقره وبؤسه، بل وقاموا بمجازر في حق شعبنا، كفر قاسم مثلًا، ثم أرادوا مصادرة المزيد من أراضينا وقتلوا شباننا في يوم الأرض، وغيرها من الأحداث. وهذا أيضًا يفند الادعاء القائل بأننا نصرخ في المعارضة منذ 70 سنة، هذا غير صحيح، فقبل سنوات الثمانينات، كان قسم كبير من العرب يصوتون للأحزاب العربية التابعة للحزب الحاكم، وهذا يفنّد أيضًا الادعاء بأن نهج منصور عباس والموحدة هو نهج جديد، فنحن جرّبنا هذا النهج جيدًا وكثيرًا ولم نحقق منه أي شيء سوى ضياع البوصلة والهوية لدى فئات عديدة من مجتمعنا.

كل هذا يعني أن نهج التقرب من الحاكم، لا يجلب أي شيء مادي أكثر مما يجلبه نهج الحفاظ على الكرامة وعلى الخطاب الوطني والمطالبة بالحقوق برأس مرفوعة. وفي المقابل، يترك آثارًا سيئة على المجتمع وعلى جيل الشباب.

باختصار، سنحصل عليه في كلا الحالتين، هو فتات؛ الخطة الخماسية 922 التي عملت على تحصيلها المشتركة عام 2015 في ظل حكومة نتنياهو العنصرية، ودون دخول الى الحكومة ودون تصويت على الميزانية العامة التي تشمل ميزانية الجيش والاحتلال، هي فتات، مقارنةً بميزانيات الدولة.. والخطة الخماسية 923 التي عملت على تحصيلها الموحدة وتم اطلاقها مؤخرًا، وهي أكبر بقليل من الخطة السابقة، وجاءت مقابل دخول الموحدة للائتلاف الحكومي وصمتها عن كل الجرائم، بل وشراكتها بها وبدعم ميزانيات الجيش والاحتلال (والتفاخر بذلك)، هي أيضًا فتات وتنفيذها بشكل كامل غير مضمون أصلًا، قد تتغير الحكومة وقد يحصل ألف سيناريو .. وهذه الخطط هي فقط لتحفظ اسرائيل ماء وجهها أمام منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD التي تلزم الدول التابعة لها أن تقلص الفوارق بين المجتمعات بداخلها.

ومن أجل الفتات، علينا أن نختار أي طريق نسلك.

وأما من يظن أن النجومية الموسمية ستفيده، فقد علّمنا التاريخ غير ذلك "ولا يبقى في الوادي إلّا حجارته"، أو كما قال تعالى في كتابه العزيز " فأما الزبد فيذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض".

 


كاتب المقال: بكر جبر زعبي وهو كاتب وصحافي ومحرر موقع "بكرا".

استعمال الصورة بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال ملاحظات ل [email protected]ـ

بكر جبر زعبي

كاتب وصحافي ومحرر موقع "بكرا"

رأيك يهمنا