النساء في المجتمع العربي الفلسطيني وسوق العمل
على الرغم من أن النساء في مجتمعنا العربي الفلسطيني ما زِلن يعانين من التمييز النوعي بين المرأة والرجل؛ ولأسباب تتعلق بالموروث الثقافي والديني، إلا أنهنّ أحرزن تغييرا في مكانتهن. وهذا التغيير، يعود إلى أكثر من عامل، غير أن العامل الأهم والأقوى، هو إيمان المرأة بقدراتها الذاتية، ومطالبتها الحثيثة لنيل حقوقها.
مع هذا، لا يمكننا أن نصف، اليوم، وضع النساء في المجتمع العربي الفلسطيني بالجيد، فرغم التغيير الذي حدث، وما زال يحدث، هناك قضايا ما زالت تناضل النساء لإيجاد الحلول لها. ومن بين هذه القضايا، قضية تشغيل النساء، التي شكلت مطلبا رئيسا للنساء في المجتمع العربي الفلسطيني في السنوات العشر الأخيرة.
إن قضية تشغيل النساء في المجتمعات المتطورة ثقافيا وتكنولوجيا، تحظى باهتمامٍ كبير عند متخذي القرارات. فهذه المجتمعات، تَعتبر نسبة النساء العاملات مؤشرا على تطورها، وعلى مدى قدرتها على استغلال طاقات أفرادها من أجل تقدمها الاقتصادي. أما في المجتمع العربي الفلسطيني، فقضية تشغيل النساء، رغم تسليط الضوء عليها من قبل الباحثين والباحثات والناشطات في الجمعيات النسوية، إلا أنها ولغاية اللحظة هذه، لم توضع في البرامج الانتخابية للمرشحين للسلطات المحلية أو الكنيست بشكل جدّيٍّ، وإن وُضِعَت من قبل البعض، فإنها لا تكون في سلم أولويات برنامجه الانتخابي.
إن نسبة خروج النساء، في المجتمع العربي الفلسطيني، لسوق العمل ما زالت منخفضة نسبيا، والأسباب لذلك كثيرة ومتعددة. من هذه الأسباب ما هو متعلق بالقيم والتقاليد الاجتماعية السائدة في المجتمع، حيث إن المجتمع العربي الفلسطيني، الذكوري، والمحافظ، يطالب النساء أن يضعن الأسرة (الزوج والأبناء) في رأس سلم أفضلياتهن وأن يكرسن لها (للأسرة) جُلَّ وقتهن واهتمامهن حتى لو كلفهن ذلك عدم تطورهن مهنيا، ومسّ باستقلاليتهن اقتصاديا. وهناك أسباب لا صلة لها بالقيم والتقاليد، وإنما هي متعلقة بالتمييز والإقصاء المنهجي من قبل السلطة، وإلى عدم توفر فرص وأماكن عمل، والى ظروف عمل صعبة، إذا توفر العمل.
في هذه المقالة، لن أتطرق الى قضية تشغيل النساء بالتفصيل، فهي قضية تحتاج إلى الكثير من البحث في المعطيات والتفاصيل، والكثير من التحليل والتفسير. وإنما سألقي الضوء وبشكل عابر فقط، على بعض الظروف التي تحيط بعمل النساء اللاتي يخرجن إلى سوق العمل، لعل وعسى أن تجد مَن يسعى لتغييرها وتحسينها.
عندما تخرج النساء إلى سوق العمل، يصطدمن بالعقبات ويُوخَزنَ بالأشواك، حيث لا تتوفر لهن كل الظروف الجيدة والملائمة.
عندما تخرج النساء إلى سوق العمل، لا يُعفين من العمل داخل المنزل، حيث إنهن يضطررن (في غياب مساعدة الأزواج لهن) إلى تأدية الأعمال المنزلية بالإضافة إلى عملهن خارج المنزل، مما يسبب لهنَّ الإرهاق الجسدي، وفي حالات كثيرة، الضغط النفسي أيضا. فكم من النساء قالت، ولو بينها وبين نفسها، "أن تكوني امرأة عاملةً، فذلك يعني وجود أكوام من الغسيل القذر، والأطباق المتسخة، والواجبات مدرسية للأبناء تنتظرك، فضلًا عن الطعام الجاهز للزوج والأولاد... بالإضافة إلى عملك المهني".
عندما تخرج النساء إلى سوق العمل، هناك احتمالات لتعرضهن لمضايقات وتحرش الرجال بهن في أماكن العمل، الأمر الذي قد يجبرهن على تغيير مكان العمل، وربما ترك العمل بالكامل
عندما تخرج النساء إلى سوق العمل، يعرفن أن أجورهن ستكون أقل من أجور الرجال، ويعرفن أن هناك أصحاب عمل يهضمون حقوق بعضهن، ومع ذلك يصمتن كي لا يخسرن عملهن.
عندما تخرج النساء إلى سوق العمل، يعانين من عدم توفر الحضانات القريبة من بيوتهن أو من أماكن عملهن، وإن وجدت، يتكبدن دفع مبالغ باهظة لهذه الحضانات.
عندما تخرج النساء إلى سوق العمل، لا ُيتاح لهن العمل في كل المجالات. حيث يفتح سوق العمل أبوابه على مصراعيه أمام الرجل؛ نتيجة قابليته لأداء أي وظيفة أو عمل مهما بلغ مدى مشقته ومهما كانت خصوصيته (كالعمل في فرع البناء مثلا)، أما النساء، فهن مقيدات بنوعية معينة من الأعمال، تتناسب مع بنيتهن الجسدية ومع الصورة التي رسمها لهن أفراد المجتمع الذكوري.
عندما تخرج النساء إلى سوق العمل، فعليهن أن يتوقعن أنهن قد يعملن مجانا ودون تلقي أجر إذا عملن في المحلات التجارية المملوكة لرجل من الأسرة، أو أي في مكان آخر، يديره أيضا، رجل من الأسرة.
عندما تخرج النساء إلى سوق العمل، عليهن أن يسافرن مسافات كبيرة حتى يصلن إلى أماكن عملهن، حيث لا أماكن عمل متوفرة لهن في قراهن ومدنهن.
هذا غيض من فيض، فالتحديات والعقبات والظروف الصعبة التي تواجهها النساء التي تخرج إلى سوق العمل كثيرة ومتعددة، وعلى منتخبي الجمهور ومعهم الجمعيات النسوية، بل وكل من يهتم بقضايا المرأة، أن يعملوا على إحداث التغيير، وأن يسمعوا صوتهنّ، وألا يصمتوا على الغبن وهضم حقوق النساء.
بقلم الكاتبة جميلة شحادة – الناصرة.