المرأة العربية في المناصب الإدارية.. الحواجز الاجتماعية والسياسية
شهِد سوق العمل في السنوات الأخيرة تغييرا شاملا في تضاريس التشغيل والتوظيف عمومًا، متأثرًا بالتغييرات والتقييدات التي فرضها وباء كورونا على العالم كله.
ارتفاع نسبة البطالة وتغيير أساليب العمل والظروف المحيطة، إعادة بناء مفهوم العمل والتوظيف لدى الجميع وخصوصًا لدى النساء العاملات. بحيث فرض واقع سوق العمل الحديث الجديد قيودا جديدة تحتاج لبناء خطة عمل مختلفة تتناسب مع حياة النساء عمومًا والأمهات خصوصًا.
بحيث يرى المجتمع الأبوي دور المرأة يقتصر على تربية الأطفال والاهتمام بالتفاصيل الصغيرة التي تحتاج لصفات نسائية على حد الاعتبار، إلا أنه مع تقدم الوقت وتغيير الظروف الاقتصادية، أصبحت النساء شريكات أساسيات لبناء عائلة قادرة على العيش في ظل غلاء المعيشة المتزايد، إلا أن دور الأم الأساسي لم يتغير وإنما زادت عليه مهام إضافية وتوقعات أكثر. وقد ساهم المجتمع الأبوي على الحفاظ على هذا المبنى الواضح لتصور العائلة الطبيعية لكي يستمر في خدمة السلطة الأبوية الجماعية.
في هذا السياق أيضًا نرى كما هو الحال في سوق العمل، فإن النساء عمومًا دائما ما يبحثن عن وظائف "سهلة" في سوق العمل لتحقيق ذاتها إلى جانب توفير الواجبات البيتية المتفق عليها. لهذا وفقًا للإحصائيات؛ رغم أن نسبة النساء العاملات في سوق العمل ارتفعت إلا أنهن يعملن في وظائف ومناصب غير متقدمة أو إدارية غالبًا ويقتصر عملهن على اختيار وظائف رقيقة مثل العمل في سلك التعليم، الأدبي، الفنون والمسرح. مما يعني المحافظة على الفروقات الجندرية في الوظائف المقترحة في سوق العمل.
فيما يتعلق بالنساء العربيات فإن التحديات مضاعفة في سوق العمل، بحيث تقف النساء العربيات أمام مفترق طرق ما بين تحقيق الذات والاستقلال المهني وبين الضغوطات الاجتماعية التي تفرض قيودا اجتماعية محافظة، تعمل على دمج النساء في سوق العمل تحت رقابة تامة ترسم حدود واضحة لأفق تقدم النساء في ميدان العمل. وفي طريق النساء لتحقيق الإنجازات المهنية، يقف أمامهن على الأقل حاجزان أساسيان الأول هي كونها امرأة داخل المجتمع العربي الذي لا يراها شريكة أساسية في المجتمع ويقتصر عليها بمهام ثانوية أو مصدر رزق ثانوي، الثاني هو كونها امرأة عربية في المجتمع الإسرائيلي مما يعني في طبيعة الحال الأفضلية في الاختيار تكون أولا للنساء غير العربيات.
إلى جانب التحديات الاجتماعية المفروضة، نرى في السنوات الأخيرة الفرص المقترحة أمام النساء العربيات في مناصب إدارية متقدمة، إلا أنها قليلة، ولا شك أن هذا النوع من التقدم غير مقبول اجتماعيًا كما هو في المجتمعات الحضارية التي ترى النساء شريكات طبيعيات وأساسيات في سوق العمل ووجودهن لا يقتصر فقط على إدراجها في مناصب تحت عنوان "منصب محفوظ لامرأة " إنما نرى قفزة نوعية في دخول النساء لعالم التشغيل في مناصب إدارية متقدمة، في البرلمان، الأكاديمية والهايتك بشكل أفضل وحين تبحث في رواية كل امراة من النساء القليلات المتقدمات، ترى أنها تعرض بشكل واضح رواية الدعم العائلي والدائرة القريبة واعتباره الشرط الأساسي في وصولها لهدفها. يعيدنا الحديث لكون التحديات التي تعترض طريق النساء مبينة مترسخة في أذهان النساء أيضا واعتدنا الحديث عنه كشيء طبيعي، فبدلًا من العمل بجد على التقدم في السيرة الذاتية، نرى نساء عديدات يعملن على إثبات قدرات وثقة نفس أمام المجتمع المحيط بها من أجل رسم خطة مستقبلية خطواتها مباركة ومدعومة من قبل العائلة.
مشاريع مختلفة تطورت في السنوات الأخيرة بهدف تمكين مكانة المرأة لا شك أن دورها مهم وأساسي، بحيث تعمل هذه المشاريع على توفير فرص عمل متقدمة ومتنوعة للنساء الى جانب تفهم الضغوطات الاجتماعية التي تعيشها النساء العربيات في البلاد، فتعمل على تطوير نماذج عمل تتناسب وتوازن قدر المستطاع بين تحقيق الذات والسلامة المجتمعية. من ضمن هذه المشاريع أيضًا مراكز ريَان التي تعمل بشكل مكثف من أجل خلّق فرص عمل للمجتمع العربي ككل وللنساء خاصة من خلال توفير دورات تأهيل مهني ودورات لغات وحوسبة أساسية لكسر الحاجز التكنولوجي الأولي بالإضافة لمرافقة المتوجهين من مرحلة البحث عن عمل والتحضير للمقابلات والانخراط في سوق العمل وأيضًا ما بعد ذلك. لهذه البرامج دور أساسي في تمكين النساء العربيات خصوصًا فإن العاملين على المشاريع تعمل من داخل المجتمع العربي تعي الأزمات التي نعيشها وتستوعب الصعوبات والحواجز الاجتماعية التي نعيشها.
كاتبة المقال: ميس أبو قنديل وهي تحمل لقبا أول في علم اللسانيات والدراسات النسوية وتنهي اللقب الثاني في الإعلام الاستراتيجي والعلاقات العامة ومديرة التسويق في "مراكز ريان" بالشمال.
ميس أبو قنديل
حمل لقبا أول في علم اللسانيات والدراسات النسوية وتنهي اللقب الثاني في الإعلام الاستراتيجي والعلاقات العامة ومديرة التسويق في "مراكز ريان" بالشمال