العنف والجريمة بالمجتمع العربي في إسرائيل
قتل منذ العام 2000 حتى نهاية العام 2020 تقريبا 1500 عربيًا جراء العنف والجريمة، ورغم عدم توفّر معطيات عن العقود التي سبقت هذين العقدين، إلّا أنَّ باحثين في علم الاجتماع يقولون إن هذه الظّروف غير مسبوقة من قبل.
لقد كان لافتًا خلال التّظاهرات الّتي جابت البلاد في خريف العام 2019 الماضي حمل شعارات تشير إلى تواطؤ الشّرطة في جرائم العنف، وليس مجرّد تقصير أو إهمال. كما تشير الإحصائيّات إلى ارتفاع الجرائم التي وقعت في البلدات التي افتتحت فيها مراكز شرطة، مثل مجد الكروم /طمره َ/ كفركنا / الطيرة /أم الفحم.
الإجرام المنظم: دولة داخل دولة
حول الأسباب والتّحولات في الجريمة في المجتمع العربي منذ هبّة القدس والأقصى، لا بد أن نسأل أنفسنا بعض الأسئلة:
أين وقع التحول لدى المؤسسة تجاه المجتمع العربي ولماذا؟
في العشرين عامًا الأخيرة وتحديدًا بعد هبّة القدس والأقصى، قرّرت أجهزة الأمن وضع ملف الجريمة في المجتمع العربي على الرّفوف، وأن يأخذ الجانب الأمني كل الحيّز، ماذا يعني؟ أن هناك تمييزًا بين السّلاح الجنائي والسّلاح الأمني. هبّة القدس أبرقت إلى الدولة رسالة مفادها أنّ شعبنا صاحب وعي سياسي، وهناك من كتب أنّ له نزعات تحرّرية، ونزعات ضد سياسة الدّولة العليا. ومع كلّ المحاولات من المسؤولين العرب لتهدئة الوضع إلّا أنّ الضوء الأحمر كان يسطع لدى الأجهزة الأمنية.
هل نشر السّلاح سياسة مقصودة؟ أو على الأقلّ السماح بتغلغله في المجتمع؟
قلتُ في مقابلة نشرت في صحيفة "فصل المقال" في العام 2000، أنّ الجريمة سوف تتغلغل في مجتمعنا، لأنّنا في مرحلة ما سوف نتحول إلى أقليّة مهمّشة، وهذا كان الهدف.
في العشرين عامّا أيقن المجرمون أنه إذا كان هدفهم جنائي فهم في طريق سليم، وإذا ضُبطوا في قضايا سلاح جنائية، حُكموا لأشهر قليلة، ونفسهم إذا تورطوا في ملف أمني، فتكون العقوبة أشد بكثير.
أذكر حالة تعاملت فيها مع ضابط في الجيش كان يبيع سلاحًا لمنظمات إجراميّة في المجتمع لعربي لمدة 15 عامًا ولم يحاكم، ولكن في العام 2002 ضبط وهو يهرب عُلبة رصاص إلى جنين، ومع أنّ هدفه جنائي ومن أجل المال، إلا أنه حوكم أمنيًا بشدّة هو ومن معه، هنا نستنتج أنَّ عُلبة رصاص أغلى من أرواحنا، ومن هذا المنطلق بدأت تتغلغل الجريمة.
إذا، هل المنظمات الإجراميّة في المجتمع العربي صنيعة الدّولة أم أنها صنيعة هذا الواقع الّذي تحكمه مؤسسة متقاعسة، في ظلّ تهميش صارخ؟
وقعت في العام 2004 محاولة لقتل رئيس المافيا "زئيف روزنيشطاين"، عبر تفجير عبوّة ناسفة داخل بناية كبيرة في تل أبيب، حينها أطلقوا على العمليّة مصطلحًا جديدًا وهو "الإرهاب الجنائي" ومن هنا تغيرت قوانين اللّعبة، بدأت المؤسسة بملاحقة هذه المنظمات في كلّ مكان حتى قضت عليها، وماذا حصل بعد؟ هذه المنظمات كان لها جنود عرب أو نسميهم "مقاولين درجة ثانية". هؤلاء المقاولون أو الجنود تحولوا إلى رؤساء عصابات، ومسكوا زمام الأمور وبنوا منظماتهم داخل بلداننا العربيّة.
هل في مرحلة ما، متوقع أن تعمل الدّولة ضد هذه المنظمات الإجرامية؟
يمكن لقواعد اللّعبة أن تتغيّر فقط حين يختلط السّلاح الأمني مع الجنائي، شهدنا في حادثة نشأت ملحم، الذي كان صاحب أسبقيات جنائية، الدّولة وقتها لم تكترث بأن تحقّق معه مع أنهم كانوا يستطيعون اعتقاله لأنه عمل فردي وليس خلية، ولكنهم أرادوا إغلاق الملف لأن حالة من اللّغط في التّفاصيل كونهم غير واثقين من أنَّ العملية هي ذات دوافع جنائية أو أمنية.
هل هناك علاقة بين الواقع الذي نعيشه، وبين الحاجة لحمل السلاح؟
السّلاح الموجود في مجتمعنا بغالبيته هو سلاح ليس للدفاع أو الحماية، إنما هو للإرهاب والتّرهيب ولحل الخلافات حتى الصغيرة منها، وعلى الطّريق تُحصد أرواح الناّس، بالإضافة إلى منظمات الجريمة فيستمر العمل بأريحيّة ويكبر.
ماذا عن القيادة ودورها؟
بعد وقوع الجريمة الثّلاثية بمجد الكروم، حصلت احتجاجات ضخمة وهذا أمرٌ راقٍ جدًا، لأنّ مجتمعنا للمرة الأولى ينتفض في قضية مدنيّة اجتماعيّة وليست سياسيّة من أجل حياته، وتفاءلت جدًّا، ولكن ما حدث أنّ قياداتنا بغباء سياسيّ أو حسن نيّة وقلة معرفة سياسيّة، امتصّت غضب الشّارع. وحين جلست مع وزير الشّرطة (الأمن الدّاخلي، "غلعاد إردان" حينها) الذي وعدهم بالفراغ. وبعد حوادث قتل الشاب محمد إغبارية من أم الفحم، واستشهاد أحمد حجازي من طمرة على يد قوات الشّرطة خرجت الجماهير مرة أخرى لمظاهرات صاخبة في غالبية المدن والقرى العربية تحت شعار الأمن والأمان الشخصيّ، وقد كان لافت للنظر الغضب الموجه نحو الشرطة وأيضًا تجاه القيادات العربيّة، ولذلك مهم جدًا إعطاء النّاس مساحة للتنفيس عن غضبها. وعلى القيادة العربيّة عدم أخذ دور الوسيط بين المتظاهرين والدّولة (على الأقل في الوقت الرّاهن) لأنه لم يبقى شيء نعوّل عليه سوى النّزول للشارع وحشر الدّولة ومؤسساتها من خلال تشويش حياة المجتمع الأخر.
ما الحلُ إذًا؟
لا يوجد حل سحري، ولكن يجب أن يكون لدينا رادع كمجتمع، وأن يستعمل سلاح المقاطعة، ولكننا للأسف لا نستعمله، نعم سنستمر بالمطالبة من المؤسسة وتذكيرها بتقاعسها، ولكن الدّولة تعلم أنه لا يمكن لشعبنا أن يتحرّر من الجريمة طالما قيادته تتعامل مع الأمر بكفوف من حرير. ثقافة "العربدة" هي الأساس في مصيبتنا متى تخلصنا منها سنجبر الدّولة أنّ تقف بجد في هذه القضية.
الحكومة الإسرائيليّة ورئيسها لديهم أوراق عمل جدية بخصوص مكافحة العنف والجريمة بالمجتمع العربي، ولكنهم غير معنيين بالأمر في الوقت الرّاهن ومن هنا يجب أن لا نعوّل ولا نثق بالجلسات مع رئيس الحكومة خصوصًا في فترة انتخابات وحكومة انتقالية.
لكي لا يضيع المعنى أنا أيضًا اقترح إنشاء سلطة حكومية لمحاربة العنف والجريمة في المجتمع العربي لمراقبة عمل الشرطة والوزارات، بالتعاون مع باحثين ومختصين من المجتمع العربي ومع ممثل عن لجنة المتابعة العليا لشؤون الجماهير العربية في إسرائيل، بحيث يكون عضوًا في مجلس إدارة هذه السّلطة. هذا إلى جانب ما يجب أن تقوم به الشّرطة.
كاتب المقال: د. وليد حداد وهو باحث ومحاضر في علم الاجرام.