الشباب بين التسرب و"التعلم عن بعد"

يعاني المجتمع الفلسطيني في إسرائيل من جائحة كورونا، أسوة بكلّ المجتمعات في العالم، لكن الفارق بيننا وبين تلك المجتمعات، هو أننا لم نكن جاهزين لهذه الأزمة على كافة الأصعدة، الاقتصادية والاجتماعية والتربوية إلخ.

إذا ما ألقينا نظرة على الصعيد التربوي، والذي يعنيني بشكل خاص هُنا، وأكاد أجزم أنه التحدي الأكبر والأخطر لمجتمعنا، خاصة أن التربية والتعليم هو من أكثر الأجهزة تعقيدا وبيروقراطية في إسرائيل، نجد أن مجتمعنا الفلسطيني يعاني ومنذ قيام الدولة، من تمييز صارخ في هذا المجال، والنتائج الكارثية التي شاهدناها على مدار 72 عامًا، من تسرّب وجنوح نحو العنف والجريمة، حتى وصلنا إلى نسبة 22.3 % في تسرّب الطلاب في مدارسنا، مقارنة بنسبة 13.4% في المجتمع اليهودي (طالب يهودي واحد متسرّب مقابل 5 طلاب عرب).

لا بدّ من التأكيد على أن المعطيات المذكورة أعلاه، لا تشمل " التسرّب الخفي" والذي لا تتوفر حوله إحصائيات رسمية. ولكي لا يضيع المعنى، أقصد هنا الطلاب المسجلين رسميًّا في المدارس، ولكنّهم غير مواظبين بتاتًا ويتغيبون لفترات طويلة، ولا يحصلون في نهاية المطاف على شهادة إنهاء الثاني عشر أو شهادة البجروت.

خلال عملي على مدار 28 عامًا في مجال علاج وتأهيل المدمنين، ومن خلال الأبحاث التي أجريتها، كان واضحًا أن 80% من مدمني المخدرات والكحول، وأكثر من 70% من السجناء الجنائيين في المجتمع الفلسطيني في اسرائيل، ينتمون إلى شريحة الطلاب المتسرّبين وغير الملتزمين في إطار تربوي.

من هنا وبدافع القلق، أريد أن أنوّه إلى أنّني أعارض وبشدّة خطّة التعلّم عن بعد، خصوصًا أن مجتمعنا، يفتقد للبنية التحتية في الإنترنت، والتي لا تسمح باستخدام مكثف للحواسيب داخل البيوت، إضافة إلى عدم جاهزية المعلّمين لهذا النهج من التعليم وأمور تقنيّة أخرى. لكن أهم ما في الأمر، أنّه من خلال التعلّم عن بعد، سوف تتسع رقعة المتسرب الخفي، والتي لن نعرف نتائجها القاتلة لمجتمعنا إلّا بعد مرور أعوام.

باعتقادي المتواضع، أنّ التعلم عن بعد مناسب لفئات مجتمعية جاهزة من ناحية البنية التحتية، وكذلك لديها مهارات حياتية مثل الانضباط و الاستقلالية وتحمل المسؤولية... بينما وكما هو معلوم للجميع، فإن غالبية طلابنا يفتقدون لهذه المهارات، أو غير جاهزين للتكيف مع هذا الوضع، وبالتالي سوف نلاحظ ارتفاعًا في ظاهرة عدم الانضباط والانتظام بالتعليم عن بعد، حتى نصل إلى انفجار هائل في عدد المتسرّبين العرب، وخلال بضع سنوات، سنشاهد عددًا رهيبًا من حالات الإدمان والعنف والجريمة في مجتمعنا.

لذلك، على قياداتنا المحلية والقطرية، طرح البدائل العلمية والتي تضمن لنا على الأقل، عدم ارتفاع نسبة المتسرّبين، لأننا لا نريد أن نكسب صحّتنا الجسدية ونخسر صحتنا المجتمعية.

 


كاتب المقال: د. وليد حداد هو مختص ومحاضر في علم الإجرام.

د. وليد حداد

مختص ومحاضر في علم الإجرام

شاركونا رأيكن.م