في وجه المنهاج الذي يعلّم طلابنا الرواية المناقضة لنا.. دور منتظر من المعلمين والباقي على مواقع التواصل
لا أعرف إذا كان هنالك شعب آخر في العالم، يُمنع بأن يتعلم في مدارسه عن تاريخه، كما يحصل مع شعبنا الفلسطيني في الداخل. فينما يتعلم الجزائريون عن الثورة الجزائرية الكبرى، ويتعلم المصريون عن شخصيات مصر التاريخية من محمد علي باشا إلى سعد زغلول وصولًا إلى جمال عبد الناصر وثورة الضباط الأحرار وتأميم القناة وأحداث تاريخ مصر القديم والحديث. وبينما يتعلم السوريون عن يوسف العظمة وسلطان باشا الأطرش، بينما تعلم كل شعب في العالم عن تاريخه وعن سيرورة الأحداث في بلده بالقرن الماضي، يفرض علينا المنهاج الإسرائيلي أن نتعلم إما عن التاريخ العربي القديم أو عن تاريخ أوروبا في حصص التاريخ، وفي تاريخ إسرائيل وحرب استقلالها وإقامتها في حصة المدنيات، وهو موضوع بأساسيات العلوم السياسية يتم تعليمه للطلاب في المرحلتين الإعدادية والثانوية.
وهذا الأمر، هو جزء من التناقضات الكبيرة والغريبة في واقعنا كأبناء للشعب الفلسطيني فُرضت عليهم الجنسية الإسرائيلية.
وتكمن المشكلة في مسألة التعليم، هو أنه وفي ظل غياب نشاط الأحزاب السياسية وفروع الشبيبة في معظم بلداتنا، وربما في كل بلداتنا، فقط تلاشت هذه الفروع بالسنوات الأخيرة خصوصًا بعد إقامة القائمة المشتركة وانتهاء عصر المنافسة بين الأحزاب الوطنية. في غياب نشاط الأحزاب، ليس هنالك من يقوم بتوعية الأجيال الشابة على روايتنا، على الرواية الحقيقية التي من واجب كل طفل أن يعرفها ويكبر عليها. خصوصًا في ظل الظروف الحياتية التي حولت الأهل إلى ماكنات، وأعمم كون الحالة تنطبق على غالبية الناس، وفي ظل أيضًا حقيقة أن أوساط عديدة في مجتمعنا – من جيل الآباء والأمهات- أصلًا تعاني ضعف كبير في الوعي الوطني، بسبب المناهج طبعًا وبسبب هواجس الاهل من "تورط" أولادهم بالنشاط السياسي، وهذا ينطبق بشكل خاص على مجموعات كبيرة من الأهالي من الجيل الثاني للنكبة، الذي تربوا على يد الجيل الذي عاصر النكبة، عاصر الهزيمة والحكم العسكري والخوف، وبمعظمه أصلًا كان يعاني من عقد كثيرة وتخوفات لا تنتهي من فترة الانتداب البريطاني وربما من فترة الدولة العثمانية.
وبينما في الضفة الغربية وفي غزة، وحتى في الدول العربية التي لجأ إليها الفلسطينيون، يتعلم الطلاب في المنهاج التدريسي عن النكبة وعن أحداث مركزية مرت شعوبنا العربية، يتعلم طلاب الداخل الفلسطيني عن استقلال إسرائيل وعن هرتسل وعن بن غوريون وعن وثيقة الاستقلال وحرب الأيام الستة وكل الأحداث في تاريخ إسرائيل، وهذا ليس ضمن المبدأ الذي يقول إن على المرء أن يعرف تاريخ عدوه، فالحديث هنا عن منهاج مكتوب بطريقة تروّج للرواية الإسرائيلية بكل ما حصل.
عن تجربتي الشخصية مثلًا، ولدت في قرية تدعى كفر مصر، في منطقة مرج بن عامر، لم يكن في قريتي وفي منطقتي أي نشاط لأحزاب سياسية عربية، لا للجبهة ولا للتجمع ولا لغيرهم، ربما بعض النشاطات للحركة الإسلامية الشمالية، ولكن معظمها ذات جانب ديني أكثر. بمعنى أنه لم يكن لدي أي وعي وطني حقيقي قبل المرحلة الجامعية، وفي عام 2010 عندما كتبت لأول مرة منشورًا ذا طابع وطني في الفيسبوك، وأشدد أنه لم يكن منشورًا تحريضيًا ولا يدعو لأي شيء، فقط ذكرت فيه كلمة فلسطين، وقتها واجهت هجومًا حادًا من أفراد عائلتي، من منطلق خوفهم علي، وبأن هذا سيدمر لي مستقبلي وهذا قد يتسبب بسجني وغيرها من العبارات الي يسمعها جزء كبير من شبابنا في بداية نشاطهم الوطني.
اليوم الأمور تغيّرت، فوسائل التواصل الاجتماعي أصبح الدور الأبرز في التوعية الوطنية، وأحداث أيار 2021 كان خير اثبات على ذلك، والانستغرام مثلًا، أصبح منصة رائعة لتوعية الشباب وطنيًا، وهذا جيد، بل أكثر من جيّد، لكنه غير كاف، ولا شيء يمكنه أن يكون بديلًا على دور المدارس، وأنا في هذا لا أطلب من المعلمين أن يتركوا المنهاج، فهذا غير قانوني وهذا يؤثر أصلًا على الطلاب في امتحان البجروت، ولكن ما نرجوه من المعلمين، هو أن يعلموا طلابهم بضمير وبواجب وطني وأخلاقي، ويسردوا الرواية الحقيقية بجانب رواية المنهاج، أو على الأقل أن يوضحوا للطلاب أن ما يتعلمونه هو الرواية الإسرائيلية، وأن هنالك رواية أخرى. وباستطاعة الطالب بعد ذلك البحث عنها ومعرفتها.