أزمة المناخ؟ مع كل أهميتها وخطورتها .. آخر همومنا!

يذكرني موضوع أزمة المناخ، بأمور مثل "اليوم العالمي لحقوق الانسان" أو "اليوم العالمي للراحة النفسية"، وبكافة هذه الأمور والتواريخ والأحداث والقضايا الهامة جدًّا لكل البشر، والتي تعتبر في آخر سلَّم الأولويات بالنسبة لشعوبنا العربية، ليس لأننا لا نهتم بالمناخ وبمستقبلنا، فلا أحد منّا لا يخاف على مستقبله وعلى أولاده، ولكن ببساطة، نحن شعوب تعاني من قضايا حارقة تتعلق بحياتنا الآن، مسائل حياة أو موت كما يقال، بين الحروب التي تعصف بالدول العربية في السنوات الأخيرة، منذ حرب العراق حتى اليوم، وربما قبل ذلك، وبين الحرب المستمرة في بلادنا، في فلسطين، وواقع الاحتلال وحصار غزة والأحداث في القدس وغيرها، وبين همومنا المحلية، كالعنف والجريمة المنظمة، ومشاكل الإسكان وغيرها، وبين عدم توفر "هداة البال" وهو مصطلح يُستخدم كثيرًا بين الناس، ناهيك عن الكورونا، تصبح أزمة المناخ فعلًا في آخر هموم الناس، لدرجة عدم اهتمامهم بالأخبار التي تتحدث عن هذا الأمر وبعدم الالتفات لها وللموضوع بشكل كبير، بل والاستخفاف والاستهزاء في كل من يتحدث عن هذا الأمر، وما أقوله يعتمد على تجربة شخصية وعلى آراء الكثير من الناس.

كل هذا، لا ينفي اهتمام فئات معينة من المجتمع العربي ومن الشعوب العربية عامة بهذا الأمر، فهنالك حراكات في الدول العربية، ويتفاوت حجمها مع وضع الدولة وحالة الشعوب فيها، فالشعوب القابعة في الفقر المحدق، ستكون أزمة المناخ آخر همّها، مصر على سبيل المثال، ورغم أن القمة القادمة للمناخ ستكون في شرم الشيخ بعد القمة التي كانت في غلاسكو، إلَّا أنَّ الاهتمام الشعبي المصري بموضوع المناخ، ضئيل جدًّا، ويقتصر على بعض الجمعيات المهتمة بالأمر، كذلك في معظم الدول العربية. وفي بلادنا، شارك عدد من الناشطين العرب في المظاهرات التي حصلت مؤخرًا، وفي المظاهرة الكبرى في تل أبيب، ولكن تبقى مشاركة متواضعة جدًا، وتقتصر على الأشخاص المهتمين بهذا الموضوع.

والمؤسف، أو ما يثير السخرية، أن شرقنا يعتبر من أكثر المناطق التي تأثرت وستتأثر بأزمة المناخ، فارتفاع درجات الحرارة في بعض دول الخليج والعراق-والتي تعتبر درجات الحرارة المعتدلة فيها مرتفعة جدًّا مقارنة بمناطق أخرى في العالم- سيجلب على هذه البلدان المزيد من المعاناة، وعمومًا، الشعوب الفقيرة دائمًا هي التي تتأثر من الأزمات العالمية أكثر من غيرها، وشعوبنا العربية بمعظمها فقيرة.

في بلادنا، في الداخل الفلسطيني بشكل خاص، يكاد الاهتمام بالأمور التي تتعلق بالمناخ يكون معدومًا، فمسألة استخدام المعدات البلاستيكية مثلًا، مستمرة بشكل عادي دون أي تغيير، والأكياس البلاستيكية في الحوانيت، ناهيك عن موضوع النظافة وعن مسائل إشعال النيران مثلًا لإحراق النفايات وغيرها من الظواهر، وأتحدث عن الجوانب التي تتعلق بالناس؛ لأن الصناعة في مجتمعنا حضورها أقل وتأثير المصانع المتواضعة في البلدات العربية، لا شيء بجانب كبرى الشركات والمصانع في إسرائيل.

ورغم كل هذا، فإن أزمة المناخ تصبح شيئًا فشيئَا تهديدًا محسوسًا على كل جوانب الحياة، فوفق تقرير مجلسة "لانست" The Lancet العالمية الطبية فإن 3.1 مليار شخص في العالم الذي يقترب عدد سكانه من 8 مليارات نسمة، قد يتعرضون لانتكاساتٍ صحية خطيرة جراء التطورات السلبية في المناخ. مشيرًا إلى أن الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 65 عامًا والأطفال في السنة الأولى من أعمارهم، أي حوالي 626 مليون شخص، معرضون لخطر جسيم بشكل خاص. هذا بالإضافة إلى الخسائر الاقتصادية العظيمة التي بدأت تؤثر على كل دول العالم، وبشكل خاص على الشعوب الفقيرة كما ذكرت أعلاه.

في السنوات القادمة سنسمع مصطلح "أزمة المناخ" أكثر، وسنشعر بتأثير هذه الأزمة أكثر على حياتنا، فحتى الآن لا نشعر كثيرًا بها، ونأمل أن يرتفع الوعي لهذا الأزمة في مجتمعاتنا، وهي مسؤولية تقع على عاتقنا نحن كصحفيين بالإضافة إلى السياسيين والمعلمين وكافة الفئات المسؤولة بشكل أو بآخر على رفع التوعية في المجتمع. ونأمل أن الاهتمام بهذه القضية يكون فعلًا بالشكل الصحيح، وأن تصبح على رأس أولوياتنا، وذلك سيكون طبعًا بتخلصنا من قضايانا العالقة والصعبة التي تشغلنا، وهي العنف والاحتلال والحروب والكورونا وغيرها.

 


كاتب المدونة: بكر جبر زعبي وهو صحافي ومحرر موقع "بكرا".

بكر جبر زعبي

كاتب وصحافي ومحرر موقع "بكرا"

شاركونا رأيكن.م