سعيد قديح - قصة مبادر في دعم أهله بقطاع غزة

في التاسع عشر من شهر آب يحتفي العالم باليوم الدولي للعمل الإنساني، وهو اليوم الذي يُكرّم فيه العاملون في المجال الإنساني وتُسلط الاضواء على التحديات التي يواجهونها في تنفيذ مهامهم وفرصة لإعلاء القيم الإنسانية، ومن ضمنها قيم التكافل الانساني ودعم مَن يعانون ويلات الحروب والكوارث والأزمات بموجب أسس قيمية تعززها جميع الديانات السماوية، حيث تنظم العديد من النشاطات في هذا اليوم منها حملات لجمع التبرعات للمحتاجين ودعم المشاريع الإنسانية.

سعيد قديح شاب من غزة يقيم في تركيا منذ ثلاث سنوات بعد خروجه من القطاع لظروفه الصعبة ويعمل في مؤسسة لدعم اللاجئين على الحدود التركية السورية منذ بداية الحرب على غزة؛ كان يتابع الأخبار ويكتب عنها وينقل الصورة من خلال ما يعيشه أهله الذين عانوا اهوال النزوح المتكرر وصولا الى خانيونس بعد ان تم اجبار العائلات على الانتقال اليها هربا من القصف الاسرائيلي وبحثا عن الأمان.

سعيد قديح

عائلة سعيد هي واحدة من أصل مئات آلاف العائلات الفلسطينية في غزة التي اضطرت لترك منازلها والنزوح المرة تلو الأخرى عقب اندلاع الحرب والقصف الاسرائيلي المستمر مند أكثر من تسعة أشهر، إذ كشفت منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في غزة عن ان 1.9 مليون شخص هم نازحون الآن في القطاع وأن 70% من سكان غزة اصبحوا نازحين بعد أن تمّ تهجير أكثر من مليون شخص مرة أخرى بحثا عن المأوى والأمان.

سعيد قرّر عدم الاكتفاء بالكتابة عن الأحداث وبحث عن سبيل أخر لدعم أهله في القطاع مع استمرار الحرب شهورا طويلة، والتفت الى ضرورة توفير خدمة نقل للنازحين إثر شن إسرائيل معاركها البرية في رفح وما اعقبها من تهجير مئات آلاف النازحين، منهم من تكبدوا عناء النزوح المتكرّر ومعه خسارة القليل مما جمعوه من مقتنيات الى جانب صعوبة حمل الأطفال والسير بهم على الاقدام مسافات طويلة، لتبرز الحاجة لنقل النازحين من رفح ودير البلح والزوايدة والنصيرات الى خانيونس الذين واجهوا صعوبة التحرك والتنقل من مكان الى آخر. سعيد قرّر التواصل مع يعض السائقين من أصدقائه، لتنطلق المبادرة بداية بثلاثة سائقين وصولًا إلى قرابة ثلاثين سائقًا اليوم ممن يتشاركون مهام نقل النازحين دون مقابل. يقوم سعيد بالإشراف وإدارة الخدمة باستقبال المناشدات والمساعدات وإدارة خط سير السائقين حتى يصلوا الى أصحاب تلك المناشدات من العائلات ويتم شراء ما تيسر من الوقود وسط ندرته وتكلفته الباهظة في ظل الحرب، ففي حين كان يبلغ سعر لتر السولار قبل الحرب قرابة 90 شيكلا للتر الواحد، ارتفع اليوم ليصل الى 120 شيكلا للتلر الواحد مع استمرار الحرب والحصار المشدد من قبل اسرائيل واستمرار عمليات النزوح من مختلف مناطق القطاع بحثا عن الملاذ الآمن.

يقول سعيد: "لجميع السائقين عائلات وأطفال وهم يضحون بأنفسهم من أجل الآخرين، فهناك من تعرضت سيارته لأضرار جراء القصف الإسرائيلي ومنهم من تعطّلت بالشارع عقب الظروف الخطيرة التي يعملون ضمنها. "

ولتجسيد هذا الواقع يقول سعيد بألم وحرقة:" كان هناك سائق يدعى "نديم " سمع قبل شهور عن هذه المبادرة وراسلني ليعرض المساعدة بنقل النازحين دون أي مقابل، بعد أن نزح هو وعائلته كحال العديد من الاهالي الى خانيونس... علمت بخبر استشهاد نديم قبل أيام بعد أن تلقيت الخبر برسالة وصلتني عبر حسابي في الفيسبوك من والدة نديم.. وقع على الخبر وقوع الصاعقة.. وأجريت فحصًا لقائمة الشهداء الذين ارتقوا في مجزرة المواصي جنوب قطاع غزة وبالفعل كان اسم نديم مدرجًا فيها."

بعد نقل النازحين من خانيونس برز تحدٍ أخر يتعلق بمساعدة النازحين لإيجاد مكان يؤويهم عوضًا عن الطرقات والعيش في العراء، حيث تقدر وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الاونروا أن 1.2 مليون شخص يعيشون اليوم في ملاجئ رسمية وغير رسمية في القطاع. وعليه، قرر سعيد إطلاق فكرة انشاء مخيم للنازحين، ولاقت فكرته قبولًا كبيرًا لدى الأصدقاء الذين قاموا بمد يد العون لرفع اساسات المخيم الذي سُمّي لاحقًا باسم "مخيم اللقاء". وينوه سعيد عن الاسم المختار للمخيم قائلًا: "اللقاء هو حالة مؤقتة ولا بد أن يعود النازحون بعده الى بيوتهم." ويضيف: "لقد انطلق المخيم بخيمة واحدة ليصل العدد اليوم الى 50 خيمةً؛ وفيه مدرسة بفصل واحد ومصلى ودورات مياه وعيادة صحية، بفضل دعمنا من قبل 150 مبادرة فردية، الى جانب دعم منظمة "المطبخ المركزي العالمي" التي وفرت 20 خيمة كبيرة للمخيم.

 يؤكد سعيد في ختام الحوار على أهمية الجهود الفردية التي لا تقل أهمية عن جهود المؤسسات، منوهًا إلى بروز دورها وتأثيرها في الوقت الحالي في غزة بشكل أكبر، نتيجة للقيود المفروضة التي تتعرض لها المؤسسات منذ بداية الحرب حتى الآن، داعيًا الشباب في غزة بأن يقدموا يد المساعدة قائلًا: "فليبادر الشباب في غزّة بما تيسّر لهم، وألا يتركوا أهلهم يعانون في الشارع، فالحرب كما يبدو ستطول، ولا أفق. لذلك هذه المبادرات تحدث فرقًا حقيقيًا على الأرض. أيًا كانت المبادرة حتى ولو بإطعام جائع واحد أو سقيه."

رحمة علي

صحافية فلسطينية.

رأيك يهمنا