اعتقالات الغزيين اللاإنسانيّة، لا جديد إلا مزيد من الانتقام

أجبروني على التعري مرارًا، هكذا قالت ر. ر، 31 عاما، من سكان شمال قطاع غزة، وروت ما تعرضت له من تعذيب أثناء اعتقالها بتاريخ 1/12/2023: طلبت منى المجندة عبر مكبر الصوت وهي تقف أمام فتحة الخيمة أن أخلع ملابسي، بما فيها الملابس الداخلية، وأن أقوم بنفض الملابس وألقي بها على الأرض وأن أقوم بثني الجزمة ونفضها، وأن أنقض شعري وأنفضه. بعد أن خلعت ملابسي جميعها صرخت المجندة وأمرتني بارتداء ملابسي بسرعة وبدون حجاب، ثم قيدت يدي إلى الأمام بقيود بلاستيكية، وعصبت عينيّ بقطعة قماش وأجلستني على تلة رملية. وبعد دقائق اقتادتني إلى خيمة فيها كرسي ومحقق سألني عن إخوتي وعن عملهم، وادعى أن أخي في القسام. قلت له إني لا أعرف شيئاً، فبدأ يصرخ علي ويقول لي: كذابة. أنتم كذابون، وضرب بيديه على الطاولة استمر التحقيق 5 دقائق، وقال المحقق: إذا أردت الخروج أجبِي على كل سؤال وتعاملي معي، وبعدها قال: خذوها من هنا!

ألقوا بي على الأرض تحت الشمس حتى الساعة 6 مساءً، وكنت أرى من تحت العصبة، حيث شاهدت نساء معتقلات، كان من ضمنهن مرضعة أطلقوا سراحها الساعة 2:30 مساء. كان الجنود والمجندات يشتموننا ويسبوننا بكلام قذر جداً. طلبت منهم مياهًا للشرب، وطلبت أن أدخل الحمام، ولكنهم رفضوا وشتموني. كنت أجلس ورأسي بين ركبتي كما أمرتني المجندة. ومساء شعرت بالبرد فطلبت منها غطاء فأحضرت بطانية ووضعتها علىّ ثم سحبتها إلى أسفل وكأنه لم يكن.

في حوالي الساعة 7مساءً اقتادوني إلى غرفة أرضيتها من الحصى مقيدة اليدين ومعصوبة العينين. وبعد ساعة اقتادوني إلى سيارة جيب وأخذونا إلى معتقل اسمه "زيكيم". وهناك أمرتني المجندات بخلع ملابسي كلها وأعطوني بيجاما رمادية اللون، ارتديتها بدون ملابس داخلية وبدون حجاب. ثم قيدوا يدي وعصبوا عينيي وأدخلوني عند الطبيب الذي قام بفحصي وسألني إن كنت أعاني من أمراض. ثم اقتادوني إلى بركس، وأعطوني فرشة رقيقة جدا وصغيرة لا تكفي لجسمي وبطانية. نمت وأنا مقيدة اليدين ومعصوبة العينين، وبعد نصف ساعة أيقظتنا المجندات وكانوا كلما نمنا يوقظوننا ويأمروننا بالجلوس على ركبنا، ويقوم الجنود والمجندات بشتمنا بألفاظ نابية ويوجهون السلاح علينا بالليزر ويقولون لنا: على من أطلق النار أولا؟

في اليوم التالي الساعة 8 صباحًا، أخذوا البنات للتحقيق، وأنا جاء دوري للتحقيق الساعة 6 مساءً. كنت في كونتينر صغير كانت هناك شاشة كمبيوتر وكان جندي يكتب على الجهاز، ومجندة كانت تحقق معي. عرضت لي صورة منزلنا من الخارج ومنازل الجيران وسألت عن وجود كاميرات في المكان وسألتني عن الأنفاق. كانت إجابتي: لا أعرف. وسألتني هل ذهبت إلى مسيرات العودة، وأجبتها مرة واحدة، وسألتني هل شاهدت مسلحين قلت لا أعرف، وسألتني عن إخوتي ماذا يعملون، وسألتني على مدرسة الشيماء القريبة من منزلنا وهل يوجد فيها سلاح، وقلت لها لا يوجد فيها شيء، وهي مدرسة أطفال. قالت كذابة، وعرضت صور منازل الجيران المقصوفة وسألتني لماذا انقصفت قلت لها أنتم قصفتموها، بعدها عرضت عليّ التعامل معهم وقالت لي: "اذهبي وفكري جيداً"، استمر التحقيق نصف ساعة.

خلال الفترة الماضية التقيت عددًا من المعتقلين الذين أفرج عنهم من معبر كرم أبو سالم، ومن خلال مشاهدتي كانت تظهر عليهم حالة الإعياء والتعب والارهاق والمرض، وآثار الضرب والتعذيب والشبح وتعرضهم للضرب المستمر بالعصي وبأدوات حادة، تسببت بجروح مختلفة وتعرضهم للمعاملة القاسية اللاإنسانية.

وقد تعرضت أسيرات من قطاع غزة لأشكال التعذيب والإهانة التي شملت الضرب والتنكيل والتحرش الجنسي والتهديد بالاغتصاب، وهذا مثبت عبر إفادات أدلت بها أسيرات أفرج عنهن من السجون الإسرائيلية.

ومن بين المعتقلين المفرج عنهم الذين التقيت بهم، من هم من بيت لاهيا ومدينة غزة، ولم يسمح لهم بالعودة إلى أماكن سكناهم في غزة والشمال، وأصبحوا بدون مأوى، ومنهم من توجه لأقاربه في رفح أو في مراكز الإيواء التابعة لـ "أونروا" بعد أن نزحوا من غزة وشمالها. المعتقلون مواطنون عاديون، من بينهم الأطباء والمدرسون والعمال والعاملون في منظمات إنسانية وصحية، وتعرضوا لتحقيق قاسٍ وتعذيب شديد، وتهديد بالقتل، وحسب إفاداتهم فقد تم احتجازهم في معسكرات للجيش الاسرائيلي، وأن المحققين هم من الجيش الاسرائيلي.

وغالبية المعتقلين تحدثوا عن احتجازهم في معسكرات اعتقال تابعة للجيش الاسرائيلي ولم يحددوا أماكنها، ومنهم من أدرك أنه موجود في منطقة النقب وسمعوا كلمة "أوفكيم".

ووفقا للمعلومات التي حصلت عليها من خلال متابعة أسماء الأسرى والأسيرات المفرج عنهم عبر معبر كرم أبو سالم جنوب شرق مدينة رفح، وبعد نحو شهر من التوغل البري العسكري والاعتقالات الجماعية، أفرج الجيش الإسرائيلي عن عدد من المعتقلين، منذ بداية شهر 1/2024، حتى تاريخ 18/3/2024، 65 معتقلاً من بينهم معتقلة من إجمالي عدد المعتقلين البالغ نحو 875 معتقلًا حتى تاريخ 18/3/2024, وقد نقل (4) منهم لتلقي العلاج في مستشفى النجار في مدينة رفح جراء تعرضهم للتعذيب.

وقد استشهد نحو 27 أسيرا غزيا في مراكز الاعتقال العسكرية في "سديه تيمان" و"عناتوت" ومعسكرات أخرى، منذ بدء الحرب على غزة.

وعاشوا ظروف الاعتقال القاسية، ولم يتوقف الجنود عن ضرب المعتقلين، وتعرض بعضهم، خاصة الشباب، لتعذيب وعانوا من معاملة عنيفة لا إنسانية.

منذ بداية الحرب على غزة في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر وما قامت به قوات الجيش الاسرائيلي من قتل وتدمير وإجبار للفلسطينيين على النزوح من مدينة غزة وشمال القطاع باتجاه جنوب القطاع. ومع عمليات الاجتياح البري في القطاع. أظهرت الحرب حجم الاعتقالات بالآلاف التي نفذها الجيش الاسرائيلي وما زال في غزة، والسلوك السادي في التعامل مع المعتقلين، واستشهاد عدد منهم، وتعرضهم للتعذيب والضرب، وتصويرهم عراة في محاولة لإذلالهم والحط من كرامتهم الإنسانية. 

تعرض آلاف المعتقلين الفلسطينيين من سكان قطاع غزة، للتنكيل وعمليات الاعتقال التعسفي، والتعذيب، وحالات الإخفاء القسري التي يفرضها الجيش الإسرائيلي، وبضمنهم عشرات النساء.

وحسب  ما نشرته وسائل الإعلام من صور وفيديوهات وتوثيق منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية، وحصولها على المعلومات والإفادات، فإن قوات الاحتلال تواصل تنفيذ عمليات اعتقال جماعية لمئات السكان المدنيين خاصة من سكان شمال غزة، ومدينة غزة، وخان يونس ومخيم البريج سواء من منازلهم أو من داخل مراكز الإيواء في المدارس التابعة لـ "أونروا"، وتجبرهم على خلع ملابسهم والاصطفاف في طوابير والجلوس في الشوارع وهم شبه عراة في وضع مذل فضلاً عن تعريضهم للتعذيب والتنكيل، قبل اقتيادهم وهم مكدسون فوق بعضهم في شاحنات عسكرية لأماكن مجهولة. وشملت الاعتقالات، أطباء وممرضين ومسعفين ونساء، صبايا طالبات جامعيات وكبارًا في السن منهم مرضى سرطان، وسيدة في عقدها الثمانين وفق ما ذكرته صحيفة هآرتس، حينما نشرت في أحد أعدادِها أن جنودا إسرائيليين اعتقلوا مسنة فلسطينية مصابة بمرض ألزهايمر، باعتبارها "مقاتلة غير شرعية"، ونقلوها إلى سجن "الدامون" ومكثت فيه نحو شهرين قبل أن يطلق سراحها بعد الاستئناف.

وقد اعتقلت فهمية الخالدي البالغة من العمر 82 عاما في الأول من ديسمبر/كانون الأول في مدرسة بمدينة غزة لجأت إليها بعد أن فرت من منزلها بسبب القصف، ورفض السجن الذي أحيلت إليه طلبا تقدم به محامٍ من منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان الإسرائيلية لمقابلتها.

وحسب صحيفة هآرتس فإن غالبية المعتقلين تم احتجازهم في القاعدة العسكرية "سدي تيمان" في الجنوب، والنساء المحتجزات في معسكر "عناتوت"، دون أن يتضح إن كان سيجري تحويلهم إلى السجون الإسرائيلية أم ستٌجرى إعادتهم إلى غزة.

ما زالت اسرائيل تمارس سياسة الاعتقالات التعسفية والمهينة التي تعرّف كجرائم حرب من حيث التعذيب وسوء المعاملة والإخفاء القسري التي تستهدف الأسرى الفلسطينيين، خاصة الذين اعتقلتهم من قطاع غزة وتحتجزهم في مراكز اعتقال أقرب ما تكون إلى سجن "أبو غريب" أو "غوانتنامو" إسرائيلي.

ممارسة إسرائيل سياسة الاعتقال لم تقتصر على غريزة الانتقام والابتزاز وإهانة كرامة الفلسطينيين وأداة من أدوات السيطرة، بل هي سياسة قديمة جديدة لكيّ الوعي وقتل روح الفلسطينيين. 

مصطفى ابراهيم

كاتب وحقوقي وباحث في الشأن الاسرائيلي مقيم في قطاع غزة

شاركونا رأيكن.م