سوريا الحُرّة: أَسئِلة المُستقبَل

كيف مَنَحت هيئة تحرير الشام الثقة والأمان للسوريين؟ وكيف ستواجه عقباتها المستقبلية؟

يوم الأربعاء في السابع والعشرين من تشرين الثاني/ نوفمبر، بدأت عملية "ردع العدوان" التي أطلقتها قوات المعارضة السورية مِن إدلب باتجاه حَلب، ردًا على الانتهاكات الإنسانية المستمرة بحقّ المدنيين في مناطق المعارضة.

بدايةً، لم تكن أغلب ردود الفعل في الشارع متفائلة بما سيحدث، فغالبًا ساد اعتقاد أنها المعركة الأخيرة التي ستعطي سوريا شكلها التقسيميّ النهائي بحيث تنضم حلب لمناطق المعارضة لتؤمّن عودة اللاجئين السوريين من تركيا، كون قضيّتهم كانت محور الحديث التركي في الفترة الأخيرة، وخصوصًا أن حلب حُررت في وقت قياسيّ مثير للشكّ، لذلك ساد اعتقاد أنها مجرد اتفاقية استلام وتسليم أُبرمت بين النظام وتركيا. لكن، مع تقدّم قوات المعارضة إلى حماة بعد انتهائها من تحرير حلب وفرض سيطرتها عليها، عَلِم السوريون أن الأمر يتجاوز اتفاقية تقسيم، بل إنها عملية عسكرية مُتقنة خُطط لها بإحكام، وضُبِط توقيتها باستغلال الظروف المناسبة في المنطقة.

صباح يوم الأحد في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر، دخلت قوات "ردع العدوان" إلى العاصمة دمشق بعد أن انتصرت في معركتها الأشرَس في حمص، وتم إسقاط نظام الأَسَد.

لسنواتٍ طوال رسّخ النظام السوري وأذرعه الإعلامية صورًا نمطيّة عدائيّة، عن القوى الفاعلة في إدلب، وأقرَنَهم بتنظيم داعش، كما وجّه جهوده لكشف ملفات فساد وسرقات ونهب في تلك المناطق كانت ضعيفة الحجج والأدلّة في الغالب، كما جعل من مناطق المعارضة العدو الأول الذي يهدد أمن المنطقة.

لم يكتف النظام بالجماعات المسلّحة فحسب، بل إن حملة التشويه طالت المدنيين، حتى بات ذكر اسم إدلب في مناطق النظام بمثابة تُهمة، أما التواصل معها فكان شبه منعدم وإن وُجد فهو سرًا، لذلك كان التخوف الأكبر مِن مدى قدرة مناطق النظام السابق لتقبُّل الحكم الجديد القادم من الشمال، لكن المفاجئ كان أن أغلب أهالي دمشق والمحافظات الأخرى التي حُرّرت من قبضة النظام كانت في انتظار وصولهم على أحرّ من الجمر.

اعتقد أن هذه الثقة اكتُسبت من طريقة التعاطي مع المعركة التي كانت حريصة على عدم إراقة الدماء، والبعيدة عن مناطق المدنيين، كما أن إنذار جنود النظام قبل الوصول كان دليلًا أن المعركة ليست انتقامية، بالإضافة إلى اعتماد أسلوب التفاوض بين القوات وكبار شيوخ المناطق التي في عداد البيئة الحاضنة للنظام، الأهم من ذلك أنهم لم يُطلقوا معركة عبثية غير آبهة بالنتائح والتداعيات وإنما معركة محسوبة من جميع الاتجاهات.

والآن بعد أن استتب الأمر لهيئة تحرير الشام في دمشق وغدا زعيمها الجولاني -أو أحمد الشرع- الرجل الأول هناك، بدأت الأسئلة الكبرى حول مستقبل سوريا تُطرح على الطاولة علانية، ودون خوف مِن بطش سلطة الأَسَد هذه المرة...

ماهو مصير قوات سوريا الديمقراطية ومناطق شرق الفرات؟

الدستور، ماذا عن الدستور؟

علمانية أو إسلامية؟

كيف سيكون شَكل سوريا مستقبلًا؟

اليوم هناك معضلة تَكمن في ملف المفاوضات بين هيئة تحرير الشام وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، خصوصًا وأن الشرع قد أكد في أحد لقاءاته الصحافية أنه لن يسمح مستقبلًا بوجود قوى عسكرية أو حَمَلة سلاح على الأراضي السورية سوى بِيَد الدولة، فكيف ستجري تلك المفاوضات؟

تاريخيًا، وبالعودة إلى الوراء، نَجد أن لا عداءِ واضحًا بين (قسد) وهيئة تحرير الشام، إذ إن المعارك التي جرت في عفرين ورأس العين وغيرها كانت بين (قسد) والجيش الوطني المدعوم من تركيا، فنجد أن المجتمع الكردي لديه ثقة أكبر في هيئة التحرير لأسباب عدّة، أولها: أن الهيئة لم تشارك بأي انتهاك ضد الأكراد خلال سنوات الحرب، حتى أنه شوهدت مطالبات من سكان عفرين لتدخّل الهيئة كحماية لهم من بطش الجيش الوطني المؤسَّس خصيصًا لقمع الأكراد في المنطقة.

ثانيًا: الهيئة -وعلى عكس الجيش الوطني- مُستقلة عن القرار التركي إلى حدّ كبير، أي أنها لا تحمل أجندة مُعادية للأكراد.

تصريحات قادة (قسد) تقول إنه ما مِن مُشكلة إطلاقًا في التّفاوض مع الهيئة وبعضهم أبدوا مرونة في التعامل مع الملفات الفيدرالية والمقاتلين الأجانب وغيرها، كما أن عودة ترامب إلى البيت الأبيض ستُعيد (قسد) إلى فترة 2016 - 2020 وغالبًا سيعاد سحب الغطاء الأمريكي عنهم، ولكن حلّ ملف (قسد) بالطبع سيكون مشروطًا بمطالب مثل الإدارة المحلية وضمان الحقوق الثقافية للمنطقة وغيرها. 

ينقسم الشارع السوري اليوم بخصوص تحديد شكل البلاد المستقبلي، بين دولة إسلامية أم علمانية، وتشهد شوارع العاصمة ومواقع التواصل الاجتماعي منذ سقوط النظام، احتجاجات تنتقد التصريحات الرسمية وغير الرسمية لأعضاء الحكومة المؤقتة الحاليين، وخلفيّاتهم الدينية.

يَصف البعض تلك المطالب والاحتجاجات بالمبكّرة كون الحكومة الحالية هي حكومة مؤقتة ولم تتخذ بعد شكلها النهائي، والبعض يجد أن عدم تدارك المشكلة من بدايتها سيصّعب السيطرة عليها مستقبلًا، للحقيقة، التركيبة السكانية لسوريا لا تحتمل أن تأخذ البلاد شكل الدولة الإسلامية، وإن اتّخذتها تحت شعار "من يحرّر يقرّر" فلن تنعم البلاد باستقرار.

يرفض السوريون اليوم الوصاية الدولية والتدخل الخارجي فيها، كما يرفضون مشاركة الإئتلاف الوطني السوري المعارض بأيّ شكل من الأشكال في صنع قرار سورية ومستقبلها، نظرًا لتقاعسه وملفات فساده طوال سنوات الحرب، لذلك رفع السوريون هاشتاغ #الإئتلاف_لا_يمثلني.

لكن ما يُعطي القوى الدولية اليوم الشرعيّة للتدخل في الشأن السوري، هي محاولة التفرّد في السلطة من قبل هيئة تحرير الشام، لذلك ينبغي مشاركة أكبر عدد ممكن من القوى السياسية بترتيبات المرحلة الانتقالية، لذلك يقترح بعض الخبراء القانونيين العمل على إعادة إنعاش دستور عام 1950 لملء الفراغ الدستوري في البلاد، كما أنه الأنسب لملاءمته لفئات واسعة من السوريين باعتباره آخر دستور في سوريا وضع بصورة ديمقراطية.

جانسيت طام

صحافية سورية مقيمة في دمشق، خريجة كلية الإعلام في جامعة دمشق، قسم الصحافة والنشر لعام 2023.

رأيك يهمنا