نساء في وجه العواصف: تحديات المرأة العربية في سوق العمل والأزمات

 يقول آخر تقرير صادر عن منظمة العمل الدولية إن معدل مشاركة النساء العربيات في سوق العمل إجمالاً لا يتجاوز 18.4%، وهو يعد الأدنى في العالم مقارنة بالمتوسط العالمي الذي يصل إلى 48%. أما في البلاد، فإن نسبة مشاركة النساء العربيات تبلغ حوالي 45% مقابل 87% من النساء اليهوديات.

فما الذي يعيق النساء العربيات عن اختراق سوق العمل والانخراط فيه؟

تشير البيانات إلى أن الواقع ليس وردياً. فـ62% ممن يطالبون بضمان الدخل هم من النساء، إضافة إلى وجود فروقات كبيرة في الأجور بين النساء والرجال بشكل عام، وبين المجتمعين العربي واليهودي بشكل خاص، حيث قد تصل الفروقات إلى الضعف. قصص نجاح النساء في سوق العمل قد تخدعنا أحياناً أو تبعدنا عن الجوهر الحقيقي، فأين التمثيل الحقيقي للنساء في ميدان العمل من حيث العدد والكمية؟

تواجه النساء في المجتمعات الحديثة، وخاصة التي تعتمد على التوجه الليبرالي الحديث والرأسمالي، صراعاً دائمًا. هذه المجتمعات تريد المرأة فرداً فعالاً ومثمراً في سوق العمل، وفي نفس الوقت، تريدها أُماً مثالية تتداخل في حياة أطفالها وتقوم بدور الأمومة والعائلة. هذا الصراع له وقع أكبر في المجتمعات المحافظة مثل المجتمع العربي. فالنساء في المناصب الإدارية يجتهدن أكثر من أي امرأة أخرى في العالم لإثبات أنفسهن ولمجتمعهن أن عملهن لم يتضرر، خاصةً أن خروجهن للعمل لم يكسر الأدوار النمطية مثل رعاية وتربية الأطفال.

تلعب النساء دورًا محوريًا في القوى العاملة اليوم، لكنهن يواجهن تحديات خاصة بالرغم من مكانتهن الأكاديمية العالية التي تكاد تفوق نسبة الرجال. تتنوع التحديات وأسبابها بين التحيز الجنساني، التمييز، صعوبة التوازن بين العمل والحياة الشخصية، إضافة إلى الأزمات العالمية مثل جائحة كورونا، والأزمات المحلية كالحرب التي تعزز من صراع الهوية والانتماء في المجتمعات المختلفة. يعد التعامل مع هذه النزاعات بشكل حكيم وفعال أمراً بالغ الأهمية لتمكين المجتمع من تعزيز بيئة عمل صحية ومنتجة.

في الآونة الأخيرة، مع التصعيد السياسي وتوترات الحرب، تبرز هذه التحديات أكثر، خاصةً مع تراجع الحصانة النفسية والمجتمعية. سوق العمل للنساء العربيات محدود، والعوائق البنيوية تحد من إمكانيات التشغيل في الأماكن المختلطة أو البعيدة جغرافياً خصوصاً في فترات الحرب وعدم الأمان على كافة الأصعدة مثل التعرض للملاحقات والفصل التعسفي، الذي يؤدي إلى بيئة عمل عدائية وغير داعمة. إضافة إلى ذلك، الملاحقات المتعلقة بالتعبير عن الرأي، النشاط الرقمي، والخلافات العائلية التي تزيد من الضغط على النساء.

في حالات الطوارئ، هنالك وقع خاص بتفاقم شح الإمكانيات والفرص في سوق العمل وانعدام الحصانة التشغيلية للنساء المبادرات وصاحبات المصالح التجارية الصغيرة. وكذلك خوف النساء من التعرض لهنّ في الحيّز العام فمثلاً وجود النساء العربيات المحجبات في الأماكن المختلطة تحدٍ كبير من جانب الهوية. على صعيد العائلة، تخوف النساء من الخروج إلى العمل في فترات التوتر يزيد من حدة الشرخ في التحديات، خاصةً مع عدم وجود أطر مناسبة للأطفال في بعض مناطق شمالي وجنوبي البلاد، وكذلك التعليم عن بُعد والتحديات المرافقة له. هذه العوامل تؤثر بشكل مباشر على وجود النساء في مكان العمل بحيث يعرضهنّ للمساس بحقوقهنّ مثل تقليل الأجر، الانتقاص من نسبة الوظيفة، وإجبارهن على التنازل عن أيام العطلة السنوية. نسبة كبيرة من النساء غير مدركات لحقوقهن في العمل، مما يشكل تهديداً على أمنهن الوظيفي، فهناك شريحة لا بأس بها تعاني من ظروف استغلالية وغير قانونية في بعض قطاعات العمل مثل الزراعة والنظافة.

تأثير الأزمات الاقتصادية على فرص النساء في سوق العمل يعد مسألة حيوية، حيث يجب وجود خطط طوارئ داعمة نفسياً واجتماعياً لضمان استمرارية عملهن.

 المنظمات غير الحكومية تلعب دورًا مهمًا سواء من خلال تقديم الاستشارات المهنية أو الدعم القانوني. الحملات التوعوية التي تهدف إلى تغيير النظرة السلبية تجاه عمل النساء وتشجيع المجتمع على دعمهن تعتبر ضرورية أيضًا. فمثلاً، مع تقدم التكنولوجيا، يمكن توفير فرص عمل عن بعد تتيح للنساء العمل من المنزل، مما يساعدهن في التوفيق بين العمل والحياة الأسرية.

من الضروري ذكر أهمية البرامج التدريبية التي تستهدف النساء العربيات لتمكينهن من اكتساب المهارات المطلوبة في سوق العمل. كما يجب التأكيد على الحاجة لتشريعات تدعم المساواة في الأجور، تحمي النساء من التمييز في مكان العمل، وتوفر بيئة عمل صديقة وصحية. يمكن للشركات والمؤسسات تبنّي سياسات عمل مرنة وتشجيع التوازن بين الحياة المهنية والشخصية.

ويبقى السؤال: كيف نتغلب على هذه النزاعات؟

الدول المتقدمة تتحدث عن مساواة واضحة في ظروف العمل والفرص بين النساء والرجال. هذه الدول أحدثت تغييراً في سياساتها، مثل الدول الإسكندنافية التي تقل فيها معطيات المقارنة في الأجور وتمنح النساء فرص عمل ومناصب إدارية أكثر.

المسؤولية هي جماعية تتطلب جهدًا مشتركًا من المجتمع، السلطات، والنساء في التوعية، التنشئة، والتدريب. يجب العمل على تحديد سياسات دعم التوازن بين العمل والحياة، وتعزيز التواصل الفعال، والتوصل إلى آليات لحل النزاعات من خلال تعزيز ثقافة الاحترام والمساواة. بتطبيق استراتيجيات فعالة للتغلب على النزاعات، يمكن خلق بيئة عمل أكثر إنصافًا وإيجابية. تعزيز دور النساء في القوى العاملة ليس فقط حقًا أساسيًا، بل ضرورة لتحقيق النجاح والازدهار المشترك. الوعي والمعرفة هي عوامل تراكمية لتغيير مجتمعي على مدار السنين لتحقيق الفائدة في المستقبل.

د. رلى مسعود

مديرة شؤون طبية في شركة Lumenis Be للأجهزة الطبية ومؤسسة شريكة لجمعية نساء عربيات في مجالي العلوم والهندسة AWSC. 

رأيك يهمنا