النساء في الحروب: أصعب الضحايا وأول الآمال

في حرب الإبادة على قطاع غزة، كما في كل حرب ومنطقة نزاع مسلح أخرى في العالم، تدفع النساء الثمن الأكبر لهذه الحروب، وتنال حصة الأسد من المعاناة والاضطهاد والألم. إذ تؤثر الحروب على المرأة بشكل يختلف كثيرا عن تأثيرها على الرجل، ولكن نظراَ لاستبعاد المرأة من عمليات السلام، فإنه نادرًا ما يتم الحديث عن ذلك، وبالتالي لا تتم معالجته عند صياغة معاهدات السلام والدساتير الجديدة. وبالرغم من اعتبار الحرب "ميدان الأقوياء"، يكون المتضررون منها هم الفئات الأكثر ضعفًا وأبعدهم علاقة عن إشعالها، مثل النساء والأطفال والشيوخ، ويظهر ذلك جليًا في حالة غزة.

على عاتق النساء تقع المسؤولية الكبرى خلال الحرب في الحفاظ على العائلة، مواجهة الظروف القاسية مثل الجوع والمرض والأمن والحماية من الاعتداءات، سواء لنفسها أو لأبنائها، وحتى أحيانًا تجد نفسها في مقدمة البحث عن المفقودين تحت الأنقاض بلوعة وحرقة قلب على أفراد عائلتها، حتى أن عشرات آلاف الغزيات بتن أرقامًا في قائمة من الأرامل واليتامى، عدا عن أمهات الضحايا والمفقودين. إذ وصل عدد القتلى من النساء منذ بدء حرب الإبادة على غزة في 7 تشرين الأول حتى منتصف أيار 2024 أكثر من 9000 امرأة، بحسب الجهاز المركزي الفلسطيني للإحصاء، يضاف إليهن عشرات آلاف الأرامل والنساء الثكالى اللواتي فقدن أفرادًا من عائلاتهن، مع وصول عدد الشهداء إلى أكثر من 35 ألف شهيد في غزة، إضافة إلى أن 70% من الجرحى والمفقودين في غزة هم من النساء والأطفال.

و غالبًا ما تجد النساء والفتيات أنفسهن مهمشات خلال الأزمات والحروب والنزاعات المسلحة، إذ يقللن استهلاكهن الغذائي عندما تتدهور الظروف، كما يتعرضن لخطر نقص التغذية أو سوء التغذية بشكل خاص، وهو ما يجعل النساء الحوامل والمرضعات أكثر عرضة للمخاطر الصحية، مثل تشوهات الولادة أو الوفاة المبكرة للمواليد، إضافة إلى نقص الدواء والضرورات الصحية، وكذلك هن الأكثر عرضة للتعرض للعنف الجسدي والجنسي في هذه المناطق، وهناك العديد من الأمثلة حول العالم على استخدام العنف الجنسي كسلاح في المعارك ومحاولات كسر الإرادة والحث على الاستسلام، لدرجة أن نساء في مناطق نزاعات مسلحة كانت تطلب حبوب منع حمل كجزء من المساعدات الطبية حتى لا تلد أطفال ناتجين من اغتصاب واعتداءات جنسية.

لذلك أقر القانون الدولي الإنساني حماية خاصة للنساء منها على سبيل المثال ما تقضي به مادة 14 من اتفاقية جنيف الثالثة من ضرورة معاملة النساء بكل الاعتبار الواجب لجنسهن وكذلك وجوب تخصيص أماكن احتجاز ومرافق صحية منفصلة لأسيرات الحرب ومن توفير الطعام الكافي والرعاية الصحية والتجهيزات الخاصة التي تتضمن كرامة النساء أثناء الاحتجاز وأن يوكل الإشراف عليهن عند احتجازهن إلى النساء، كما تتوجب حماية النساء من العنف والترويع أو الاعتقال التعسفي نتيجة لدورهن الحقيقي أو المتصور أو لكونهن على صلة بالمقاتلين أو المشاركين في النزاع أو بسبب أنهن ينتمين إلى مجموعات عرقية أو دينية أو سياسة معينة .

وفي غزة بشكل خاص، أظهرت المعطيات الصحية في قطاع غزة وجود تحديات جمة تواجه النساء الحوامل، إذ تشير إلى وجود نحو 60 ألف امرأة حامل في القطاع، بمعدل 180 حالة ولادة يوميًا. ومن المرجح أن تعاني نحو 15 في المائة من هؤلاء النساء مضاعفات الحمل والولادة التي يصعب علاجها بسبب نقص الرعاية الطبية، كما أن عدد الولادات المبكرة لدى النساء قد ارتفع بنسبة الثلث تقريبًا بسبب عوامل مثل التوتر والصدمات، ومنهن من أجهضن نتيجة الخوف، ما أدى إلى ازدياد حالات الإجهاض بنسبة 300 في المائة.

إذ أشارت رئيسة الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني إلى أن الحوامل يعانين سوء التغذية والجفاف ويواجهن فقرًا غذائيًا حادًا، والكثير من أطفالهن تتم ولادتهم ناقصي الوزن ويعانون مشاكل صحية، كما تعاني الأمهات اللواتي يرضعن أطفالهن نقص إنتاج الحليب نتيجة لسوء التغذية، ومن الصعب توفير الحليب الصناعي لأطفالهن وارتفاع أسعاره إلى حد لا يمكن شراؤه، ما يدفع الأمهات إلى اللجوء إلى بدائل غير كافية أو حتى غير آمنة لإرضاع أطفالهن. وقالت إن العدوان الإسرائيلي ترك آثارًا صعبة في الوضع الصحي للنساء في قطاع غزة بسبب نقص مستلزمات النظافة الصحية، واللجوء إلى خيارات بدائية، إضافة إلى أن الكثير من النساء تناولن أدوية حبوب منع الحمل للحفاظ على الصحة الجنسية والإنجابية، كما تعرضت الكثير منهن للالتهابات النسائية بسبب نقص الأدوية وغياب العديد من منتجات النظافة النسائية، وهذا أدى إلى تأثيره السلبي في صحتهن النفسية والجسدية، وبالتالي يعيق هذا الوضع الصحي المتراكم قدرتهن على العيش بكرامة ورفاهية، ويضعهن تحت ضغط نفسي وجسدي يؤثر في جودة حياتهن بشكل عام.

صحيح أن المقولة الشهيرة تقول إن "الرجال يصنعون الحروب وتعاني النساء ويلاتها"، لكن عند انتهاء الحرب، تكون النساء بارقة الأمل الأكبر في مناطق النزاع والحروب، إذ تخرج النساء من حالة الضحية السلبية إلى من يتغاضين عن الألم والحزن والمرارة، ويبدين التحدي لصناعة واقع أفضل بكثير، من خلال تجميع العائلات وحتى بناء المجتمعات والانخراط في سوق العمل مثل القطاع الطبي والصناعة والزراعة ليشكلن المصدر الرئيس للاستقرار من خلال كيانهن المتكامل وليس فقط كونهن ضحايا، إضافة إلى رعاية أسرهن وأبنائهن والاهتمام بتربيتهم وتعليمهم.

رامي حيدر

صحافي وناشط في مجال حقوق الإنسان

رأيك يهمنا