لجوءٌ بعد لجوء، وتستمرُ النكبة!

يحيى الفلسطينيون في الخامس عشر من أيار من كل عام ذكرى النكبة عبر فعاليات واسعة تعبيراً عن تمسكهم بحق العودة إلى بلداتهم ومدنهم التي هُجِّروا منها قسراً عام 1948. ويأتي هذا العام ويخوض فيه الشعب الفلسطيني معركة وجود في صراع مستمر مع أدوات الاحتلال. في هذه الأيام يخوض الفلسطينيون في جميع أنحاء العالم معركة من أجل تثبيت هويتهم وحقوقهم بالحياة والعودة إلى وطنهم، بالرغم من أعمال الإبادة الجماعية في قطاع غزة باعتبارهم "حيوانات بشرية" وفي الشتات باعتبارهم لاجئين يجب التخلص منهم سواء عن طريق التهجير أو القتل. ففي مخيمات اللجوء، يتجلى الواقع المرير لحياة اللاجئين الفلسطينيين في المنافي، تنتصب وسط المخيمات مقبرة جماعية كبيرة لضحايا مذبحة عام 1982 (في لبنان) وما هذه المقبرة الجماعية إلا تذكير يومي للاجئين بالمأساة الإنسانية وتشريدهم عن وطنهم للذين ما زالوا يعانون منها، مضافا إليها عدم السماح لهم بالعمل بأكثر من سبعين مهنة. أما مخيمات سوريا فقد أصابها نصيبها من مرارة التهجير والطرد بعد عام 2011. وكان قد أصاب من قَبلُ سكّانَها ما أصاب اللاجئين في العراق. أما اللاجئون في مخيمات الضفة فإن آلة الاحتلال تصب جام غضبها عليهم يومياً من أجل كي الوعي وتدمير أماكن سكنهم على رؤوس أصحابها وما نشاهده الآن من حرب الإبادة للمخيمات وإزالة أثرها وتهجير سكانها إلى جميع أنحاء العالم ضمن سياسة الترهيب، والتخويف، والقتل. لقد أضحى أكثر من 2.5 مليون فلسطيني محاصرين في غزة المحاصرة، وهي السجن الأكبر في العالم منذ عام 2007، وذلك بسبب سياسة العقاب الجماعي التي اتبعتها إسرائيل وبعد "طوفان الأقصى" مُنع الماء والغداء والدواء ضمن سياسة التجويع والابادة.

وعليه فإن ما يجري الآن من إبادة وتهجير للاجئين الفلسطينيين ما هي الا محاولة من أجل إزالة آثار الجريمة التي ارتكبتها الدولة الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني في محاولة أخيرة، لإزالة اسم النكبة من الذاكرة الفلسطينية، فهي اعتمدت على تغيير أسماء المواقع والمدن الفلسطينية واستبدالها بأسماء عبرية.

أما الشعب الفلسطيني، فتحاول توطينه في البلدان التي يعيش فيها أو تهجيره إلى المنفى ودمجه داخل المجتمعات الأخرى. ولكن الفلسطيني هو (كالعنقاء) يعود مرة أخرى ويخلق من الرماد. وهذا الصراع سيستمر حتى تحقيق العودة وإزالة آثار النكبة، بعودة اللاجئين إلى بلداتهم ومدنهم ويصبحون مواطنين وليسوا لاجئين وتصبح حكاياتهم من التراث المستمر إلى الأبد من أرض لم تنس وبقيت في ذاكرة الأطفال والشيوخ يعلّمون بعضهم البعض بأن الأرض هي الوطن والأم.


الصورة: للمصوّر - الصحفي معتز عزايزة.

د. خليل تفكجي

مدير دائرة الخرائط في جمعية الدراسات العربية وخبير بارز في شؤون الاستيطان

شاركونا رأيكن.م