قضيّة الأرض والمَسكن عند فلسطينيي الداخل: الأرقام تتحدّث
عندما نتحدث تحديدًا عن قضيّة الأرض والمَسكن عند العرب الفلسطينيين في الداخل، فلا بُدّ لنا أن نُلقي نظرة أساسية على بعض المعطيات ذات الصلة المرتبطة مباشرة بما سنتتطرق له في هذه المقالة، وهي كما يلي:
1 -يبلُغ مُجمل ما تَبقى من الأرض المَملوكة مِلكّيةً خاصة 3.5 % من أصل 87% عام 1948. وللمقارنة على سبيل المثال، فإن شركة "الكيرن كييمت" تمتلك ما يزيد عن الـ 13% من الأراضي، أي ما يعادل 4 أضعاف إجمالي ما يمتلكه جميع المواطنين العرب في الدولة.
ثم علينا أن نذكر أن نسبة 2.5% من هذه الأرض مَبْنيٌّ عليها، وما تبقى لا يزيد عن الـ 1% منها، وهذه ما زالت مفتوحة، وتقع غالبيتها خارج نفوذ مسطّحات السلطات المحلية أو الخرائط الهيكلية وخارج سيطرتها رسميًا، مما يجعلها لقمة سائغة في فَم اللجان اللوائية لاستغلالها بغرض توسعة البلدات اليهودية المجاورة، واستعمالها لتمرير المشارع القُطرية، مثل: شوارع قُطرية/سكك القطارات/ خطوط الغاز والكهرباء، إلخ...
2 - يعيش في هذه البلاد ما يزيد عن 1.5 مليون عربي، لا يمتلك غالبيتهم شبرًا واحدًا على هذه الأرض، ونسبتهم قريبة من الـ 70% من المواطنين.
3 – غالبية الخرائط التفصيلية هي على أراضٍ بملكيّة خاصة، وهذه لا تُقدّم حلولًا لمن لا يمتلكون الأرض أصلًا.
4 –هناك حاجة لتوفير نَحو 130000 قسيمة بناء، أو شقة سكنيّة لسدّ حاجة الأزواج الشابة لغاية اليوم.
بناء على هذه الوضعية المقتضبة، فإن قضية الأرض والمسكن تُعتبر القضية الأصعب التي يعاني منها المجتمع العربي برمته، ولا تَمتلك غالبية السلطات المحلية أُفقًا تخطيطيًا للتغلب على هذه القضية الكارثية التي حلّت بنا على مدار السنوات المنصرمة، وربما غابت فترةً طويلة عن اهتمامات السلطات المحلية التي فضّلت أن تنأى بنفسها عن الخوض في قضايا التخطيط بمجمله لأسباب عديدة لا حاجة للخوض في تفاصيلها حاليًا.
ثُم تعالوا بنا نُلفت النظر إلى قضيّة هدم البيوت كمشروع "وطني"، بمفهوم المؤسسة الرسميّة، تبنّته الحكومات والوزارات المتعاقبة كافّة، ويكفينا أن نعود قليلًا إلى الوراء، إلى عام 2017 حيث تم إقرار قانون كمينيتس، الذي وضع أصلًا من أجل تسريع عمليات الهدم من خلال قرارات إدارية وليس قضائية، ورفع الغرامات إلى 300 ألف شيقل للمسكن المخالف و600 ألف شيقل للمصالح التجارية والورش الصناعية، وتقليص مدّة الإنذارات لغاية 30 يومًا منذ استلام الإنذار، في حين حُجبت المحاكم عن التدخل قضائيًا.
مما نتج عن ذلك:
· الهدم الذاتي.
· التراجع عن المباشرة في البناء لغاية 70% مقارنة مع عام 2017 قبل قانون كامينس.
· إغلاق مئات المصالح التجارية وتسريح عمال وموظفين في هذه المصالح وجباية مئات ملايين الشواقل من المواطنين وأرباب هذه المصالح.
صحيح أن الوزير ايتمار بن غفير قد تولى مؤخرًا إدارة وتوجيه وحدة ضبط البناء (والأصح، وحدة هدم البناء)، لكن هذا لا يعني أن من سبقوا بن غفير هذا، كانوا "ما شاء الله عنهم"، فقد سبقه سموتريتش، وإييلت شكيد وآخرون، لا يقلون سوءًا عنه، كون هذه القضية-وكما ذكرت آنفًا-إنما هي مشروع "وطني" على مستوى الدولة ومؤسساتها كافة.. مع الأخذ بعين الاعتبار ان بن غفير يتلذذ فعلًا كلما قام بتنفيذ هدمٍ وتجريفٍ ومصادرةِ آليات عمل، و"يُغَنّ"ي بهذه على أنها إنجازات خاصة به كما يليق بمجرم مُدان بالعنصرية والتحريض وملاحقة العرب في كلّ مناسبة.
ولا أضيف لكم إذا قلت إن الهدم لن يوقف في حال استبدال هذا الوزير بغيره، ولن تتوقف هذه العمليات إلا باختلاق أزمة كبيرة على مستوى العرب كافة، وهذا لن يحصل إلا إذا أغلقت السلطات المحلّية برمتها مدّة غير محدودة حتى تتراجع الدولة عن هذه السياسة، وشَرْعَنت المباني القائمة كافة لغاية هذه اللحظة، بما فيها المصالح التجارية والصناعية بالتزامن مع المصادقة على المخططات التفصيلية الملائمة لاحتياجات المجتمع العربي برمته.
توصياتنا إلى اللجنة القطرية دون غيرها:
1 – إجراء إحصائية شمولية كلٌّ في بلده.
ا - البيوت غير المرخصة
ب – بيوت مع مخالفات قضائية.
ج – بيوت مع إنذارات إدارية.
د – بيوت مع أوامر هدم إدارية.
ه – إحصائية دقيقة لكل الأسر التي لا تمتلك أرضًا خاصةً، وعدد الشباب في هذه الأسر.
و – إحصائية للأسر المالكة لأرض ولا تستطيع استصدار تراخيص بناء.
ز – إعادة النظر في قراءة أعداد الشقق السكنية المعلن عنها نظريًا المخططة على الأراضي الخاصة، (أعداد مضللة ومُبالَغ بها طبعًا).
2 – الاستعانة بمكاتب تخطيط ضليعة/ مهنية/ لمواجهة مؤسسات التخطيط الرسمية، وإجراء تخطيط واقعي قابل للتنفيذ، وإعطاء أجوبة سريعة للشباب بحسب الإحصائيات المحلية والقطرية.
3 - كذلك، الاستعانة بمكاتب محامين متخصصين لمواجهة الدولة ومؤسساتها لتهيئة هذه الخدمة للمواطن في اللحظة التي يريدها لنفسه.
3 – يجب التخطيط على أراضي "الدولة" كحلّ أساسي لكلّ من لا يمتلك الأرض.
4 – الإصرار على أن تكون قسائم البناء مخصصة بكاملها للمواطنين المحليين في كلّ بلد على حدة، وضمان تسويقها بالقرعة، وليس بالمَزاد العلني كما هو متبع.
في النهاية، يؤسفني القول إنني لا أرى حاليًا بصيصَ ضوء في النَفق العميق، ولا يسعني إلا أن أقول ما قاله الشيخ محمد طاهر الطبراني ذات مرّة في رسالة إلى مفتي طبريا في الثلاثينات من القرن الماضي، والتي كان قد وجّهها إلى الباشا موسى كاظم الحسيني، منبهًا ومحذرًا إيّاه من فقدان الأرض في قضاء طبريا لصالح اليهود: فقال: (سيدي لا تتألموا إذا قلت لكم إن غالبية الأراضي في قضاء طبريا أصبحت بيد اليهود، ولا تتعجبوا إذا قلت لكم إنكم إذا لم تعالجوا هذا الموقف بمنتهى الحزم والإخلاص، ستأتي وفود العرب بعد عشرين سنة لتبكي على الطلول البالية في هذا القضاء، وهناك سيسجل التاريخ على كلّ مسؤول مسؤوليته).
أتمنى أن أكون مُخطئًا في تقديراتي هذه.