غزة: مواصلة الدعم رغم كل المصاعب
منذ الاسبوع الاول من حرب الإبادة المستمرة تفرق طاقم عمل "مركز التنمية والإعلام المجتمعي" وتشردوا من منازلهم تحت وطأة القصف وأوامر جيش الاحتلال بالنزوح التي تلقاها جميع سكان محافظتي غزة وشمال غزة. حيث يعيش الجميع حتى اللحظة أهوالا لا يصدقها عقل، ولا يستوعبها منطق، حيث الفقد والموت والإصابة والدمار والأمراض السارية والهلع والصدمات النفسية أصاب الجميع بلا استثناء، كبارًا وصغارًا، نساءً ورجالًا، حتى الحيوانات والطيور أصابها الموت والحرق، والجوع، والتشرد، والمرض. وبعد الهدنة الإنسانية التي بدأت في 24 نوفمبر واستمرت أسبوعا توقف خلالها القتال وتفقد المواطنون في غزة أنفسهم والآخرين حولهم واستطاعوا أن يلتقطوا بعضًا من أنفاسهم، عادت مؤسسات العمل الأهلي في قطاع غزة وبضمنها مركز التنمية والإعلام المجتمعي لمتابعة العمل ببطء وحذر شديد. وحيث لا مكاتب للعمل منها ولا اجهزة او معدات، والأهم من ذلك يتفرق أعضاء طاقم العمل قسرًا، حيث بقيت أربع عاملات مع عائلاتهن في محافظة غزة مع أسرهن، بينما نزح الباقي إلى جنوب القطاع، وعانى الجميع انقطاع التواصل المباشر والافتراضي فترات متقطعة تطول وتقصر أحيانا بسبب ضعف شبكات الاتصال والانترنت، وبسبب عدم توقف القصف وعشوائيته غير المفهومة، حيث لم يتوقف قصف الاحتلال للمدنيين في العمارات السكنية أو في مخيمات النزوح يومًا.
وفي هذه الأجواء كان التواصل للاطمئنان على أنفسنا وعائلاتنا وبيوتنا ومقر عملنا، ولم نسلم من الفقد، حيث استشهد وأصيب الكثير من الشباب والشابات الذين يعملون او عملوا سابقًا معنا كمتطوعين واستشاريين وموظفين وموظفات، او شركاء لنا كمؤسسات، حيث فجعنا باستشهاد الاستشاري الذي كان يعمل على مراجعة وتطوير خطة المؤسسة الاستراتيجية الاعلامي محمد الجاجة، ومدير مؤسسة بيت الصحافة بلال جادالله، شركائنا، وموظف المؤسسة سابقا المهندس طارق ثابت، والمتعاقدة مع المؤسسة بنمط العمل الحر بالقطعة الصحافية آيات خضورة، والمتطوع في المؤسسة والعامل معنا بنمط العمل الحر كذلك المحامي الشاب محمد أبو سمرة، بالإضافة لدمار وحرق بيوتنا وممتلكاتنا وتضرر مكتبنا ومعداتنا، وتشردنا في الخيام بلا أي من مقومات للحياة، أي حياة إلا أننا نواصل عملنا وتقديم ما يتسنى لنا تقديمه من خدمات وأعمال. بدأنا بعملية توثيق شهادات حية من المواطنين حول ما أصابهم من انتهاكات ومعاناة منذ بدء الحرب حتى لحظة لقائهم مع التركيز على توثيق شهادات النساء، خاصة بالفيديو وبالقصة المكتوبة والصور الفوتوغرافية، ونشر هذا التوثيق عبر حسابات المؤسسة على وسائل التواصل الاجتماعي والموقع الإلكتروني. وقد جرى توثيق عشرات القصص ونشرها حتى الآن بالإضافة لتنفيذ حملة الكترونية تحت وسم "الحماية حق"، نشر عبرها 100 رسالة باللغتين العربية والانجليزية، بالإضافة الى حوالي 50 مادة مصوّرة ومترجمة اخرى.
ويعمل مركز التنمية والإعلام المجتمعي حاليًا على تنفيذ جلسات دعم نفسي متخصصة يعقدها بالتعاون مع برنامج غزة للصحة النفسية وأخصائيات للصحة النفسية من جهات أخرى، يجري خلالها استهداف المئات من النساء النازحات القاطنات في مخيمات النزوح في مناطق المحافظة الوسطى وفي مواصي خانيونس وما يحيط بها، وتعقد هذه الجلسات في خيام يجري استئجارها من أصحابها أو يتم تخصيصها من قبل إدارات المخيمات، حيث تجلس النساء على الأرض بوجود الاخصائيات اللواتي يقدمن خدمة الاسعاف النفسي الاولي ويعطين توصيات متخصصة حول من تحتاج من النساء المستفيدات من الجلسات إلى خدمة العلاج النفسي من قبل متخصصين ومتخصصات. وعلاوة على خدمة الدعم النفسي يجري تقديم "حقائب كرامة" للنساء المشاركات والتي تتضمن مستلزمات نسائية ضرورية مثل الصابون ومعجون الأسنان والملابس الداخلية والفوط الصحية والمنظفات وغيرها من الإحتياجات اليومية غير المتاحة في الأسواق بشكل مستمر وإن أتيحت تكون بأسعار باهظة لا تستطيع النساء توفيرها في ظل انعدام الموارد المالية وانقطاع المعيلين عن أعمالهم ووظائفهم وندرة السيولة المالية ومنع تحويل الأموال إلى قطاع غزة إلا بصعوبة شديدة مما فاقم من حاجة المواطنين لكل مقومات الحياة بحدودها الدنيا..
ومن الجدير ذكره هنا أن جلسات الدعم النفسي وحقائب الكرامة يقوم مركز التنمية والإعلام المجتمعي بتقديمها للنساء بدعم وشراكة من مؤسسة صندوق تنمية المرأة الأفريقية (AWDF) من خلال مشروع كان قائمًا ويجري تنفيذه منذ منتصف عام 2023 وجرت مواءمة أنشطته لتناسب حاجة النساء في الحرب، وكذلك من خلال مشروع جديد بدأ عمله منذ منتصف 2024 ممولًا من مؤسسة هينريش بول الألمانية.
وعلى صعيد آخر يقوم مركز التنمية والإعلام المجتمعي حاليًا بتنفيذ جلسات لتوعية النساء والفتيات حول كيفية حماية خصوصيتهن وبياناتهن الشخصية عبر الإنترنت، حيث انتشرت جرائم التحرش الالكتروني وانتهاك الخصوصية عبر وسائل الاعلام الإجتماعي بشكل كبير أثناء الحرب سواء من مقبل منتهكين من داخل قطاع غزة أو من خارجه، وتقع النساء والفتيات ضحايا لهذه الانتهاكات المتواصلة وخاصة أن الظروف التي تتمكن من خلالها النساء والفتيات من الحصول على الانترنت او شحن الموبايلات هي ظروف لا تتمتع بالحماية او الخصوصية، وتختلط الأمور فيها كثيرًا، قد تقدمت العديد من النساء بالشكوى وطالبت الناشطات من الشابات اللواتي عملن سابقًا قبل الحرب مع المؤسسة في مجال التوعية بأن يواصل المركز نشاطه في هذا المجال، وبالفعل تم الحصول على تمويل من مؤسسة التضامن الفرنسية ( CCFD ) لعقد مثل هذه الجلسات بالتعاون مع فريق المؤسسة الذي جرى تدريبه وتأهيل أفراده من شباب وشابات قبل الحرب. وتلقى هذه الجلسات اقبالًا من النساء والفتيات حيث يجري كذلك توزيع حقائب بمواد ومستلزمات عينية تحتاجها النازحات في ظل ظروف النزوح والمعاناة والصعوبات التي يعايشنها.