الجريمة والعنف في مجتمعنا العربي.. مَن المسؤول؟
الجريمة والعنف اليوم هي التحدي الأكبر والأخطر على مجتمعنا، عصابات الجريمة المنظمة تنخر في الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي لدى المجتمع الفلسطيني في الداخل بالذات في ظل حكومة فاشية تغمض أعينها عمدًا عن شلال الدم الذي يزداد تدفقا كل يوم. باتت عصابات الجريمة المنظمة تسيطر على مختلف الجوانب الحياتية كما تغلغلت إلى جميع فئات المجتمع دون استثناء. بالرغم من صرخة المجتمع الفلسطيني ووجعه ما زلنا عالقين في مرحلة الصدمة من مدى عمق الجريمة وتشعبها حتى نهشتنا داخليًا في السنوات الأخيرة وما زلنا غير مدركين لحجم الكارثة الإنسانية والمجتمعية التي نعيشها كأفراد وإسقاطاتها علينا على عدة مستويات على المدى القريب والبعيد كمجموعة وأقلية.
فما نعيشه اليوم هو حالة من فقدان السيطرة والفلتان الأمني والاجتماعي، عداد القتلى لا يتوقف ووصل لأكثر من 133 قتيلًا منذ بداية 2024 ناهيك عن حالات إطلاق نار اليومية، أضرار جسدية ومادية. الجريمة المنظمة استباحت جميع الخطوط الحمراء وأدرجتنا جميعا تحت دائرة الضحايا. لن أسهب في أسباب وعوامل تطور الجريمة في مجتمعنا لكن من الجدير بالذكر أنه لا يمكن الفصل بين الجانب السياسي عن الجانب المدني عند مناقشة قضية الجريمة والعنف في المجتمع الفلسطيني. سياسة الدولة التمييزية تجاه المواطنين العرب هي العامل الرئيسي في تفاقم الجريمة المنظمة ومعالجة الدولة لموضوع الجريمة وانتشار السلاح من منظور أمني فقط، دون اعتبار الجوانب المدنية والحقوقية والإنسانية، على رغم أن من واجبها توفير الأمن والأمان لمواطنيها. كدليل على ذلك تصريحات وزير المالية سموتريتش مؤخرًا، التي وجه فيها أصابع الاتهام لوزير الأمن الداخلي بن جفير، بأن السلاح المنتشر في المجتمع العربي يشكل تهديدا امنيا. وهذا التصريح يجسّد واقعًا أليمًا.
ففي غالبية الجلسات العائلية يخوض الحاضرون نقاشات طويلة في أسباب الجريمة ومن هو المسؤول، ولكننا نتحدث عن الموضوع كأننا خارج هذه الدائرة ولسنا المستهدفين، لكنني أشدد أن مقولة كلنا ضحايا الجريمة ليست مقولة دراماتيكية إنما هي حقيقة – للجريمة أضرار مقلقة وتأثيرات اجتماعية ونفسية طويلة الأمد. بدون شك أن الجريمة المنظمة تؤثر على حالة الصحة النفسية للأفراد والمجتمع بشكل عام، مما قد يؤدي إلى انخفاض مستويات الثقة بين الأفراد وتأثيرات اجتماعية سلبية مثل التفكك المجتمعي، العنف كأداة للتعامل مع المشاكل، هجرة العقول المفكرة، المس بالديمقراطية المحلية وفي سيرورة التطور المجتمعي وانعدام الأمان بالحيز العام فجميع هذه الاسقاطات تجعل من الجريمة المنظمة تهديداً شاملاً يمتد لأبعد من الأضرار المباشرة على الضحايا العينيين وهذا يعني أننا اموات تحت التراب أو أحياء أموات. لذلك في حين تأمل الدور المجتمعي حول كيفية تعاملنا مع طرح قضية ضحايا الجريمة يمكن ملامسة الاختلاف بين القيم المعلنة أو المتوقعة من المجتمع وبين السلوك الفعلي تجاه الضحايا. وذلك بالإضافة إلى تمحورنا حول القتلى من ضحايا الجريمة المباشرين فقط وهذا دون الخوض في سياسات وتعامل الدولة مع ضحايا الجريمة (الجريمة المنظمة والعنف) – لكننا بشكل عام كمجتمع نصنف الضحايا بحسب هوية وظروف الضحية الاجتماعية والاقتصادية. بعض الشباب في ضائقة هم ضحايا مجتمع رفض ان يحتويه وانعدام الأطر والفرص فهرول إلى أحضان عالم الجريمة، شباب من حالات اجتماعية صعبة هم بالأساس ضحية سياسات التهميش وضحية التفكك المجتمعي الذي نمر به جميعا. وهذا التصنيف قد لا يخدم سرديتنا أن الجريمة المنظمة هي بالأساس نتاج سياسة الدولة واخفاقها. والحقيقة أننا كمجتمع في حالة من الإنكار وترسبات لمشاعر انعدام الأمان في مجتمعنا تجعلنا دون استثناء جميعا متضررين من الجريمة. وهذه الحالة لا تساهم في تعاملنا مع الحلول وأخذ المسؤولية في التنظم من أجل تغيير الوضع القائم. وبالأخص إمكانية طرح قضيتنا دوليا بهدف الضغط على الدولة في تغيير سياسات واتخاذ خطوات جدية في محاربة الجريمة المنظمة بشكل عام وحقوق ضحايا الجريمة بشكل خاص.
كما ذكرت سابقا الحكومة تتعامل مع قضية الجريمة أولًا كمشكلة داخلية للمجتمع الفلسطيني وثانيا من منظور تهديد أمني، والتعامل مع ضحايا الجريمة لم يأخذ أي خصوصية ويتم التعامل معه كحالات فردية تندرج تحت قانون الضحايا في المسار الجنائي، وفي جانب الخدماتي لكل وزارة تعريف آخر يعتمد بالأساس على التعريف الجنائي وحسبه يتم إقرار مستحقي الخدمات. لذلك فأن الوضع القائم لا يجيب على احتياجات مجتمعنا متضرر الجريمة المنظمة ولا يتلاءم مع لغتنا الأم تربويًا وفكريًا ويتركنا نغوص في أزمة تأثيراته – لذلك من الجدير بناء منظومة دعم تأخذ بعين الاعتبار دوائر الضحايا وتتطرق لثلاثة مستويات: الضحايا المباشرين: وهم الأفراد الذين يتعرضون مباشرة للجريمة. الضحايا غير المباشرين: الأفراد الذين يتأثرون بشكل غير مباشر بالجريمة، مثل أفراد العائلة الأصدقاء والمجتمع المحلي. ضحايا "الدائرة الثالثة": يشمل الأفراد أو المجتمعات الأوسع ممن يتأثرون بشكل غير مباشر بالتهديدات الأمنية أو التغيرات الاجتماعية أو الاقتصادية الناتجة عن الجريمة. فهم دوائر الضحايا يساعد في فهم الأثر الشامل للجريمة على المجتمعات والأفراد، ويبرز أهمية الاستجابة الشاملة للحد من الجريمة، الحماية المجتمعية والمرافعة الدولية.
تزامنًا مع اليوم العالمي للعمل الإنساني أُطلق صرختنا نحن فلسطيني الداخل متضرري حرب الجريمة المنظمة لنعترف لأنفسنا أولًا أننا جميعا دون استثناء ضحايا سيطرة الجريمة المنظمة وقد حان الوقت بمطالبة المحافل الدولية ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD) بإلزام الدولة بالمعايير والإرشادات الدولية المتعلقة بدعم وحماية ضحايا الجريمة من خلال بناء منظومة دعم ضحايا الجرائم وضمان حقوقنا بما يتلاءم مع واقعنا الحالي.
المحامية راوية حندقلو
مديرة غرفة الطوارئ لمواجهة الجريمة والعنف في اللجنة القطرية لرؤساء المجالس المحلية.