المؤسسات الإنسانية وتحديات غير مسبوقة في الحرب على غزة

تقوم المؤسسات الإنسانية كمؤسسة أوكسفام التي أعمل معها، بدور مهم في حالات الاحتياجات الإنسانية الطارئة والناتجة عن الحروب والنزاعات المسلحة والكوارث الطبيعية، مثل الزلازل والفيضانات والمجاعات الناتجة عن التغيرات المناخية. المؤسسات الإنسانية أيضا تنشط في الحالات التي تستمر فيها المعاناة الإنسانية فترات طويلة. بدأت أوكسفام عملها في الأراضي الفلسطينية المحتلة وإسرائيل منذ الخمسينات، حيث تم تأسيس أول مكتب لها في فلسطين في الثمانينات. تعمل المنظمة مع أغلب المجتمعات المدنية الهشة في قطاع غزة والقدس الشرقية ومنطقة جيم. (مناطق فلسطينية تخضع للسيطرة الإسرائيلية). لكن الحرب على غزة منذ السابع من أكتوبر، شكلت تحدياً كبيراً للمؤسسة بشكل عام، ولمكتب غزة الذي يعمل فيه حوالي 30 موظفا وموظفة بشكل خاص.

عادة ما تقوم المؤسسات الإنسانية ومنها أوكسفام بتقديم مساعدات مثل توفير طرود غذائية للعائلات المتضررة لضمان تلبية احتياجاتهم الأساسية، وتوزيع المياه النظيفة وتركيب المرافق الصحية المتنقلة لضمان الوصول إلى مياه الشرب الآمنة ومنع انتشار الأمراض، توفير الدعم للمرافق الصحية المحلية بالأدوية والمستلزمات الطبية الضرورية، وتقديم خدمات الدعم النفسي للمتضررين والمتضررات من النزاع، بما في ذلك برامج الدعم النفسي الاجتماعي للأطفال والنساء، وتوفير الخيام والملاجئ المؤقتة للعائلات التي فقدت منازلها نتيجة القصف والتدمير، وتوزيع مستلزمات أساسية مثل البطانيات، والملابس، وأدوات الطهي، والنظافة الشخصية، بالإضافة إلى تقديم مساعدات نقدية أو قسائم للعائلات لتمكينها من شراء الاحتياجات الأساسية محلياً، مما يدعم الاقتصاد المحلي أيضاً. وتقوم المؤسسات بتقديم برامج خاصة لدعم وتمكين النساء في المجتمع، بما في ذلك الدعم النفسي والاجتماعي. للنساء والفتيات وأنشطة الحماية.

وعلى الرغم من استمرار أوكسفام في تقديم المساعدات الإنسانية في قطاع غزة، إلا أن الحرب على غزة ليس كغيرها من الحروب والكوارث الإنسانية، من حيث حجم التدمير غير المسبوق، والحصار المطبق والصارم، وعدم وجود أي هدن أو وقف لإطلاق النار ولفترات محددة تسمح للسكان بالتزود بالاحتياجات اللازمة، وطول المدة الزمنية مما جعل احتياجات أهالي قطاع غزة تتغير وتزداد مع الأيام. تعمل المؤسسة مثلها مثل جميع المؤسسات الإنسانية في قطاع غزة في واقع من التهديد المستمر للحياة، والنزوح المستمر حيث نزحت بعض العائلات عشر مرات أو أكثر.

يعيش زملاؤنا وزميلاتنا في قطاع غزة تحت الخوف والتهديد المستمرين، فلا مكان آمن في قطاع غزة. وعلى الرغم من أن المؤسسات الإنسانية بما في ذلك مؤسسات الأمم المتحدة تقوم بتقديم إحداثيات أماكن وجودها، أحياناً عدة مرات في اليوم، إلا أن الكثير من هذه المرات دمرت وقتل ما يزيد عن 500 موظف وموظفة يقدمون الخدمات الإنسانية.

عندما بدأت الحرب كان من الصعب العمل ضمن هذه الظروف الصعبة والقصف المتواصل، لكن نزوح ما يزيد عن 1.7 شخص من شمال قطاع غزة إلى جنوبها جعل من الصعب تجاهل المعاناة الإنسانية الهائلة. نزح الناس بملابس صيفية خفيفة، وتكدس بعضهم في الشوارع، أو المدارس أو المستشفيات التي أصبحت مراكز إيواء، وبدون طعام أو ماء أو أغطية، وسرعان ما داهمهم الشتاء القارس فاحتاجوا ملابس إضافية وأغطية شتوية، هذا بالإضافة للاحتياجات الدائمة للنساء من فوط صحية، وحفاضات للأطفال، وحليب للأطفال الرضع. قامت المؤسسة في البداية بالشراء من السوق المحلي حتى نفذت المخازن في ظل استمرار الحصار وتقييد دخول المساعدات. في جميع الحالات تعمل أوكسفام مع شركاء من المجتمع المحلي الذين عملنا معهم طويلاً ونثق بهم. لم يكن غريباً أن تكون المؤسسات النسوية أول من بادر في العمل تحت القصف والتهديد المتواصل. قامت هذه المؤسسات بالعمل بالشراكة مع أوكسفام في جميع مناطق قطاع غزة، في مراكز الايواء وفي خيام أعدها النازحون من بقايا قطع الخشب والقماش.

شكل شمال قطاع غزة تحدياً كبيراً حيث بقي في الشمال ما يزيد عن 400 ألف شخص رفضوا النزوح، وعانوا كثيراً بسبب منع دخول أي طعام لهم. بفضل شركاء المؤسسة في شمال قطاع غزة تمكنا من الوصول للعديد من العائلات وتقديم مساعدات تحديدا للنساء اللواتي انجبن حديثاً وللأطفال الرضع، والعائلات المحتاجة.

على مدار شهور طويلة حاولت أوكسفام التركيز على المجالات التي كانت تعمل عليها سنوات طويلة في قطاع غزة وأهمها المياه والصرف الصحي حيث قامت بتوفير العديد من وحدات الحمام المتنقل للمعاقين وكبار السن وللتجمعات التي تعاني مشاكل الصرف الصحي، توصيل المياه بالشاحنات للتجمعات التي لا تصلها المياه، ووضع محطات لتنقية المياه لتصبح صالحة للشرب، هذا بالإضافة لتقديم المساعدات النقدية لبعض العائلات المحتاجة وطرود غذائية لأعداد أخرى.

لكن هذه الجهود مجرد قطرات في بحر واسع من الاحتياجات، وعندما تتم تلبية حاجة ما تطرأ حاجات أكبر بكثير. من ناحية أثر استمرار النزوح، وطول المدة إلى حاجة مستمرة تقريباً للملابس والأغطية، فعندما تنزح العائلات على عجل لا يمكنها حمل كل مقتنياتها، محطات التنقية التي بنيت في موقع ما لا يمكن نقلها، وحتى المواد الغذائية التي لم تستخدمها الأسرة تتركها وراءها. هذا بالإضافة لأصناف المعاناة الأخرى التي تتمثل في قطع امدادات المياه والوقود والتدمير الكامل للبنية التحتية بما في ذلك الطرق وأنابيب توصيل المياه، ومعدات الطاقة الشمسية القليلة المتوفرة.

لعل الدور الأهم هو دور الضغط والمناصرة الذي تقوم به المؤسسة في غالبية عواصم العالم، حيث قادت منذ البداية حملة وقف إطلاق النار، وشاركت في العديد من اللقاءات مع سياسيين وبرلمانين وصناع قرار، لإسماع صوت من لا صوت لهم.

هذه التحديات وغيرها تجعل المؤسسات الإنسانية في ماراثون لتلبية الاحتياجات، قد يبدو للمشاهد عن بعد أن هذه الجهود دون جدوى. هذا السؤال تكرر كثيراً في وسائل الإعلام. ما لا يدركه الكثيرون هو حجم القيود والتحديات اليومية، وحجم الإرهاق والقلق على أرواح الزملاء وعائلاتهم، ورؤية حجم الاحتياجات الهائل.

سوف يستمر عمل مؤسسة أوكسفام بأقصى طاقة ممكنة، وستبقي مثل العديد من المؤسسات الإنسانية في عين العاصفة حتى تنتهي الحرب وتتم إغاثة ومساعدة المدنيين لاستعادة حياتهم الطبيعية.

د. هديل رزق - القزاز

منسقة النوع الاجتماعي في مؤسسة اوكسفام الدولية.

رأيك يهمنا