آليات الاقصاء الكولونيالية في حالة النساء المهنيات في النقب

جرت دراسة إقصاء/محو الاقتصاد الفلسطينيّ لدراسات ومراجَعات مستفيضة عبر مَحاور عديدة (نحو: الأرض والتنمية المنقوصة، والإحصاء واقتصاد التمويل الدوليّ) وحصر المفهوم الكولونيالي لعدم مشاركة المرأة الفلسطينية في سوق العمل في إطارين:

  1. الأول: إطار الثقافة والعادات العربية التي تمنع المرأة من الخروج إلى الحيز العام. هذا المفهوم يحصر تمثيل المرأة الفلسطينية في قالب جوهري غير متغير ومعدوم الفاعلية.  بالنسبة للمرأة البدوية في النقب، فقد انحصرت على مدار سنوات الاستيطان والبحث الكولونيالي إسرائيلي كجزء من أقلية صحراوية غير متغيرة وغير قابلة "للتأقلم" مع الحداثة الإسرائيلية.

  2. الثاني: إطار سياسة غير منصفة في توفير فرص العمل والبنية التحتية في القرى العربية أو تقسيم غير متساوٍ في الميزانيات. بما أن هذا الخطاب يشير إلى عدم المساواة، لكنه يفتقر المفهوم الاستعماري العنيف للمحو والإحلال والسيادة الذي يكمن في هذه السياسات، والذي أشير إليه من خلال بحثي هذا.

في هذه الورقة، أقترح تفكيك مَحاور التحليل السائدة التي هَيْمنت على الأبحاث التي تتناول النساء الفلسطينيات في سوق العمل، وبخاصّة تفكيك الفئة (category) الثقافيّة- الجوهرانيّة التي ميّزت البحث الجندريّ في النقب، وتسليط الضوء على فئة إضافيّة-طبقيّة- هي فئة "النساء المهنيّات"- كمحور مركزيّ يُستخلص من هذا التحليل، وإماطة اللثام عن منظومات التسويغ/ المراوَغة التي تمارسها الكولونياليّة الاستيطانيّة والتي تتمثّل في إقصاء العامل الطبقيّ من خلال المساس بالنساء عبْر  تمثيلات ثقافيّة وجماعيّة، في مسعى لإقصائهنّ من الحيّز العامّ- التشغيليّ. فئة "الطبقة" تكشف النقاب عن مسار نموّ "طبقة وسطى نسائيّة" في المجتمع البدويّ في النقب، تلك التي تهدّد النظام الاستعماريّ الذي يهدف لخلق وتعزيز سيادة فوقية، سيطرة وهيمنة استعمارية، ودونية طبقية عربية، وذلك من خلال استخدام آليات قمع، منها المرئية ومنها غير المرئية. فإنّ ما أدّعيه في هذه الورقة هو أنّ منطق الإزالة والاستبدال (the logic of eliminating the native) لا يستهدف القِطاعات الفقيرة غير المستقلّة اقتصاديًّا فحسب، بل يستهدف كذلك الشرائح القويّة من الناحية الاقتصاديّة، تلك التي تتحدّى، بوجودها، علاقات القوّة الكولونياليّة. سأقوم في هذه الورقة بعرض منظور إضافيّ لتحليل "منطق إزالة" الأصلانيّين في حقل الاقتصاد، ويستهدف مجموعة -آخذة بالنموّ- من النساء البدويّات المهنيّات اللواتي يقطنّ في جنوب النقب. نسبة هذه المجموعة لا تتجاوز 6% من المجموع الكلّيّ للمتعلمين من للسكّان البدو (غرا, 2015)، لكنّها تحتفظ برأس المال الثقافيّ الأعلى في مجتمعها، على المستويين الاقتصاديّ والتعليميّ.

سأقوم بالربط بين ثلاثة محاور نظرية تفكك مفهوم الإزالة\المحو الطبقي في السياق الاستيطاني:

المحور الأول: مفهوم الإلغاء\المحو في السياق الاستيطاني: 

يشرح وولف عن منطق الإلغاء\المحو قائلا:" إن السكان الأصلانيين يعرقلون استيلاء المستوطنين على الأرض، وبالتالي فإن تزايدهم يحمل نتائج عكسية". ومن هنا فإن الدافع الرئيسي للإلغاء هو الحصول على الأرض. منطق المحو يشكل قاعدة منظمة للمجتمع الكولونيالي الاستيطاني أكثر من كونه حدثا يقع لمرة واحدة ويسعى للاحتلال. منطق الإلغاء أو المحو يشمل استراتيجيات عدة، منها تشجيع اختلاط الأجناس، انهيار تشريعات السكان الأصلانيين، واستحداثات أخرى تشجع الملكية الفرضية، المواطنة، التحول الديني، إعادة التنشئة الاجتماعية في المجتمعات المحلية وشتى الأنواع من المحاكاة البيو ثقافية المتشابهة (Veracini,2010 ).  في السياق الاقتصادي يصبو هذا المشروع لفرض سيادته وهيمنته على اقتصاد الأقليات التي تشرعن من خلال سياسة جسد الأصلاني body politics)) التي تستخدم لضبط الحياة السياسية والاقتصادية لهذه الأقليات. إن السيادة كما يقول  veracini لا تمارس فقط من خلال المؤسسات الرسمية للدولة وإنما من خلال وسائل بديلة كالمؤسسات غير الرسمية التي تضع على أجندتها  تفكيك وعرقلة الوجود الأصلاني .

إحدى هذه الوسائل الشفافة تدعى العنف الرمزي (symbolic violence). يقول بوردييه في هذا السياق: 

"فاعليته كامنة في تقمصه في الجسد والعادات (الهابيتوس) ويظهر من خلال العلامات الجسمية مثل الانزعاج والاضطراب لدى المهيمن التي تتناقض مع شعور الرخاء والاطمئنان عند المسيطر. إذا تعتمد السيطرة/الهيمنة على الطاعة المطلقة للنظام الكائن وعلى دمجها في أجساد المهيمن والتي تؤدي الى الشعور في عدم الاطمئنان وفي بعض الحالات إلى إنكار ذاتي"

 (Bourdieu, 1989). 

المحور الثاني: مفهوم المحو الطبقي في سياق التاريخ الكولونيالي:

تشير الدراسات التاريخية إلى أن العلاقة الأولى التي تربط بين الاقتصاد والاحتلال تعبر من خلال أساليب الاستيطان. في هذا السياق يصبو الاستيطان ليس فقط للسيطرة وإنما أيضا للمحو والإحلال. McEwan, 2009; Veracini, 2010; Wolfe, 2006). 

إن إحدى طرق المستعمر لتعريف الحدود الطبقية للأصلاني هي من خلال التلاعب في أدوار الطبقة الوسطى في الفترة الكولونيالية. إن الطبقة الوسطى المتعلمة والواعية قوميا لعبت دورا هاما في التاريخ الاستعماري وشكلت تهديدا على السلطة المحتلة التي حاولت من جهتها أن تسيطر وتطمس محاولات تطوير هذه الطبقة.

فعلى سبيل المثال في جنوب أفريقيا يروي ممداني (Mamdani, 1996) وويست (West, 2002) وغيرهم من الذين بحثوا مكانة الطبقة الوسطى في التاريخ الاستعماري- فمن ناحية احتاج المحتل لأيدي عاملة رخيصة والتي توفرت في الأيدي الأصلانية العاملة وغير المتعلمة. بما أن المحتل خطط أن يبقي الأصلاني تحت السيطرة، إلا أن الطبقة الوسطى ازدهرت رويدا رويدا نتيجة للتعليم في المؤسسات التبشيرية للمستعمر التي كانت جزءا من سياسات التشابه acculturation ذات الأهمية البالغة من أجل توفير وظائف للتشغيل في هذه المؤسسات. شكلت هذه المؤسسات فرصة للعمال للتخلُّص من العمل الشاق. مع ازدهار هذه الطبقة التي شكلت الفئة المناضلة من أجل حقوق الأصلانيين، بدأ المحتل بتطوير تعليم صناعي كي يحد من توسع هذه الطبقة الواعية. غير أن هذه الطبقة رفضت هذه السياسات من خلال محاربة القمع، فكونت منظوماتها الخاصة، مثل الرابطات والمؤسسات المهنية واتحدت مع فئات أخرى من أجل توسيع قاعدة النضال. هذا الأسلوب نراه أيضا في التاريخ الفلسطيني. في دراستهم يشيران ليسا طاراقي وروبينسون إلى أهمية هذه الرابطات المهنية، وأدوار النساء المتعلمات في تقديم الخدمات الطبية وغيرها، ومحاربة المحتل من خلال المؤسسات المهنية (Taraki, 2008; Robinson, 1993). 

بسبب التهديد الكامن في قوّة هذه الطبقة، تبنّت إسرائيل استراتيجيّة محو الطبقيّة التي ترجمتها إلى سياسة فصل بواسطة الحكم العسكريّ، وتطوير طبقة وسطى يهوديّة مدينيّة أسوة بقطع الطريق على إمكانيّات تطوير طبقة وسطى عربيّة. الطبقة الوسطى اليهوديّة تطوّرت بفضل الدعم الاقتصاديّ الإسرائيليّ والأمريكيّ وأصبحت القوّة المركزيّة في جميع مؤسّسات وأذرع السلطة. على هذا النحو نمت طبقة حاكمة استمدّت قوّتها ومواردها الاقتصاديّة من نهبِ أراضي وأملاك الفلسطينيّين الذين اقتُلِعوا من أرضهم وهُجّروا من وطنهم، وتحويلِها إلى مورد مهمّ لتطوير فكرة "الطلائعيّة" والنهوض بالسكّان اليهود  Rosenfeld, 1978)).  

لعبت الحركة الصهيونية دورا هاما في تاريخ المحو الفلسطيني من خلال التحالف مع الانتداب البريطاني لصهينة البلاد ومحو الوجود الفلسطيني، وذلك من خلال  الاستيلاء على الأراضي العربية، التوسع والاستيطان وخلق سوق عمل يهودي وآخر عربي غير متساويين. حاول البريطانيون أن يخلقوا صراعات طبقية باتباع سياسة: (فرق تسد)  بين الطوائف الدينية، وخلق المنافسة على أماكن العمل. ولكن بالرغم من هذه السياسات فحتى سنة 1948 ازدهرت الطبقة الوسطى للمتعلمين والمثقفين الذي شكلوا جزءا من الحركة العربية الوطنية والتي تلاشت مع الاحتلال الإسرائيلي (Mana, 1999).

إذن شكلت الطبقة الوسطى في التاريخ الاستعماريّ جزءا من النضال ضدّ الاحتلال الغربيّ والإسرائيليّ في سبيل التحرّر القوميّ. لذا فإنّ مسار تشكُّل الطبقة الوسطى الأصلانية والفلسطينيّة يتصادم مع محاولات المحتلّ لتفريغ الطبقة التي يتوافر لديها رأس المال الثقافيّ والحِرفيّ والاقتصاديّ الأكبر في المجتمع الأصلاني من قوّتها السياسيّة.  

 لذلك، تتداخل عمليّة تضييق الخناق على الطبقة الوسطى للنساء البدويّات بمسار الهيمنة الاستعماريّة على الطبقة الوسطى في التاريخ الاستعماري، وبمسار إضفاء المضمون الكولونياليّ على مواطَنة الفلسطينيّين في إسرائيل بشتّى الوسائل المتاحة.

ما أدّعيه هو أنّ محور الطبقة هو محور مهمّ (وغير حصريّ) في دراسة المجموعات المقموعة، كالمجتمع الأصلانيّ في النقب. عمليّة محو الطبقيّة تشكّل جزءًا من إخضاع هذا المجتمع لسياسة كولونياليّة- استيطانيّة، فالأضرار التي تلحقها عمليّة محو الطبقيّة هذه بالمصالح الاقتصاديّة، وبنموّ نخبة طبقيّة عربيّة، تخلق ذاتاً تعيش حالة من الإقصاء بوسائل اقتصاديّة- قوميّة: استبدال الفئة الطبقيّة النامية بفئة ثقافيّة-استشراقية.

في هذا السياق يقول روزنفلد:

"من خلال محو طبقية العربي، من خلال جعلهم "رسميا" مختلفون، سطحيون وشاميون، تشرعن الدولة كافة أهدافها، كمصادرة الأراضي المصوبة مباشرة ضد العرب" (Rosenfeld, 1978: 401)

كذلك على ضوء حالة الفقر التي تميّز أكثر من 80% من النساء البدويّات، فإنّ نموّ مجموعة طبقيّة مقلّصة (لا تتعدى 6% من النساء) (Abu-Bader & Gutlieb, 2009) "وممتلئة" اقتصاديًّا (بمفردات الرواتب وحالة السوق) يُكسبها مكانة فائضة تمكّنها من التحوّل إلى قوّة سياسيّة واجتماعيّة تتحدّى النظام الكولونياليّ القائم.

محاولات المحو الطبقي في السياق النسائي في النقب:

وجود هذه الطبقة من النساء  في الحيز الاسرائيلي ليست فقط كمهنيات متساويات في رأس المال الثقافي والمهني، وإنما أيضا كنساء ذات وعي قومي، يهدد علاقات السيطرة، السيادة والهيمنة في سوق العمل؛ لأنه حسب منظومة الموروث الكولونيالي، لا يحق للمُستعمَر أن ينصب قامته متساويا أو يشارك المستعمِر في السيادة.

في إسرائيل، تعمل العنصريّة كمبدأ تأسيسيّ للمسارات القوميّة، بمفردات رسم حدود الأمّة وديمومة الهُويّة اليهوديّة القوميّة، ويشمل الأمر -في ما يشمل- آليّات احتواء وإقصاء الأفراد على قاعدة تصنيف الذوات الإنسانيّة كتلك التي يمكنها الانتماء لهيكليّة محدّدة من "المجموعاتيّة" (collectivity) وتلك التي لا يمكنها الانضمام إليها (Yuval-Davis, 1997). من هنا فإنّ العنصريّة هي شكل من أشكال الإقصاء والدفع نحو الدونيّة، والإخضاع والاستغلال، وتتخلّلها قدرة المجموعة المتسيّدة على فرض معتقدات مهيمنة تتنكّر لمناليّة مجموعات الأقلّيّة للحقوق المتساوية. في هذا تقول نهلة عبدو إنّه "من أجل التوطّن والتوسّع، فالمستوطن بحاجة إلى إقصاء الآخر" ((Abdo, 2011.  

تشكل هذه الشريحة من المهنيات المدرّسات، ومستشارات تربويّات، وعاملات اجتماعيّات، وممرّضات، وطبيبات، وعالِمات، وباحثات، ومحاضِرات، ومحاميات، واختصاصيّات نفسيّات، وإداريّات، وصيدلانيّات، وجميعهنّ يعملن في وظائفهنّ منذ 5 إلى 10 سنوات.

تشير نتائج البحث الى ثلاث حالات إقصاء متمثلة بطرق قمعية ملموسة جسديا، تجري إعادة إنتاجها في مواقع العمل، وتضمّ آليات مباشرة وغير مباشرة تُستخدَم وتُوظَّف لغرض التحكُّم بأجسام وأدوار النساء والإبقاء على إقصائهنّ من الحيّز العامّ.

سياسة الخوف: إنتاج العداء من خلال المؤشر اللغوي 

تعتبر اللغة العربية في إسرائيل لغة العدو، ولذا فهي تعتبر مؤشرا للإنسان العربي كعدو، وللخوف من هذا العدو اللا إنساني (Amara et, al.2016). يعتبر هذا المؤشر جزءا من سياسة الخوف تجاه من هو عربي أو يمثل عروبته. روت النساء في هذا المضمون عن خوفهن المستمر في مكان العمل اليهودي من أن يكتشفوا زملاءهن أو زبائنهن أنهن عربيات. لذلك يحاولن إخفاء لغتهن وهويتهن العربية.

تقول إحدى الطبيبات النفسيات: "حدث معي هذا الأسبوع موقف مع أحد المتدينين اليهود  حينما دخل  إلى مكتبي عن طريق الخطأ، وقد كنت وقتها أتكلم بهاتفي. وعندما دخل أغلقت هاتفي بسرعة كي لا يكتشف بأني عربية. (شو راح يصير اذا عرف اني عربية؟)

من هنا نرى أن هويتهن القومية تحولهن في هذا الحيز إلى "أخريات مخوفات\معاديات" كتعريف فانون (Fanon, 1963) وبالتالي يفقدن شعورهن بالانتماء الى مكان عملهن.

تقول أحدى النساء: 

"صحيح أنَّني أعمل هنا، لكنَّني لا أشعر بانتمائي لهذا المكان. ولن أشعر بالأمان أن هذا هو مكاني..لا أستطيع أن أعبر بحرية عن آرائي أو أتكلم من غير تخوف..هذا الشعور يحبطني."

التخوف من ردود فعل الطاقم يقسى في حالات الحرب أو التوتر السياسي الذي يدفع هذه النساء الى الاختفاء والاختباء من هذا الحيز.

تقول عاملة اجتماعية: " كنت اقفل على نفسي داخل مكتبي ولا أخرج إلا لإخراج البريد أو لأخذ ورقة من آلة الطباعة.

تذويت هذا القهر يعيد إنتاج قوة وسيطرة المحتل من خلال خلق ما تسميه ستيل stereotypical threat:  وهو التخوف من وصمة التهديد كنتيجة لاستعمال لغتك التي تكمن فيها عَوَاقِب الوصم

  1. Biopower  في خدمة السيادة اليهودية: (تنظيم السكان)

إن السيادة الكولونيالية تخلق أساليب خاصة لل bio politics التي تساند، توسع وتطبع قوة الاستيطان (Morgensen, 2012). 

العنصرية هي إحدى هذه الأساليب والتي تمارس من خلال إعاقة تقدم النساء المهني في أماكن عملهن الذي بحاجة لنساء يتكلمن اللغة العربية مع المعالج العربي. تقول إحدى الممرضات: "معظم المسؤولات في مراكز العائلة هن يهوديات. أحيانا يوظفون ممرضة روسية تتكلم عربي-روسي ولا يفهمها أحد. بينما نحن الممرضات العربيات نستطيع أن نفهم اللغة ونستطيع أن ندير مراكزنا بأنفسنا". 

عند تبنّي إستراتيجيّة عدم ترقية النساء في الحيّز العامّ، يجري توظيف مفهوم "الفجوة الثقافيّة/ الحضاريّة" للدمغ بصفة الدونيّة التي تلازم ثقافة النساء البدويّات، لذا تتحول هذه الفجوة إلى سبب شرعيّ لعدم قدرتهنّ على التقدّم. تقول إحدى النساء: "حصلت على اللقب الثاني وأريد أن أصبح مسؤولة عن القسم، لكن مديرتي وضعت امرأة يهودية أخرى بدون لقب ثان . قالت المديرة إني لا أستطيع الارتقاء في عملي بسبب "فجوة ثقافية"

  1. "out of place"- الانعدام للشرعيّة المهنية

هذا الانعدام للشرعيّة تجري ترجمته من خلال شعور النساء البدويّات  بأنّهنّ مجبرات على إثبات قدراتهنّ المهنيّة بسبب عروبتهنّ؛ فحِرفيّة النساء العربيّات ليست مفهومة ضمنا. غالبيّة النساء اللواتي قابلتهنّ كرّرن الجملة التالية: "طَوال الوقت رافقَني الشعور بأنّني مجبرة على إثبات مهنيتي".  

قالوا: "يتوجب عليك دائما أن تثبتي جدارتك ومهنتيك لكونك عربية". هذا المفهوم الدوني للمرأة العربية ينبثق من الموروث الكولونيالي الذي يتغذى على العنصرية المطبوعة في المؤسسات ونمط التفكير الكولونيالي اتجاه الأصلاني. إدامة السيطرة الطبقية للمستعمر في الحيز المهيمن تتطلب إبقاء الأصلاني في ذات طبقية دونية (Wekker, 2016).  

خلاصة:

تفرض السيادة والهيمنة الاستيطانية من خلال العنف المذوت في المشاعر والأحاسيس التي تخرس رغبات وإرادة النساء العاملات. ضبط المشاعر والحواس من خلال الجسد هي الوسيلة لإقصاء الجسد الاجتماعي والرمزي للاصلاني من الحيز الكولونيالي. هذا الانضباط الحسي (sensory disciplining) يولد الشعور بعدم الانتماء لمكان العمل وهو مهم للغاية في فرض أو شرعنة وجود المستعمر وسيادته. فبينما تشكل ذات المستعمر الواثق من كيانه في الحيز، حر ومسيطر، تضبط ذات الأصلاني في كيان محصور، محتجز وغير طليق\مسجون. 

استعمال الأساليب المجسدة تخلق ما تسميه ستيل "الذات الجريحة" التي ترغب بالانتماء لكنها تعلم أن هذا الانتماء مستحيل (Steele, 2009). لذلك محاولات إلغاء الوجود الطبقي الأصلاني يتمثل في الأرض (Jafry, 2013): فإن الجسد الأصلاني يعتبر جسدا فائضا يعبر عن توسع الأصلاني في الحيز أو في الأرض. وكي لا يتوسع يستعمل المستعمر أساليب الاستيلاء القمعية كسلب ذات الأصلاني، وسلب إرادته، وخلق ذات الهائب\المتخوف الذي يؤدي بالتالي إلى سلب شعور الانتماء، كسلب الملكية من أجل تشكيل سيادة وملكية استعمارية، وعسكرة الحيز من خلال إعادة صياغة التعريف لمن هم اصحاب الحيز\الأرض. عدم الاعتراف بحضور الأصلانيّ يكرّس شرعيّة وجود المستوطن. عندما ينجح حضور الأصلانيّ في تحدّي آليّات المستوطن، يتولّد ما يطلق عليه ألبير ميمي  Nero complex ("عقدة نيرون"): "عندما يعترف المستوطن بأنّه مضطهِد ومحتلّ، ويؤكّد الأمر على كونه ناهبًا/ استغلاليًّا غير شرعيّ ولا يستحقّ الحصول على امتيازات".  

لذا، فمن خلال ارتدائهنّ هُويّة وعي طبقيّ وهُويّة مهنيّات في الحيّز المهيمن، قد تُقوّضُ النساءُ البدويّات الحِرفيّات اللواتي يحاولن الدخول إلى الساحة الكولونياليّة كمتساويات (لا على الصعيد الاقتصاديّ فحسب، وإنّما كذلك على صعيد الوعي) قد يقوّضْنَ موازينَ قوى السيطرة والحضور الأصلانيّ في الحيّز الكولونياليّ.

توصيات:

لا شك أن الطبقة الوسطى المتعلمة والواعية تلعب دورا قوميا هاما في السياق الاستعماري الإسرائيلي. بالرغم من محاولات طمس تطوير هذه الطبقة إلا أنها تتحدى المواطنة الاستعمارية (Rouhana & Sabagh-Khoury, 2014) من خلال فرض وجودها الطبقي في لب الحيز الاستعماري وهذا يشكل نوعا من أنواع المقاومة على الكيان الفلسطيني.  إلا أن استكمال هذه المقاومة، منوط بتوسع هذه الطبقة وأن تكبر من أجل فرض وجودها الكامل في مقدمة الحيز الاستعماري وإعادة صبغته الأصلانية.


المصادر:

  1. Abdo N (2011) Women in Israel: Race, Gender and Citizenship. London and New York: Zed Books.

  2. Abu-Bader S and Gottlieb D (2009) Poverty, Education and Employment in Arab-Bedouin Society: A Comparative View. Jerusalem: National Insurance Institute, Research and Planning Administration. 

  3. Amara M, Schmidt-Donitsa S and Abd-Alrahman M (2016) Arabic in the Israeli Academic World: Historical Absence, Current Challenges and Options for the Future. Jerusalem: Dirasat and Sikkuy Associations; Van Leer Institute Press. (Arabic). 

  4. Bourdieu P (1989) Social space and symbolic power. Sociological Theory 7(1): 14-25.

  5. Fanon F (1963) The Wretched of the Earth. New York: Grove Press

  6. Ghara R (ed.) (2015) Arab Society in Israel (7): Population, Society, Economy. Jerusalem: Van Leer Institute Press. (Arabic).

  7. Jafri B (2013) Desire, settler colonialism, and the racialized cowboy. American Indian Culture and Research Journal 37(2): 73-86.

  8. Mamdani M (1996) Citizen and Subject: Contemporary Africa and the Legacy of Late Colonialism. Princeton, NJ: Princeton Studies.

  9. Mana’a A (1999) The Palestinians in the 20th Century: Studies on Palestinian Society. Jerusalem: Van Leer Institute (Hebrew).

  10. Morgensen S L (2012) Theorizing gender, sexuality and settler colonialism: An introduction. Settler Colonial Studies 2(2): 2-22.

  11. Rosenfeld H (1978) The class situation of the Arab national minority in Israel. 

  12. Comparative Studies in Society and History 20(3): 374-407.

  13. Rouhana N. & Sabagh-Khoury, A. (2014) Settler Colonial Citizenship: Conceptualizing the Relationship between Israel and Its Palestinian Citizens. Settler Colonial Studies 5 (3): 205-255.

  14. Steele C (2009) A Threat in the Air: How Stereotypes Shape Intellectual Identity and Performance. In: Taylor E, Gillborn D and Ladson-Billings G (eds.) Foundations of Critical Race Theory in Education. New York and London: Routledge: 163-189.

  15. Veracini L (2010) Settler Colonialism: A Theoretical Overview. New York: Palgrave Macmillan. 

  16. Wekker G (2016) White Innocence: The Paradoxes of Colonialism and Race. Chapel Hill, NC: Duke University Press.

  17. West M O (2002) The Rise of an African Middle Class: Colonial Zimbabwe, 1898-1965. Bloomington, IN: Indiana University Press. 

بروفيسور سراب أبو ربيعه - قويدر

استاذه مشاركه في كلية التربية في جامعة بن غوريون في النقب ونائبة رئيس الجامعه للتموع والاحتواء. تسلط الضوء في دراساتها على آليات السيطرة، العنصرة والتهميش في حقل المعرفة والعمل لدى النساء الفلسطينيات. تناولت دراساتها الأخيرة موضوع ضبط المعرفة لدى الباحثين الفلسطينيين في الجامعات الإسرائيلية. حازت على لقب sociologist of the month في المجله المرموقه current sociology على مقالها هذا.

ناشطه نسويه في مجال حقوق المرأه في النقب، ناشطه اكاديميه؛ مؤسسه اللجنه لمناهضة العنصريه في جامعة بن غوريون ومؤسسه شريكه لبرنامج "طريقك الاكاديميه" لدعم طالبات الدكتوراة الفلسطينيات. حازت على عدة جوائز على الدمج بين عملها الاكاديمي ونشاطها النسوي.

شاركونا رأيكن.م