الحناجر المجروحة لذوي الإعاقة في النقب تهتف حقنا واجب عليكم

يعتبر إحياء ذكرى أربعينية الإمام أبي عبد الله الحسين سبط رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم في مدينة كربلاء جنوب العاصمة العراقية بغداد من أهم الأحداث الدينية في العقيدة الاثنا عشرية الجعفرية، وهي ذكرى لتجديد الحزن وجلد الذات جسديا ومعنويا. وحالة الحزن التي تنشأ بعد الفقدان والألم هو إحساس عاطفي. نتعلم من الأخطاء والتحديات التي سنواجهها حتما فيما بعد من اجل ضمان عدم تكرارها، خصوصا ان الحزن يهيئ الظروف للتفكير العميق والتأمل، مما يساهم في تحليل الأوضاع والأفعال التي قد تكون سببا في تجديد الألم. كما يمكن للحزن ان يكون فرصة لإدراك الأخطاء والعيش بشكل أفضل مع تجاربنا المستقبلية.

هكذا نتعلم من الخطأ من اجل تدارك الوقوع فيه مستقبلا، ولا نقع في ذات الحفرة مرة تلو الأخرى كما لو انه قدرنا الوقوع في نفس الخطأ بشكل متكرر. هذا الجلد المعنوي للنفس المتعبة هل حان له التوقف؟ العراق غارق في أزماته الاقتصادية من قمة رأسه إلى أخمص قدميه، لكن لطميات، وأحزان، ومجالس عزاء، وبكائيات صحراء النقب ما قصة تكرارها ولماذا يجب على أهالي ذوي الإعاقة تصفير عداد المسؤولين عن تقديم الخدمات لذوي الاحتياجات الخاصة، خصوصا في فترة الأزمات والحرب التي تعيشها البلاد والتي تجري رحاها خصوصا جنوب البلاد حيث يسكن الأهالي وأسرهم تحت وطأة الصواريخ التي تنتهي؟

لقد دخلت الجماهير العربية في البلاد ومعه المجتمع البدوي في النقب حرب السابع تشرين الأول/أكتوبر وهي تنزف وتبكي أعز ما لديها، شباب وفتيات في عمر الورد، يقتلون على مرأى ومسمع جميع مؤسسات تطبيق القانون، دون أي تحرك حقيقي وجاد من قبل قياداتنا المحلية من اجل ارغام المؤسسات الرسمية التدخل الفوري والسريع لأجل قطع دابر هذه الظاهرة الدخيلة علينا وعلى مجتمعنا.

فتات حلول؟

هل نتعامل مع الحزن بشكل خاطئ؟ لأنه لو تم تناول الحزن بشكل بناء، فإن هذا من شأنه تعزيز التطور الشخصي والنمو العاطفي. وبفضل قتامة الحزن، يمكننا التعلم كيفية التعامل مع التحديات وبذلك تطوير استراتيجيات لتفادي الأخطاء القادمة لا محالة. لا شيء ممكن أن يكون جديدا على المجتمع العربي في النقب ومع ذلك نأبى الا تكرار ذات الأخطاء في كل أزمة وتصفير العداد لئلا يحسب ذلك جلدا للذات وتفادي توبيخ هذا المسؤول او ذاك على حسن او سوء ادارته الازمات. منذ اللحظات الأولى للحرب قتل الأطفال والسيدات جراء إطلاق الصواريخ. بعد أكثر من 50 يوما للحرب القرى البدوية غير المعترف بها تعاني من عدم وجود ملاجئ او أي شيء يقي من الصواريخ. كانت هناك فتات حلول من ضمنها حاويات حديدية تدفن في الأرض لا تقي من رصاصة فما بالك بالصاروخ، أو مواسير مجاري خرسانية مؤقتة. تجربة العمل الجماهيري التي جابت الافاق في النقب وعموم البلاد هذا الذي توصلت اليه من أجل المساهمة في تزويد ابسط مقومات الوقاية للسكان؟ نعيش لحظات توتر شديدة في الجنوب مع عدد غير معقول من الضحايا والرهائن في قطاع غزة ولا نعلم عنهم شيئا ونرجو لهم كل العافية والسلامة على أمل أن يعودوا الى أحضان عوائلهم عاجلا غير آجل.

حالة التوتر الشديدة لا تعني شيئا مقابل الكارثة الحقيقة التي يواجهها أهالي وأسر أصحاب القدرات الخاصة، وغالبيتهم بلا أي مأوى يذكر في حالة الطوارئ التي عشناها قبل مع استمرار استفحال ظاهرة الجريمة والعنف وتباعا مع أيام الحرب التي نصلي من اجل وقفها بشكل نهائي. وعودة مجددا "روتين الطوارئ" مع العنف والجريمة؟ لكن، الجريمة لم تتوقف حتى في أحلك أيام الحرب ضراوة كما لو أننا نعيش في عالمين موازيين من الحرب والعنف لنبقى في حالة عدم أمان مستمرة كل الوقت.

عندما نتحدث عن أصحاب الهمم، فإننا نتطرق فعلا الى عملية تهميش مكتملة الأركان في الوجدان الشعبي والرسمي معا. بدو النقب هو في الترتيب الأول لعملية التهميش، يليه النساء البدويات في التهميش التالي، والتهميش يصول ويجول الى أن نصل إلى أصحاب الهمم الذين يأتون عادة في الترتيب ما بعد الأخير.

فتات قيادة؟

خصوصا هذه الأيام، التي تتميز بعدم اليقين والتغيرات الطارئة، قد تزيد من الضرر الذي يلحق بأصحاب الهمم وحصانتهم النفسية وتحديدا لدى المجتمع البدوي في النقب الذي "يتربع على عرش الأمراض الوراثية النادرة" في البلاد، بسبب النقص في الرعاية الصحية اللازمة والعوامل البيئية والتحورات الجينية في نفس العائلة مع زواج الأقارب. حتى أن رئيسة جامعة بئر السبع السابقة أ.د. رفقه كرمي حصلت على تكريم شخصي عندما أطلق تسمية متلازمة تحمل اسمها.

وهذه المتلازمة التي تصيب الأطفال الذين يولدون بجلد مكشوف في أجزاء كبيرة من الجسد، مثل الحروق عالية الدرجة، وهو مرض خطير للغاية يؤدي في الواقع إلى الموت وهو متواجد أساسا لدى أطفال النقب. كيف يمكن التعامل مع هؤلاء الأطفال في ظل الحرب؟ هل فعلا ينبغي على المؤسسة الرسمية طرد سكان القرى البدوية غير المعترف بها مع العلم ان نفس المؤسسة الحاكة قامت في سبعينيات القرن الماضي بالاعتراف بأربعين قرية بدوية في شمال البلاد؟

الماء الأزرق جميل، لكن ليس في حالة تسلله الى العين وسلبة القدرة على النظر وهو ما يعرف بالجلوكوما، واضطرابات العين التي تؤدي إلى تلف تدريجي للعصب البصري، التي تؤثر على جميع الأعمار ابتداء من جيل الرضاعة وخصوصا في منطقة النقب التي تنتشر بصورة مقلقة جدا، الأمراض الوراثية جعلت من معدلات وفيات أطفال النقب الأعلى في إسرائيل، وهي 6 اضعاف أعلى منها بين اليهود بحسب الإحصاء المنشور في تشرين الأول/أكتوبر 2020. إضافة الى المعدلات المرتفعة جدا من حالات رقود أطفال النقب لأيام وأسابيع في المستشفى بشأن الأمراض المعدية في الجهاز الهضمي والالتهاب الرئوي.

ذوي القدرات الخاصة وأهاليهم، إضافة الى المعاناة اليومية لأصحاب الأمراض الوراثية النادرة التي تكاد تكون معدومة في مناطق سوى النقب او متواجدة بوتيرة أقل خصوصا فيما يتعلق بالاضطرابات والتشوهات الخلقية، يحتم علينا مواجهة الحقيقة المعلومة لنا جميعا، أتنا فشلنا في إدارة أزماتنا اليومية. نحن لسنا بحاجة الى الاختباء وراء الظروف القاهرة لتبرير عدم تداركنا معالجة قضايانا الملحة، أصحاب الهمم باقون رغم الظروف، ماذا الذي سنوفره من أجلهم؟

طرح القضية هو جزء من الطريق الوعر صوب الحل، لكن هذا الطرح لا يكفي من اجل حله، لدينا كفاءات أثبتت جدارتها خلال هذه الأيام السوداء، ارجو الاستثمار بها وتزويدهم بكل الإمكانات من اجل توفير الحلول التي تليق بعائلات وأهالي وأصحاب الهمم، وهذا ليس منّة او تفضلا، حقهم واجب علينا جميعا. 


ملاحظة: الصورة بعدسة كايد أبو الطيف، التقطت في أكتوبر 2023، لمقبرة رهط المركزية المعروفة بإسم "مقبرة أبو منصور".

كايد أبو الطيف

مزارع ثقافة في حقل إنتاج المعرفة (باحث في مجال الدراسات الثقافية) ومبادر منصة هٌنا الجنوب

شاركونا رأيكن.م