النكبة مستمرة – وهاي المرة غير!

طالما استعملنا مصطلح "النكبة مستمرة" بمناسبة ذكرى النكبة التي طردت خلالها العصابات اليهودية، وبأوامر من قياداتها، غالبية الفلسطينيين وحولتهم إلى لاجئين. إسرائيل الى ورثت "اليشوف" اليهودي استمرت في سياسات الإبعاد، ومنع العودة، والتنكر لجريمة التطهير العرقي وتبعاتها، واستمرت في استهداف الوجود الفلسطيني في الداخل، مكللة ذلك مذبحة كفر قاسم والحكم العسكري والتمييز والتضييق، واستهداف الفلسطينيين في باقي أنحاء وطنهم وفي مخيمات لجوئهم وباقي أماكن وجودهم. لم تبعدهم إسرائيل عن وطنهم فقط، بل هدمت قراهم وبلداتهم، و"عبرنت" مدنهم التي أفرغت في غالبيتها من أهلها، وغيرت أسماء الشوارع، واستولت على بيوتهم واستعملتها لاستيعاب المهاجرين إليها، ومنعتهم من العودة، وكثفت استهدافهم، وتطويعهم لإرادتها، بما في ذلك داخل الخط الأخضر. في القدس والضفة يستمر الاحتلال وبأشكال مختلفة من استهداف الوجود الفلسطيني، والاستهداف والتهجير والاستيطان ومصادرة الموارد، وغيرها من تبعات السياسة الإسرائيلية.

لعل أهم آثار النكبة هو تشتت الوجود الفلسطيني، وتشتت حركتهم الوطنية واستهداف وطرد نخبهم وقياداتهم، وحتى تشتيت عائلاتهم الصغيرة. ان إعادة بناء الحركة الوطنية منذ أواسط خمسينات القرن الماضي قد أعاد الروح آنذاك لإمكانيات قيام الفلسطينيين كجماعة منظمة بدورهم في استرداد جزء مما سلب منهم. المنظمة التي بدأت بإقامة حركة فتح عام 1956 وفي إقامة منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964، ومن ثم سيطرة ياسر عرفات وحركته فتح عام 1958 على قيادة الحركة الوطنية، مما فتح الباب لإنجازات هامة في النضال الفلسطيني، بدءًا بإعلان الميثاق الوطني الفلسطيني (1968)، وتوضيح الرؤية الموجهة للنضال بالتطلع لإقامة دولة فلسطينية مدنية لكل من يعتبر نفسه فلسطينيًا، وحتى لمن ينضم للجماعة الفلسطينية بخياره، كما إقرار الدول العربية بتمثيل المنظمة لعموم الفلسطينيين، وخطاب ياسر عرفات في الجمعية العامة للأمم المتحدة (1974) وإنجازات أخرى ليس هنا المكان لتفصيلها، وكلها كانت في سياق تجاوز آثار النكبة.

إلا أن تلك الإنجازات الوطنية والجماعية توقفت عمليا عند ذلك الحد، أي في حدود العقد الأول بعد إقامة منظمة التحرير، ليبدأ التفتيش عن دولة فلسطينية، وتقريبا بأي ثمن، بما في ذلك من خلال الانتفاضة الأولى (1987-1992)، بحيث أن آثار النكبة عادت تدريجيا لترسيم حدود العمل الفلسطيني وما قد يحسب كإنجازات. تفرق شمل الحركة الوطنية في خلافات على مسألة التفاوض مع إسرائيل، وإقامة الدولة، وتم تدريجيا الركون الى عملية سياسية بدأت باتفاق عمان (1984) والاتفاق على إقامة وفد أردني-فلسطيني مشترك للتفاوض عمليا مع إسرائيل، وقد شارك هذا الوفد في قمة مدريد (1991)، ومن ثم الانتقال إلى أوسلو (1993) وإقامة السلطة الفلسطينية، التي تحولت تدريجيا الى معين للاحتلال ومبررا، بشكل جزئي، لتنكيله بالفلسطينيين والاستمرار في حصارهم واستهدافهم.

في العقدين الأخيرين، عمليا انهارت الحركة الوطنية الفلسطينية نهائيا وتحولت إلى شظايا حركة منقسمة أفقيا وعموديا، والادهى من ذلك أن الجماعات الفلسطينية طورت رؤى وطنية مستقبلية مختلفة جوهريا، بحسب السياق الجغرافي، أي أن الرؤية الوطنية المؤسسة على "وحدة الشعب والأرض والقضية" انهارت فعليا. لا زالت هنالك أصوات فلسطينية قوية تطالب بتصحيح المسار وتجاوز "سياسات السياق" إلا أنها لا زالت أضعف بكثير من التيار والمسار الذي يتبناه غالبية الفلسطينيين وغالبية نخبهم. لا أرى هنا حاجة لتفصيل أبواب الانهيار الفلسطيني، وهو بالتأكيد أعمق من الانقسام بين حماس وفتح أو بين غزة والضفة، إنه الانهيار الكامل، وانعدام الرؤية الجمعية، والاستراتيجية الموحدة، وطرق العمل المنضبطة باتفاق شامل، وغياب العمل الوطني الجماعي داخليا وخارجيا، انه باختصار الانهيار الكامل الذي تحكّم بالعمل الفلسطيني عشية اندلاع الحرب الحالية على قطاع غزة وعلى أهله، بالإضافة لعموم فلسطين والفلسطينيين، وعمليا عاد الفلسطينيون الى نتائج النكبة 1948 وتداعياتها، برغم التضحيات ومكامن القوة لدى الشعب الفلسطيني، مرة أخرى تساهم نخب الفلسطينيين وقياداتهم في تسهيل مهمة أعدائهم في الانقضاض عليهم وإضعافهم.

تأتي ذكرى النكبة السادسة والسبعين في غضون استمرار المذبحة المفتوحة والمنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي ببث حيّ ومباشر، تأتي هذه السنة لتضع شعار "النكبة مستمرة" مختلفا هذه السنة عن كل السنوات التي تلت التطهير العرقي الأول للفلسطينيين أثناء نكبتهم الأولى عام 1948. هذه السنة، أحفاد مقترفي النكبة الأولى مستمرون في الجريمة، ما حدا بجمهورية جنوب أفريقيا الى ان تباشر بتقديم دعوى موثقة ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بتهمة تنفيذ جريمة الإبادة الجماعية في غزة منذ السابع من أكتوبر 2023. هذه المرة ينتج الاعتداء الإسرائيلي نموذجا عنيفا وعاتيا ومجرما أكثر من أيّ مرة في السابق، حتى إبان النكبة الأولى. هذه المرة، ببث مرئي للعالم وشاشاته، التلفزيونية والتيك توك والفيس بوك والانستغرام، واليوتيوب وغيرها، تقوم إسرائيل بالتخطيط وبتنفيذ أكبر جرائم العصر، على الأقل منذ الحرب العالمية الثانية، مما أهلها لتهمة الجينوسايد، أكثر الجرائم عنفا ضد البشر.  فتسقط حمما نارية تجاوزت قنبلتي هيروشيما ونغازاكي، ترحّل أكثر من مليون ونصف من بيوتهم، تقتل وتجرح قرابة مئة الف فلسطيني، تجوع عموم الغزيين، تستهدف جامعاتهم ومدارسهم ومراكزهم الصحية وتعدم من يساندهم ويحاول التخفيف عنهم، تمنع وصول المساعدات إليهم، وعمليا تحتل قطاع غزة بشكل مباشر، بعد حصار واحتلال غير مباشر بدأ عام 2004.

تأتي نكبة غزة المستمرة تفاعلاً، والأداء الفلسطيني في أسوأ صوره، قيادة ونخبويا على حد سواء. حماس التي حاولت جاهدة الحلول مكان حركة فتح في قيادة العمل الوطني، ومنذ انطلاقها مع بداية الانتفاضة الأولى (1987) سعت لتأكيد أنها وحدها مؤهلة لقيادة العمل الوطني وقيادة الفلسطينيين نحو "النصر"، وهجوم السابع من اكتوبر أتى في سياق هذا التفرد في محاولة إثبات جدارتها في مقاومة الغطرسة والعنف الإسرائيليين، وتطورات الحرب وتداعياتها تفيد إجمالا بأن حماس لم تجهز الغزيين قبل الحرب ولا في تطورات الحرب ذاتها. من ناحية ثانية فتح الرسمية لا زالت تراهن على مسار أوسلو وتقمع كل من يعارضها وحولت السلطة الفلسطينية إلى كيان عميل لإسرائيل وأجندتها اليمينية والمعادية للفلسطينيين، وفتح المعارضة تقنع نفسها وشعبها بإمكانيات التغيير من داخل حركة فتح، أما باقي الفصائل فغائبة، والعمل الوطني في المخيمات وداخل الـ48 وفي الضفة والقدس في أتعس مراحله، والنخب الفلسطينية متخبطة وفاقدة لأيّ فاعلية جدية. فربما تبادر الى مؤتمر او حملة دعم لأهل غزة أو لبلورة خطاب يوجه الى المتضامنين في شوارع المدن العربية والعالمية، ربما تباشر في طرح آفاق للتغيير الداخلي، ربما تباشر في كذا وكذا، لكنها في الواقع لا تقوم بشيء جدي ولا مركزي يؤهلها لتقوم بدورها. في كل الأبعاد المذكورة وعلى كل الساحات، في الـ 48 والضفة والقدس وغزة واللجوء، الوضع ذاته. إنها صورة آنية لوضع الفلسطينيين داخليا ولأدائهم عشية النكبة الأولى.

العالم العربي الشعبي مناصر للفلسطينيين ومؤيد لنضالاتهم، إلا أن العالم العربي الرسمي والنخبوي معادٍ لهم ومتآمر على مصالحهم، ومستعد أن يحشد قوات للدفاع عن إسرائيل أمام هجوم إيراني -ولو ضئيل وضعيف- لكنه متهادن ومتعاون مع إسرائيل في حربها المفتوحة ضد الفلسطينيين عموما، وأهل غزة بالتحديد.

في ذكرى النكبة الأولى قبل 76 عاما، تتكثف صورة فلسطين والفلسطينيين لتعطي هذه المرة صورة ومذاقا مختلفا لاستمرار النكبة، تجعل من نكبتهم وذكراها "هاي المرة غير"، وتفيد بأنه رغم التضحيات والآلام من جهة، والإنجازات الهامة على مستوى الفعاليات الشعبية وحتى على مستوى الأفراد، إلا أن أسباب النكبة آنذاك (1948) لا زالت قائمة. إسرائيليًا من حيث خطط وممارسات كأعداء الشعب الفلسطيني، وعربيًا وعالميًا، كما داخليًا في أداء الفلسطينيين أنفسهم، لا زالت ظروف النكبة الأولى جاثمة وموجودة بقوة هنا والآن في حرب غزة (2023-2024). هل هناك أمل بتغيير ذلك؟ هذا هو السؤال الذي يجب على الفلسطينيين ونخبهم وقياداتهم محاولة الإجابة عليه قبل تعليق الآمال على مظاهرات شوارع وجامعات الولايات المتحدة وأوروبا والعالم العربي وقبل التعليق على قوى إسرائيلية معادية للصهيونية، فطبعًا كل ذلك مهما، إلا أنها مهمة فلسطينية أولا وقبل كل شيء، والأداء الفلسطيني آنذاك (1948)، وبعد ذلك في محطات مفصلية، وخلال الحرب الممتدة في قطاع غزة لا يبشّر حتى الآن بأيّ خير، فهل سيصحح المسار؟ 


الصورة: للمصوّر - الصحفي هاني الشاعر.لعل أهم آثار النكبة هو تشتت الوجود الفلسطيني، وتشتت حركتهم الوطنية واستهداف وطرد نخبهم وقياداتهم، وحتى تشتيت عائلاتهم الصغيرة. ان إعادة بناء الحركة الوطنية منذ أواسط خمسينات القرن الماضي قد أعاد الروح آنذاك لإمكانيات قيام الفلسطينيين كجماعة منظمة بدورهم في استرداد جزء مما سلب منهم. المنظمة التي بدأت بإقامة حركة فتح عام 1956 وفي إقامة منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964، ومن ثم سيطرة ياسر عرفات وحركته فتح عام 1958 على قيادة الحركة الوطنية، مما فتح الباب لإنجازات هامة في النضال الفلسطيني، بدءًا بإعلان الميثاق الوطني الفلسطيني (1968)، وتوضيح الرؤية الموجهة للنضال بالتطلع لإقامة دولة فلسطينية مدنية لكل من يعتبر نفسه فلسطينيًا، وحتى لمن ينضم للجماعة الفلسطينية بخياره، كما إقرار الدول العربية بتمثيل المنظمة لعموم الفلسطينيين، وخطاب ياسر عرفات في الجمعية العامة للأمم المتحدة (1974) وإنجازات أخرى ليس هنا المكان لتفصيلها، وكلها كانت في سياق تجاوز آثار النكبة.

إلا أن تلك الإنجازات الوطنية والجماعية توقفت عمليا عند ذلك الحد، أي في حدود العقد الأول بعد إقامة منظمة التحرير، ليبدأ التفتيش عن دولة فلسطينية، وتقريبا بأي ثمن، بما في ذلك من خلال الانتفاضة الأولى (1987-1992)، بحيث أن آثار النكبة عادت تدريجيا لترسيم حدود العمل الفلسطيني وما قد يحسب كإنجازات. تفرق شمل الحركة الوطنية في خلافات على مسألة التفاوض مع إسرائيل، وإقامة الدولة، وتم تدريجيا الركون الى عملية سياسية بدأت باتفاق عمان (1984) والاتفاق على إقامة وفد أردني-فلسطيني مشترك للتفاوض عمليا مع إسرائيل، وقد شارك هذا الوفد في قمة مدريد (1991)، ومن ثم الانتقال إلى أوسلو (1993) وإقامة السلطة الفلسطينية، التي تحولت تدريجيا الى معين للاحتلال ومبررا، بشكل جزئي، لتنكيله بالفلسطينيين والاستمرار في حصارهم واستهدافهم.

في العقدين الأخيرين، عمليا انهارت الحركة الوطنية الفلسطينية نهائيا وتحولت إلى شظايا حركة منقسمة أفقيا وعموديا، والادهى من ذلك أن الجماعات الفلسطينية طورت رؤى وطنية مستقبلية مختلفة جوهريا، بحسب السياق الجغرافي، أي أن الرؤية الوطنية المؤسسة على "وحدة الشعب والأرض والقضية" انهارت فعليا. لا زالت هنالك أصوات فلسطينية قوية تطالب بتصحيح المسار وتجاوز "سياسات السياق" إلا أنها لا زالت أضعف بكثير من التيار والمسار الذي يتبناه غالبية الفلسطينيين وغالبية نخبهم. لا أرى هنا حاجة لتفصيل أبواب الانهيار الفلسطيني، وهو بالتأكيد أعمق من الانقسام بين حماس وفتح أو بين غزة والضفة، إنه الانهيار الكامل، وانعدام الرؤية الجمعية، والاستراتيجية الموحدة، وطرق العمل المنضبطة باتفاق شامل، وغياب العمل الوطني الجماعي داخليا وخارجيا، انه باختصار الانهيار الكامل الذي تحكّم بالعمل الفلسطيني عشية اندلاع الحرب الحالية على قطاع غزة وعلى أهله، بالإضافة لعموم فلسطين والفلسطينيين، وعمليا عاد الفلسطينيون الى نتائج النكبة 1948 وتداعياتها، برغم التضحيات ومكامن القوة لدى الشعب الفلسطيني، مرة أخرى تساهم نخب الفلسطينيين وقياداتهم في تسهيل مهمة أعدائهم في الانقضاض عليهم وإضعافهم.

تأتي ذكرى النكبة السادسة والسبعين في غضون استمرار المذبحة المفتوحة والمنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي ببث حيّ ومباشر، تأتي هذه السنة لتضع شعار "النكبة مستمرة" مختلفا هذه السنة عن كل السنوات التي تلت التطهير العرقي الأول للفلسطينيين أثناء نكبتهم الأولى عام 1948. هذه السنة، أحفاد مقترفي النكبة الأولى مستمرون في الجريمة، ما حدا بجمهورية جنوب أفريقيا الى ان تباشر بتقديم دعوى موثقة ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بتهمة تنفيذ جريمة الإبادة الجماعية في غزة منذ السابع من أكتوبر 2023. هذه المرة ينتج الاعتداء الإسرائيلي نموذجا عنيفا وعاتيا ومجرما أكثر من أيّ مرة في السابق، حتى إبان النكبة الأولى. هذه المرة، ببث مرئي للعالم وشاشاته، التلفزيونية والتيك توك والفيس بوك والانستغرام، واليوتيوب وغيرها، تقوم إسرائيل بالتخطيط وبتنفيذ أكبر جرائم العصر، على الأقل منذ الحرب العالمية الثانية، مما أهلها لتهمة الجينوسايد، أكثر الجرائم عنفا ضد البشر.  فتسقط حمما نارية تجاوزت قنبلتي هيروشيما ونغازاكي، ترحّل أكثر من مليون ونصف من بيوتهم، تقتل وتجرح قرابة مئة الف فلسطيني، تجوع عموم الغزيين، تستهدف جامعاتهم ومدارسهم ومراكزهم الصحية وتعدم من يساندهم ويحاول التخفيف عنهم، تمنع وصول المساعدات إليهم، وعمليا تحتل قطاع غزة بشكل مباشر، بعد حصار واحتلال غير مباشر بدأ عام 2004.

تأتي نكبة غزة المستمرة تفاعلاً، والأداء الفلسطيني في أسوأ صوره، قيادة ونخبويا على حد سواء. حماس التي حاولت جاهدة الحلول مكان حركة فتح في قيادة العمل الوطني، ومنذ انطلاقها مع بداية الانتفاضة الأولى (1987) سعت لتأكيد أنها وحدها مؤهلة لقيادة العمل الوطني وقيادة الفلسطينيين نحو "النصر"، وهجوم السابع من اكتوبر أتى في سياق هذا التفرد في محاولة إثبات جدارتها في مقاومة الغطرسة والعنف الإسرائيليين، وتطورات الحرب وتداعياتها تفيد إجمالا بأن حماس لم تجهز الغزيين قبل الحرب ولا في تطورات الحرب ذاتها. من ناحية ثانية فتح الرسمية لا زالت تراهن على مسار أوسلو وتقمع كل من يعارضها وحولت السلطة الفلسطينية إلى كيان عميل لإسرائيل وأجندتها اليمينية والمعادية للفلسطينيين، وفتح المعارضة تقنع نفسها وشعبها بإمكانيات التغيير من داخل حركة فتح، أما باقي الفصائل فغائبة، والعمل الوطني في المخيمات وداخل الـ48 وفي الضفة والقدس في أتعس مراحله، والنخب الفلسطينية متخبطة وفاقدة لأيّ فاعلية جدية. فربما تبادر الى مؤتمر او حملة دعم لأهل غزة أو لبلورة خطاب يوجه الى المتضامنين في شوارع المدن العربية والعالمية، ربما تباشر في طرح آفاق للتغيير الداخلي، ربما تباشر في كذا وكذا، لكنها في الواقع لا تقوم بشيء جدي ولا مركزي يؤهلها لتقوم بدورها. في كل الأبعاد المذكورة وعلى كل الساحات، في الـ 48 والضفة والقدس وغزة واللجوء، الوضع ذاته. إنها صورة آنية لوضع الفلسطينيين داخليا ولأدائهم عشية النكبة الأولى.

العالم العربي الشعبي مناصر للفلسطينيين ومؤيد لنضالاتهم، إلا أن العالم العربي الرسمي والنخبوي معادٍ لهم ومتآمر على مصالحهم، ومستعد أن يحشد قوات للدفاع عن إسرائيل أمام هجوم إيراني -ولو ضئيل وضعيف- لكنه متهادن ومتعاون مع إسرائيل في حربها المفتوحة ضد الفلسطينيين عموما، وأهل غزة بالتحديد.

في ذكرى النكبة الأولى قبل 76 عاما، تتكثف صورة فلسطين والفلسطينيين لتعطي هذه المرة صورة ومذاقا مختلفا لاستمرار النكبة، تجعل من نكبتهم وذكراها "هاي المرة غير"، وتفيد بأنه رغم التضحيات والآلام من جهة، والإنجازات الهامة على مستوى الفعاليات الشعبية وحتى على مستوى الأفراد، إلا أن أسباب النكبة آنذاك (1948) لا زالت قائمة. إسرائيليًا من حيث خطط وممارسات كأعداء الشعب الفلسطيني، وعربيًا وعالميًا، كما داخليًا في أداء الفلسطينيين أنفسهم، لا زالت ظروف النكبة الأولى جاثمة وموجودة بقوة هنا والآن في حرب غزة (2023-2024). هل هناك أمل بتغيير ذلك؟ هذا هو السؤال الذي يجب على الفلسطينيين ونخبهم وقياداتهم محاولة الإجابة عليه قبل تعليق الآمال على مظاهرات شوارع وجامعات الولايات المتحدة وأوروبا والعالم العربي وقبل التعليق على قوى إسرائيلية معادية للصهيونية، فطبعًا كل ذلك مهما، إلا أنها مهمة فلسطينية أولا وقبل كل شيء، والأداء الفلسطيني آنذاك (1948)، وبعد ذلك في محطات مفصلية، وخلال الحرب الممتدة في قطاع غزة لا يبشّر حتى الآن بأيّ خير، فهل سيصحح المسار؟ 


الصورة: للمصوّر - الصحفي هاني الشاعر.

بروفيسور أسعد غانم

محاضر في قسم العلوم السياسية في جامعة حيفا وعضو "ملتقى فلسطين"

شاركونا رأيكن.م