الحركات التضامنية العالمية مع الشعب الفلسطيني

"بالآلاف والملايين، إننا جميعا فلسطينيون"

 من هتافات المتظاهرين في ايرلندا ودول أخرى.

لقد تعالت منذ شهر تشرين أول الأخير الأصوات والاحتجاجات الدولية المنددة بالعدوان الإسرائيلي الغاشم على سكان غزة، ورفع الحصار الخانق المفروض على قطاع غزة منذ عام 2006، بالإضافة إلى حركات التضامن العالمية مع الشعب الفلسطيني وحقه الشرعي بالاستقلال والعيش بأمان متحرر من الإحتلال. وشهدنا في الأشهر الأخيرة أخبار يومية عن حركات مختلفة في دول ومدن عالمية على جميع الأصعدة وفي جميع الميادين، رغم تواطئ الحكومات إلا أن الشعوب قالت كلمتها في الميادين وعلى صفحات التواصل الاجتماعي بوسائله المختلفة. كما أن تنوع الأصوات والحركات يدلّ على الدعم الشعبي الكبير للشعب الفلسطيني عامة، والمنددة للحصار والمجازر ضد شعبنا في غزة الصمود خاصة، فمن بين الأصوات المؤثرة أصوات وحركات يهودية خاصة في بريطانيا، الولايات المتحدة الأمريكية، وكندا. باختصار، يمكننا القول بأن هذه النشاطات تعتبر أكبر نشاط احتجاجي في تاريخ العالم يقوم به مواطنون حول قضية واحدة. 

أما على الصعيد الأوروبي ودول الاتحاد الأوروبي، فبالرغم من الموقف الرسمي المتخاذل للاتحاد، إلا أن الحركات الشعبية لها وطأتها وتأثيرها على الشارع وهي بمثابة أخبار يومية، بالإضافة إلى ازدياد الأصوات الداعية للمقاطعة، سحب الاستثمارات، والعقوبات (إحالة إلى حركة المقاطعة العالمية BDS – Boycott، Divestment، Sanctions) سواء لإسرائيل أو الشركات العالمية الداعمة لإسرائيل أو آليات عسكرتها. لقد تمت ترجمة هذا من خلال الخسائر المالية التي تشهدها هذه الشركات منذ عملية طوفان الأقصى، وعلى سبيل المثال لا الحصر فإن "Times Square Investment Journal" قد ذكرت قبل عدة أيام بأن شبكة ستاربوك قد خسرت أكثر من 12 بليون دولار منذ 7 اكتوبر. كما أن شركة الألبسة والأحذية الرياضية "Puma" قررت عدم تجديد عقدها لرعاية المنتخب الوطني الإسرائيلي لكرة القدم، حيث  كانت هنالك حملة مقاطعة ضدّ الشركة الألمانية بما فيها التوجه لشبكات تسوق والطلب منهم عدم بيع منتوجات "Puma"، وقد نجح الناشطون في أيرلندا بالضغط على شبكة حوانيت "O’Neill’s" بعدم بيع أي من  منتجات "Puma".

أما على الصعيد الايرلندي فبالرغم من الهوة بين الحراك الشعبي والأكاديمي الداعم جدًا للشعب الفلسطيني، والموقف الرسمي الدبلوماسي، إلا أن أيرلندا هي واحدة من خمسة دول أعضاء بالاتحاد الأوروبي غير منضمة إلى ائتلاف الناتو وتتميز بموقف الحياد العسكري وعدم المشاركة في الصراعات الدولية، كما وتشارك قواتها الدفاعية ضمن قوى حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة حيث يتواجد قسم من هذه القوات في جنوب لبنان والجولان السوري المحتلّ. أما بالنسبة لدعم أيرلندا ومناصرتها للشعب الفلسطيني فهذا ليس بالأمر الجديد، هذا الدعم مبني على علاقة عميقة ومشتركة بين الشعبين، خاصة التجربة التاريخية لمناهضة الاحتلال والاستعمار، فقد كانت أيرلندا أولى دول الاتحاد الأوروبي التي اعترفت عام 1980 بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، كما وقد صوتت أيرلندا عام 2012 لصالح اعتماد فلسطين عضو مراقب في الأمم المتحدة. 

رغم الدعم الدائم والحراك المساند والمتواصل للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة في أيرلندا، إلا أنه لقد تم رسميا تأسيس الحملة الأيرلندية للتضامن مع الشعب الفلسطيني في أواخر عام 2001 من قبل مجموعة من نشطاء حقوق الإنسان، أكاديميين، وصحافيين  لتسليط الضوء على قضايا وهموم الشعب الفلسطيني، خاصة على إنهاء الاحتلال والعيش بحرية. بالإضافة إلى الفعاليات التي تنظمها هذه المؤسسة فهناك العديد من المؤسسات، والمجموعات الخيرية، والمجموعات الحزبية والمدنية التي تقوم بتنظيم فعاليات ونشاطات مختلفة ودورية في جزيرة أيرلندا وفي مقاطعاتها جميعها وعددها 32 (ست مقاطعات في أيرلندا الشمالية المحتلة، و 26 في الجمهورية الأيرلندية)، من بينها "غزة أكشن – أيرلندا"، "تجمع النقابات العمالية الايرلندية"، "مجموعة أصدقاء فلسطين"، "صداقة – لجنة التحالف الأيرلندية الفلسطينية". منذ السابع من أكتوبر هنالك حراك يومي في أيرلندا، وقد امتد ليشمل قرى صغيرة ولم يعد مقتصرا على المدن المركزية فقط، وقد تم خلق وسائل ابداعية، فنية، ندوات، احتجاجات داخل الجامعات من قبل أكاديميين أو طلاب ممن بادروا لاستفتاءات لمقاطعة الأكاديميات الإسرائيلية، التي حازت على أغلبية ساحقة من المصوتين. 

وما يميز هذا الحراك بأن من يقوده هم مواطنون أيرلنديون وأوروبيون، خاصة فئة الشباب، بالإضافة إلى الفلسطينيين، العرب، والمسلمون المغتربون في أيرلندا. أغلبهم مواطنون عاديون غير منخرطون بالعمل الحزبي أو يتنظيم سياسي، عليه فإن مشاركتهم هي رد فعل على جرائم الحرب التي ترتكب ضد غزة وأهلها. أما الطابع الذي يميز هذا الحراك هو المطالبة بوقف جرائم الحرب المرتكبة ضد غزة وأطفالها والتشديد بأنه لا يوجد مكان آمن واحد للأطفال فيها، وتسليط الضوء على الانتهاكات في الضفة الغربية. هذه النشاطات تهدف لرفع الوعي، التثقيف، والضغط على الحكومة الأيرلندية لاتخاذ موقف سياسي رسمي أكثر وضوحًا، ومن ضمن هذه النشاطات وقفات وتظاهرات احتجاجية، عرض صور لأطفال غزة الشهداء مع ذكر أسمائهم واجيالهم تحت عنوان "ليسو رقما"، عرض أفلام، مهرجانات موسيقية، تنظيم عرائض، مشاهد تمثيلية في الشوارع تجسد الحياة والموت في غزة، مقاطعة إسرائيل ومنتجاتها، والتظاهر أمام شركات تربطها علاقات تعاون مع شركات إسرائيلية ومتاجر تبيع منتجات إسرائيلية وأمريكية للمطالبة بالتوقف عن بيع هذه المنتوجات، بالإضافة إلى التظاهر أمام مطار شانون الذي يعتبر محطة للطائرات العسكرية الأمريكية، والمطالبة بطرد السفيرة الإسرائيلية من دبلن. ومن الجدير ذكره هنا بأن المقاطعة الثقافية والأكاديمية المستمرة والمتزايدة مؤشرا آخر لتزايد الدعم للشعب الفلسطيني، لغاية بداية شهر ديسمبر 2023 قرابة 2000 فنان وفنانة، منهم روائيون، شعراء، رسامون، موسيقيون، نحاتون وآخرون، بالإضافة إلى مبادرة "أكاديميون من أجل فلسطين" التي أفضت إلى توقيع أكثر من 700 اكاديمي من أجل مقاطعة المؤسسات الإسرائيلية، خاصة وأن هذه المؤسسات مرتبطة بشكل وثيق مع المؤسسة العسكرية الإسرائيلية.

تشهد شوارع أيرلندا لأكثر من 13 أسبوع نشاطات إحتجاجية يومية، ورغم فترة الأعياد المجيدة الا أن الاحتجاجات مستمرة واعداد المشاركين في تزايد مستمر، حيث يصل معدل المشاركين بالمظاهرات الأسبوعية في مدينة كورك على سبيل المثال إلى 1200 مشارك\ة. كما تم تنظيم مظاهرة قطرية ضخمة جدا في العاصمة دبلن في شهر تشرين ثاني بمشاركة عشرات الالاف، ومن التوقع أن يشارك عدد أكبر في المظاهرة القطرية المرتقبة في منتصف كانون ثاني، تعبيرا عن السخط والغضب تجاه ما تقترفه إسرائيل من أعمال وحشية في القطاع، وكذلك للضغط على الحكومة الايرلندية لاتخاذ إجراءات سياسية حازمة. وهذا أكبر دليل على ازدياد الدعم للقضية الفلسطينية والموقف المطالب بوقف جرائم الحرب تجاه المدنيين العزل في غزة. هذا كله ما هو إلا نتاج سنوات طويلة من الحملات التوعوية التي ينظمها النشطاء المتضامنين مع فلسطين في الميدان، ومن خلال الإعلام، وعلى صفحات شبكات التواصل الاجتماعي، ومن خلال بناء التحالفات مع النقابات والمنظمات غير الحكومية والسياسيين.

في الختام، أشير إلى نقطتين هامتين بإطار العمل على خطط قريبة المدى: أولًا، ضرورة ترجمة هذا الحراك المساند للقضية الفلسطينية إلى موقف سياسي رسمي صارم؛ وثانيًا، ضرورة توظيف هذا الحراك للتأثير على الهيئات الدولية من أجل الضغط على إسرائيل لوقف العدوان على غزة، وإنهاء الحصار والاحتلال.

في الختام، أنهي مقالتي بأغنية "Palestine" للمغني مارتن ليهي الذي قام بتأليفها، تلحينها، وغنائها بعد إندلاع الحرب في شهر أكتوبر، والتي تحولت الى الأغنية الرسمية للمظاهرات الأسبوعية في مدينة كورك: 

بدون حرية أو حقوق إنسان

أحتلال بقوى عسكرية

هو أمر واضح من قبل دولة الفصل العنصري (أبارتهايد)

تهيمن على تخويف وإذلال

تجبر على ترك المنازل والفرار من الأراضي

الاستعمار الذي لا ينتهي أبدا 

من تجريد الإنسان من إنسانيته

لكنهم سوف ينتفضون

... سجن مفتوح محاصر يوما بعد يوم

بالدبابات والبنادق المزودة من الولايات المتحدة الأمريكية

والان نرى المزيد من جرائم الحرب المثيرة للاشمئزاز

لا دواء, ماء, طعام, أو ضوء

بينما الأطفال يموتون تحت الأنقاض ببطء

بينما الفوسفور الأبيض يمطر من السماء

لا يمكننا الوقوف جانبا ومشاهدة هذه الابادة الجماعية

يجب أن ننهض, على العالم النهوض 

العالم سينهض وينتفض 


الصور: للحملة التضامنية مع فلسطين في مدينة كورك - ايرلندا - Cork Palestine solidarity campaign.

د. رلى (حامد) أبو زيد – أونيل

ناشطة اجتماعية ومحاضرة مختصة بمجال النساء، الأقليات، الصراع، الذاكرة والصدمة في جامعة كورك-ايرلندا.

انيسة عابد
مقال رائع، شمولي ودقيق كل الاحترام صديقتي رلى👍👍
الاثنين 1 كانون الثاني 2024
ليلى عطيه
يعطيك العافيه رلى الرائعه لنشاطك الدائم اجتماعيا وسياسيا وشكرا على المعلومات عن نشاط وتضامن شعب ايرلندا العظيم مع الشعب الفلسطيني نفتخر ونعتز به وكل الشكر والتقدير والمحبه لهم نثمن عاليا دورهم من اجل فلسطين 🌹❤
الاثنين 1 كانون الثاني 2024
رأيك يهمنا