الضفة لم تكن يوماً بخير: التبعات السياسية للحرب على غزة ومشهد اليوم التالي
يتسابق اليوم السياسيون والمحللون في عرض سيناريوهات مختلفة لما ستؤول إليه الأمور بعد انتهاء العدوان على قطاع غزة، ولا تخرج هذه السيناريوهات عن رؤى سياسية تعزز وصف المشهد، ولكن السؤال الأهم هل سنصل إلى نهاية هذا الجنون الذي يمارسه الاحتلال على المواطنين الغزيين؟ وهل تتعلق المسألة اليوم بهذا العدوان فقط؟ أم ضمن سياق ممنهج استعماري على الأرض وعلى المواطنين الفلسطينيين في القطاع وفي الضفة دون إسقاط مدينة القدس عنها؟!، إن وصف "النكبة المستمرة" هو أدق وصف للحالة العامة التي نعيشها اليوم؛ فالفلسطينيون سواء في قطاع غزة أو الضفة الغربية هم امتداد شعب بدأت نكبته في العام 48، وذات العائلات وحتى الأفراد عاشوا الطرد والتهجير والحرمان من حقوقهم كبشر، وهم ذاتهم لا زالوا يعانون من الطرد والتهجير والقتل وهدم البيوت والاعتقالات وامتهان الكرامة اليومية التي دخلت في تفاصيل حياتهم، ومن الجدير بالذكر أن وتيرة الانتهاكات في الضفة الغربية تصاعدت بشكل كبير وممنهج ضمن العيش في واقع مقلق منذ تولي الحكومة الاسرائيلية الأخيرة الحكم، وانتقل الاستعراض السياسي إلى الأحزاب السياسية المختلفة على الأرض الفلسطينية المحتلة، منذ فترة طويلة قبل بدء العدوان على القطاع.
منذ تولي حكومة نتنياهو سدة الحكم توسع الاستيطان في الضفة حيث وضعت الحكومة على رأس أولوياتها توسيع المستوطنات وقوننة العديد من البؤر الاستيطانية، مع إحكام وضع اليد على مدينة القدس والتوغل في تهويد المدينة، وأطلقت أيدي المستوطنين ودعمت انتهاكاتهم على المناطق الفلسطينية كقطّاع طرق بشكل يؤجج التوترات ويعيق الحياة اليومية للفلسطيني، مع تصعيد الاعتقالات وإغلاقات المدن واقتحاماتها شبه اليومية ضمن إجراءات وصفت بالأمنية المشددة، ضمن سلسلة طويلة من الانتهاكات اليومية والعقوبات الجماعية التي تستهدف المواطنين الفلسطينيين والأرض الفلسطينية في محاولة لتغيير الواقع الديموغرافي بما يخدم السياسات التوسعية الاستعمارية للمحتل. يقع ذلك بمكان ليس بعيداً عن الاتفاق الائتلافي الذي تعهد بضم الضفة الغربية للدولة، فالمسألة برمتها لا تتعلق فقط بالفترة الممتدة من السابع من أكتوبر وإنما بامتدادِ الاحتلال، وتضاعفت ضمن قناعة عميقة بعدم المحاسبة لهذا الكيان بدأت مع بداية إنشائه مع دعم مصالحيّ قوي قادته الولايات المتحدة والدول الأوروبية، مع استخفاف كبير بحقوق الفلسطينيين؛ حيث أن الضفة تأثرت بشكل مباشر بالتصعيد العسكري والسياسي في قطاع غزة، بما يخلق تحديات إضافية على كافة المستويات، ومنذ اندلاع الحرب على غزة، أصبحت عمليات الهدم والمصادرة وإغلاق المدن والاعتقال والاشتباكات مشهدًا يوميًا، أدى لاستشهاد أكثر من 553 في الضفة منهم 134 طفلًا، ونحو 5300 جريح، واعتقال 9400 فلسطيني منذ السابع من أكتوبر، مع تصاعد كبير في وتيرة هدم المنازل والمنشآت، مع تدمير للبنى التحتية في المدن والمخيمات المختلفة؛ بالإضافة لكافة التأثيرات المتعلقة بعرقلة الحياة ضمن الإغلاقات والحواجز العسكرية، التي تعمل أيضاً على عرقلة حركة التجارة وتؤدي إلى ارتفاع معدلات الفقر والبطالة، مع الحصار المالي المفروض على السلطة الفلسطينية الذي يفاقم من الأزمات الاقتصادية.
إذاً هل يمكن توقع المشهد لليوم التالي في الضفة؟
اعتقد ألا بد لنا من التركيز على ما نريده نحن كفلسطينيين، ضمن إطار ما يجب حدوثه لتحقيق العدالة للشعب الذي يعاني من هذه النكبة المستمرة، والوقوف بحزم أمام أيّ مبادرات مؤقتة من الممكن فقط أن تخدر هذا الألم المستمر، فالمسألة غاية في الوضوح بمعزل عن تركيبة المصالح الدولية والسياسات الدولية، تتعلق بحقوق فلسطينية يجب الاعتراف بها والسعي للوصول إليها لتحقيق العدالة والكرامة.
ومن ناحية أخرى هناك عرض لسيناريوهات مختلفة يتوقعها السياسيون والمحللون للمشهد ما بعد انتهاء العدوان، يمكن حصرها بثلاثة سيناريوهات مطروحة:
السيناريو الأول التوصل إلى اتفاق سياسي: يمكن أن يحمل نتائج إيجابية للضفة الغربية، بتحسين الأوضاع الأمنية، وتوفير بيئة أكثر استقرارًا للسكان، مع تلقي الضفة مساعدات دولية لتعزيز الاقتصاد والبنية التحتية يمكن أن تساهم في تحسين مستوى المعيشة وخلق فرص عمل جديدة، مما يقلل من معدلات الفقر والبطالة؛ وقد يسهم الاتفاق السياسي في توحيد الفصائل الفلسطينية وتحقيق وحدة سياسية، مما يعزز القدرة على مواجهة التحديات بشكل جماعي وفعال، ولكن أياً كان الاتفاق السياسي يجب التنبه لطرح حلول شاملة وليست مؤقتة وعادلة، وعدم الاكتفاء بطرح مبادرات اقتصادية على الأغلب مؤقتة ولا تسعى لإنهاء الاحتلال ونكبة الشعب الفلسطيني، والوصول إلى سلام عادل وشامل ضامن للحقوق.
السيناريو الثاني استمرار الوضع القائم: يمكن أن يؤدي إلى تصاعد العنف الاستيطاني وتدهور الأوضاع الأمنية، واستمرار المواجهات اليومية والعمليات العسكرية الذي سيزيد من عدم الاستقرار وزيادة الضحايا وتدهور الأوضاع الإنسانية، مع استمرار الحصار والتضييق الاقتصادي ولأزمات المعيشية. الى جانب ما صرحت به السلطة الفلسطينية منانهيار محتمل للسلطة الفلسطينية، هذا الانهيار المحتمل ستحاول الدول الغربية منعه، بما يعزز من توجهات مصالحية مطلقة، يمكن أن تمس الحلول العادلة للشعب الفلسطيني وتعزز الوضعية المؤقتة لخفض التوتر، والمرشحة في أي وقت للتهديد والانهيار كما حصل سابقا.
السيناريو الثالث تصعيد عسكري شامل: يؤدي إلى انهيار عام وتصاعد الهجمات وتوسع دائرة العنف لتشمل مناطق أوسع في الضفة الغربية، واحتمالية النزوح من بعض المناطق المتوترة، مع تدمير المنشآت الحيوية وانهيار الخدمات الأساسية، وهو السيناريو الأقرب لأقطاب هذه الحكومة الاسرئيلية المتطرفة والتي يجب العمل على محاربته.
مع هذه السيناريوهات التي يتم طرحها اليوم يجب أن تلعب الأمم المتحدة ودول العالم دورًا أكثر جدية، دوراً حقيقياً في فرض حلول سياسية كجزء من مسؤولياتها العالمية، والتي يتضمنها أيضاً تقديم المساعدات الإنسانية وإعادة الإعمار وتحميل الاحتلال المسؤولية ضمن سياق عادل يتضمن المحاسبة وجبر الضرر والاعتراف بالحقوق الفلسطينية العادلة، فمستقبل المنطقة يعتمد على التعامل بمسؤولية مع القضية الفلسطينية والوصول لحلول سياسية شاملة.
إن الوضع في الضفة الغربية ليس بخير، وقد حان الوقت لتكاتف الجهود من أجل انهاء الاحتلال وبناء المستقبل.
لونا عريقات
محامية وناشطة في مجال حقوق المرأة وحقوق الإنسان، حصلت على عدة جوائز في المرافعات الدولية لحقوق الإنسان، تعمل في عدة مؤسسات نسوية، كمستشارة قانونية في مجالات حقوق المرأة وحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، متطوعة في عدد من المؤسسات الفلسطينية، شاركت في العديد من الحملات والدورات والمؤتمرات المحلية والدولية.