الأسرى بين جحيم المعتقلات وانبلاج الأمل
بعد السابع من أكتوبر الماضي شهدت المعتقلات الإسرائيلية حملة غير مسبوقة منذ عقود في استهداف الأسرى، وأتى ذلك بعد إعلان حالة طوارئ اعتقالية، من ضمنها إجراء تغييرات في أوضاع السجون تشمل زيادة عدد المعتقلات، تقليص الحيز المعيشي بسبب حالة الاكتظاظ والازدحام الكبير في الغرف والزنازين مما أدى إلى تضاعف أعداد الأسرى على نفس المساحة الأصلية وهي 3 أمتار مربعة للأسير في حين أنّ الحد الأدنى الدولي يتراوح في الدول الأوروبية بين 6 إلى 12 مترًا، ما جعل الأسرى ينامون على فرشات على الأرض مع نقص الأغطية والملابس، وإغلاق السجون وفرض عزلة تامة، ومنعت زيارات الأهالي ومندوبي الصليب الأحمر، وحددت وقيّدت زيارة المحامين بعد أن ألغتها تحت مسمى "حالة الطوارئ" وألغت إحضار المعتقلين للمحاكم وأجرت الجلسات عبر تقنية "فيديو كونفرانس"، فضلًا عن تشريع زيادة المدد القانونية لعرض المعتقلين الجدد على القاضي العسكري أو استصدار أوامر الاعتقال الإداري.
وتم تفعيل ما يعرف بقانون "المقاتل غير الشرعي" بقرار من وزير جيش الاحتلال يوم 8 أكتوبر بحق من يتم اعتقالهم سواء مقاتلين كانوا أم مواطنين عزّل يشمل النساء في قطاع غزة، وهذا يمنح المخابرات "الشاباك" مساحة زمنية كبيرة للتحقيق مع حرمان الأسرى من لقاء المحامي لمدة تصل إلى 180 يومًا، وكذلك من لقاء الصليب الأحمر، وبحسب إحصائيات مصلحة السجون فهناك نحو 800 أسير من غزة تم تصنيفهم "كمقاتلين غير شرعيين"، وهؤلاء يتعرضون لجرائم التعذيب وامتهان الكرامة بما يخالف اتفاقيات جنيف وأسس وأصول المحاكمات العادلة.
وأتبَعَت المُعتَقلات ذلك بالقيام بحملة اعتداءات واقتحامات وتفتيشات متكررة واستفزازية لغرف وأقسام وزنازين الأسرى، ومصادرة الأدوات الكهربائية وأجهزة التلفاز وأدوات إعداد الطعام وإغلاق "الكانتين" ومصادرة ما كان بحوزة الأسرى من مشتريات ومواد غذائية أو مقتنيات خاصة من كتب وملابس، وواكبها حملات نقل وعزل لكوادر وقيادات الحركة الأسيرة وقدامى الأسرى، وأوقفت التعامل بالأطر والتمثيل الاعتقالي.
وقد لجأت السجون إلى سياسة تجويع الأسرى عبر المساس بوجبات الطعام من حيث نوعيته الرديئة وكميته المحدودة جدًا، ومواعيد تقديمه، واقتصار تقديم الطعام على إدارة السجون فقط، ليصبح هو فحسب الطعام المتوفر للأسرى ما تسبب بفقر الدم وسوء التغذية والهزال ونقص الوزن والذي تجاوز الـ20 كيلوغرامًا لكل أسير، عدا عن التحكم بكميات المياه وتلوثها والتلاعب بالكهرباء ومنع وتقييد الخروج لساحات الفورة ومنعهم من حلاقة وقص الشعر.
كما تم تغيير نمط التعامل مع الأسرى المرضى بحيث لا يتم نقل الأسير للفحوصات في العيادات أو للمشافي سواء الجرحى أو المرضى إلا في حالات قصوى جدًا، مما يعرض حياتهم للمخاطر.
واتسمت المرحلة باللجوء الى سياسة القمع والضرب الجسدي والاعتداءات الوحشية مما تسبب بإصابة الأسرى بالكسور والرضوض والكدمات وارتقاء عدة شهداء في فترة زمنية متقاربة وخاصة في "مجيدو" و"النقب"، وأبرزها الاعتداء على الأسير ثائر أبو عصب في معتقل "النقب" وعبد الرحمن مرعي في معتقل "مجيدو".
بالإضافة إلى استخدام أساليب التفتيش العاري واللجوء لسياسة الإذلال وامتهان الكرامة للأسرى عبر تصويرهم عراة أو شبه عراة ونشر مقاطع الفيديو وإرغامهم تحت التهديد للقيام بممارسات أو التلفظ بعبارات وكلمات نابية وتحطّ بالكرامة الإنسانية والوطنية وتكبيلهم وإرغامهم على طأطأة رؤوسهم نحو الأرض والسير مع انحناء الظهر.
مضاعفة الاعتقالات
بلغ حجم الاعتقالات نحو 7900 حالة اعتقال لغاية منتصف آذار من محافظات الضفة الغربية والقدس، واستهدفت مختلف الفصائل والفئات والأعمار وأسرى سابقين وطلبة، منهم قرابة 250 سيدة وفتاة ونحو 500 طفل قاصر، وضمن سياسة الملف السري تضاعفت أعداد المعتقلين الإداريين بإصدار وتجديد نحو 4400 أمر وقرار، ويوجد قرابة 3600 معتقل إداري يتوزعون في معتقلات "عوفر" و"النقب" و"مجدو" و"الدامون" و"نفحة" و"ريمون"، بينهم 19 أسيرة ونحو 40 قاصرًا و23 صحفيًا، وتم تسجيل نحو 300 حالة اعتقال لفلسطينيين داخل الأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1948". على خلفية عنصرية تتعلق بالنشر على منصات التواصل الاجتماعي وحتى 7\11\2023 وصل عدد حالات التحقيق والاعتقال التي تبلغ بها مركز عدالة القانوني إلى 215 حالة، منها 58 حالة لنساء تم إجراء تحقيقات أو اعتقالات بحقهن، وتقديم 27 لائحة اتهام.
ولا زال أكثر من 9500 أسير فلسطيني رهن الاعتقال في 23 معتقلًا ومركز توقيف بينهم نحو 68 أسيرة وحوالي 200 طفل قاصر وقرابة 700 حالة مرضية وتقريبًا 580 أسير محكوم بالسجن المؤبد وقرابة 620 أسيرًا أمضوا أكثر من عشرين عامًا في الأسر بشكل متواصل، وأعاد الاحتلال اعتقال 14 طفلًا وأسيرة ممن تحرروا في تبادل تشرين ثانٍ الماضي.
الإخفاء القسري
تم اللجوء لسياسة الإخفاء القسري لآلاف الفلسطينيين من "عمال، مدنيين ومقاومين" من قطاع غزة، وعدم الإفصاح عن أماكن احتجازهم، أو أسمائهم أو أعدادهم، أو ظروف احتجازهم أو التهم المنسوبة لهم من نساء ورجال، بمن فيهم الصحفيان نضال الوحيدي وهيثم عبد الواحد، وهما صحفيان من غزة أُخفيا قسرًا.
ورغم المعلومات غير الرسمية فإن هناك من يحتجزون في "عوفر" و"الدامون" و"عناتوت" و"كيلي شيفع" بمعتقل "النقب"وغيرها، وهم معزولون عن بقية الأسرى في تلك المعتقلات. بالإضافة إلى معسكر لجيش الاحتلال قرب بئر السبع يعرف باسم "سديه تيمان" أو "غوانتنامو جديد" تُمتهن فيه كرامة المعتقلين ويتعرضون لأعتى أشكال التعذيب والشبْح والتنكيل وحرمانهم من الطعام والعلاج، وأن ما لا يقل عن معتقلتين فلسطينيتين تعرضتا للاغتصاب، في حين تم تهديد أخريات بالاغتصاب والعنف الجنسي.
ولا يوجد عدد دقيق لأعداد المعتقلين من غزة، وكان جيش الاحتلال الإسرائيلي قد أعلن أن عدد المعتقلين يبلغ 2300 معتقل، بينما تشير التقديرات أن عددهم يصل إلى عدة آلاف، وكشفت صحيفة هآرتس العبرية يوم 7 آذار عن استشهاد27 أسيرا نتيجة التعذيب والاعتداءات وعدم توفير العلاج، وذلك في معسكرات "سديه تيمان" و"عناتوت" وغيرها من مراكزالاحتجاز والتحقيق. وإعدام عشرات من المواطنين المحتجزين في منطقة شمال قطاع غزة والذين تم العثور عليهم وهم مكبلو الأيدي.
ارتقاء شهداء
أدت سياسة التعذيب والاعتداءات والضرب والإهمال الطبي إلى ارتقاء 13 أسيرًا منذ السابع من أكتوبر وهم: خالد الشاويش، عاصف الرفاعي، ثائر أبو عصب، عمر ضراغمة، عرفات حمدان، عبد الرحمن مرعي، محمد الصبار، عز الدين البنا، محمد قديح، عبد الرحمن البحش، جمعة أبو غنيمة، ماجد زقول، وشهيد من عمال غزة لم يعرف اسمه. وارتفع عدد شهداء الحركة الأسيرة إلى 250، وتواصل مصلحة السجون سياسة احتجاز جثامين الأسرى.
إن ارتكاب الاحتلال لجريمة التعذيب والمعاملة غير الإنسانية، جرائم تقع ضمن نطاق جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، بحسب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وتلك الجرائم تأتي في سياق جريمة الإبادة الجماعية.
وتطالَبُ اللجنة الدولية للصليب الأحمر بتحمل مسؤولياتها ومعها المنظمات الإنسانية والحقوقية الدولية للضغط على الاحتلال لوقف الجرائم المستمرة بحق الأسرى والالتزام بنصوص القانون الدولي الانساني ومعاهدات جنيف، ورغم فظاعة وقسوة الأوضاع فإن الأسرى يتطلعون لقرب انعتاقهم وتحررهم من معتقلات الاحتلال.