حتميّة الدعم الشعبي والجماهيري لإسناد الحركة الأسيرة
في ظل تصاعد حملات الاعتقال في مختلف المحافظات الفلسطينية، وارتفاع عدد الأسرى في سجون الاحتلال بشكل غير مسبوق، والاستهداف المبرمج لأهلنا في مدينة القدس وضواحيها ومدينة جنين وريفها ومخيمها، واستهداف أبناء شعبنا في كافة المحافظات وفي قطاع غزة والداخل الفلسطيني، واستمرار العقوبات الجماعية والانتهاكات المتواصلة والمخالِفَة لكل الأعراف والمواثيق الدولية، واستمرار سياسات الإهمال الطبي المتعمد بحق آلاف من الأسرى في مختلف السجون الإسرائيلية، والنقل بواسطة البوسطة الحديدية والحرمان من الزيارات والتعليم واقتحام الغرف والأقسام وعدم الاستجابة لمطالب الأسرى الإداريين الذين يقاطعون المحاكم العسكرية الاسرائيلية، واستمرار أربعة من الأسرى بالإضراب عن الطعام ضد الاعتقال الإداري، واستمرار عزل الأسرى الستة الذين نجحوا في تحرير أنفسهم من سجن جلبوع، وفرض أحكام جديدة وغرامات عليهم، ومحاولة إدارة مصلحة السجون سحب الحقوق الثابتة للأسرى داخل سجونها وما يمارس بحق الأسرى والأطفال والأسيرات من انتهاكات متواصلة، وتحويل البعض منهم للاعتقال الإداري والحكم عليهم بأحكام جائرة وعالية وفرض الغرامات الباهظة عليهم في المحاكم العسكرية واستمرار السياسات الانتقامية بحق الأسيرات والأطفال.
في ظلّ هذا كلّه، كان لا بد من مواكبةِ ذلك عبر حراك شعبيّ وجاهيريّ يرتقي الى مستوى هذه المعارك التي يخوضها الأسرى بمختلف تشكيلاتهم داخل السجون الإسرائيلية، لأنه كلما اتسعت دائرة الفعل الشعبي والجماهيري المساند للأسرى المرضى والمضربين عن الطعام والإداريين، والمطالبة باسترداد جثامين الأسرى الشهداء الأحد عشر والمختطفة في الثلاجات الإسرائيلية وأقدمهم الأسير أنس دولة منذ عام 1982 وآخرهم الأسير الشهيد خضر عدنان، فإن ذلك يشكل ورقة ضغط حقيقية على الحكومة الإسرائيلية وعلى المحاكم العسكرية الإسرائيلية وإدارات مصلحة السجون وعلى المؤسسات الحقوقية العاملة في الأراضي الفلسطينية، عبر خروج الشعب الفلسطيني بمختلف ألوانه وأطيافه السياسية نصرة للأسرى وتأكيدًا على عدالة قضيتهم والوقوف خلفهم في كافة المعارك التي يخوضونها ضد إدارة مصلحة السجون ومن خلفها الحكومة الإسرائيلية والكنيست الذي تحول الى ورشة عمل لتحضير القوانين العنصرية للانتقام من الأسرى.
لذا ومن هنا تأتي الأهمية البالغة بضرورة تنظيم العديد من الفعاليات والاعتصامات والوقفات في مراكز المدن وأمام بوابات السجون وأمام مقار اللجنة الدولية للصليب الأحمر ورفع صورة الأسرى واليافطات التي تحمل صورهم وأسماءهم والهتاف بالحرية لهم أمام نقاط التماس، وفضح كل ممارساتهم وعقوباتهم الجماعية والاعتداء على المسيرات السلمية المطالبة بإطلاق سراح الأسرى المرضى والأطفال والأسيرات. ونحن في الهيئة العليا لمتابعة شؤون الأسرى والمحررين ونادي الأسير أخذنا على عاتقنا استمرار هذه الفعاليات والاعتصامات والوقفات وعقد المؤتمرات الشعبية وزيارة ذوي الأسرى واستقبال الأسرى المحررين وإبقاء قضية الأسرى حية في أذهان أجيال الشعب الفلسطيني، حتى يتم تبيض السجون والإفراج عن كافة أسرانا من السجون الإسرائيلية، خاصة بعد تولي بن غفير حقيبة الأمن القومي في الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة، وما يقوم به من إجراءات وسن قوانين واعتداءات متواصلة ضد الأسرى وزيارات استفزازية وسن تشريعات عنصرية والقيام بحملة من التنقلات في مختلف الأقسام والسجون والاعتداء على أبسط الحقوق الإنسانية والثابتة للحركة الأسيرة وتقليص زيارات الأهالي لتصبح مرة كل شهرين وتقليص عدد القنوات التلفزيونية والتدخل في مائهم وخبزهم وأبسط حقوقهم واستمرار سياسات الإهمال الطبي المتعمد بحق الأسرى عمومًا والأسرى المرضى على وجه الخصوص وعلى رأسهم الأسير المفكر وليد دقة وعاصف الرفاعي واستمرار اختطاف 11 جثمانا لشهداء من الحركة الاسيرة، فإن الوضع يتطلب حراكا شعبيا وجماهيريا يرتقي الى مستوى المعركة التي يخوضها الأسرى داخل السجون الإسرائيلية، والتي قد تصل الى إضراب مفتوح عن الطعام للرد على مجمل السياسات والانتهاكات والعقوبات الجماعية وسن التشريعات العنصرية ضد الحركة الأسيرة الفلسطينية; ويجب أن تتواصل هذه الفعاليات وتتسع دائرتها لتعم كل أماكن وجود الشعب الفلسطيني ومن معه كل أحرار العالم المؤمنين بعدالة قضية الأسرى وضرورة الإفراج عنهم، ومنذ السابع من أكتوبر من العام الماضي يتعرض الأسرى والأسيرات داخل السجون والمعتقلات الإسرائيلية لهجمة غير مسبوقة في تاريخها منذ الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية عام ١٩٦٧ وبداية افتتاح السجون، حيث تمت مصادرة كل مقتنيات الحركة الأسيرة من داخل الغرف والأقسام وتمت إعادة الأسرى الى العصر الحجري داخل هذه السجون، حيث يعيش الأسرى على البلاط مع فرشات قليلة العدد والتي تُوزّع على الأسرى الساعة الحاديةَ عشرَة ليلاً وتُصادر الساعة الخامسة صباحا، فضلًا عن حملة تجويع الأسرى التي جعلت بعضهم يخسرون أكثر من عشرين كيلوغرامًا من أوزانهم داخل السجون الإسرائيلية، فكميات الطعام قليلة جدًا ورديئة كمًا ونوعًا، ولا يسمح للأسرى بالشراء من الكانتين ولا يُسمح لهم بالخروج الى الفورة، ويتعرض الأسرى للضرب والشبح وامتهان الكرامة من قبل وحدات القمع التي تعتدي عليهم في أي لحظة، وهي مدججة بالسلاح ومعها الكلاب البوليسية، ما أسفر عن ارتقاء 13 شهيدًا حتى اللحظة، آخرهم الأسير الشهيد عاصف الرفاعي، وتم اختطاف جثامين هؤلاء الشهداء ووضعهم في ثلاجات الاحتلال، إلى جانب استمرار سياسات الإهمال الطبي المتعمد ضد الحركة الأسيرة الفلسطينية حيث يرتقي الشهداء بفعل هذه الجرائم الطبية بحق الأسرى والأسيرات داخل السجون في ظل غياب أيّ رقابة أو محاسبة من قبل كل المؤسسات الحقوقية الدولية العاملة في الاراضي الفلسطينية، وعلى رأسها اللجنة الدولية للصليب الأحمر التي لم تستطع خلال ستة أشهر من حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني من زيارة أسير فلسطيني واحد داخل السجون الإسرائيلية، فيما تتواصل عملية حرمان الأسرى من زيارة الأهل والمحامين وعزلهم جماعيًا والاعتداء عليهم وفصلهم إعلاميًا عن عالمهم الخارجي، فلم تعد لهم أيّ وسائل اتصال كما كانت قبل السابع من أكتوبر، ولا يشاهدون أي قناة فضائية وبدون أيِّ زيارات. وقد وصل عدد المعتقلين في الضفة الغربية منذُ السابع من أكتوبر 7780 معتقلًا، تم تحويل غالبيتهم الى الاعتقال الإداري، بينهم أربعون طفلاً وإحدى عشْرةَ امرأة وفتاة فلسطينية في الاعتقال الإداري الذي يتم بناء على ملفات سرية ويتم من خلاله تثبيت الاعتقال الإداري للأسرى في محاكم صورية.
هذا كلّه يأتي إلى جانب حملات الاعتقال لأسرى غزة الذين لا تتوفر معلومات عن عددهم أو ظروف اعتقالهم إلا عبر من يُفرج عنهُ منهم وعبر الشهادات الحية المرعبة لبعض حالات الاغتصاب والضرب والتجويع والإذلال وامتهان الكرامة ووضعهم في معسكرات سرية. وعثر في بيت لاهيا على جثامين ثلاثين مواطنًا فلسطينيا معصوبي الأعين ومقيدي الأيدي والأرجل، بعدَ أن أعدِموا بإطلاق الرصاص عليهم من نقطة صفر وهم أسرى أحياء!
ولا يملك الأسرى سوى لباس واحد داخل السجون ولا يسمح لهم بالاستحمام لفترات طويلة ولا تتوفر أدوات للنظافة وقص الشعر والأظافر، ما يؤدي إلى انتشار أمراض جلدية بين الأسرى والأسيرات، وما زالت الأوضاع الكارثية مستمرة، وما زالت الإجراءات الإسرائيلية خارج نطاق كل الأعراف والمواثيق الدولية وما زالت الحركة الأسيرة تعاني على أمل أن تكون هناك صفقة مشرفة تؤدي إلى تبييض السجون وإنهاء معاناتهم إلى الأبد، لأن الأوضاع داخل السجون أصبحت لا تطاق ولا يحتملها بشر، وإلى أن يحدث هذا لا بد من إسناد الحركة الأسيرة والوقوف إلى جانبها حتى تتحقق أهدافها بالحرية والخلاص من القيد والسجان وتنسم هواء الحرية في كنف الشعب والأهل والأحبة والأبناء، وما ذلك على الله ببعيد.
يشار الى ان هذا المقال أعد قبل استشهاد الأسير الراحل وليد دقة.
كلمة الهيئة العليا لمتابعة شؤون الأسرى والمحررين في المؤتمر الثامن الذي ينظمه التحالف الأوروبي لمناصرة أسرى فلسطين.