أهمية التوجيه المهني والمعنوي للشباب في ضائقة
الشباب والشابات في ضائقة هم فئة الشباب الذين يواجهون تحديات وصعوبات ومتاعب في حياتهم الشخصية أو المهنية أو الاجتماعية، وهنالك العديد من المصطلحات والتسميات التي تفسّر من هم الشباب في ضائقة إلا أن لكل مؤسسة حكومية تعريفاً مختلفاً لفئة الشباب في ضائقة. على سبيل المثال تعتبر المدارس أن الشباب في خطر أو في ضائقة هم من لم يكملوا التعليم الثانوي أو لم يجتازوا مرحلة "التوجيهي" (البجروت) أو تسربوا من المدرسة قبل إنهاء المرحلة الثانوية، أما وزارة الاقتصاد ومكاتب التوظيف فتعتبر أن الشباب في ضائقة هم الذين ليس لديهم عمل أو أي إطار للتعليم المهني الوظيفي، وأما مكاتب الرفاه فتنظر إلى الشباب في ضائقة من خلال عدة جوانب مركبة، منها الأمور العائلية وترعرع الشباب وتنشئتهم الخاطئة. قد تكون هذه الضائقة نتيجة لعدة عوامل، مثل البطالة، ضعف الفرص الاقتصادية، قلة التعليم، الفقر، التمييز، الضغوط الاجتماعية، المشاكل الصحية النفسية، التفكك الأسري، تعاطي المخدرات والممنوعات وغيرها من التحديات الشخصية والاجتماعية التي يصادفها الشاب او الشابة.
نتيجةً لذلك، يجد الشباب في ضائقة، عادةً، صعوبة في العثور على فرص عمل مناسبة أو تحقيق الاستقرار المالي، مما يؤثر على قدرتهم على تحقيق طموحاتهم وأهدافهم في الحياة وقد يشعرون بالعزلة الاجتماعية أو عدم الانتماء ويواجهون صعوبات في بناء علاقات جديدة أو في التفاعل مع المجتمع وقد يعانون أيضًا من مشاكل نفسية، مثل القلق والاكتئاب، نتيجة الضغوط والتحديات التي يواجهونها. وبالتالي، فإن العديد من الشباب في ضائقة ينحدرون إلى العنف والجريمة واستهلاك الممنوعات كَملاذ ولإيجاد أطر بديلة عن تلك التي لم يجدوا فيها فرصاً وانتماءً.
للتغلب على هذه الضائقة، تعمل العديد من البرامج الحكومية اليوم على توفير فرص تعليمية وتدريبية مناسبة، وتعزيز فرص العمل والتوظيف وتوفير الدعم الاجتماعي والصحي اللازم للشباب، بمرافقة اخصائيين اجتماعيين، لتقديم التوجيه والتأهيل الصحيحين لهم ولعائلاتهم. فمن الممكن أن يساعد تعزيز التواصل والتفاعل الاجتماعي وتشجيع المشاركة الشبابية وخلق أطر احتواء للشباب في صنع القرار والحوار المجتمعي في تخفيف ضائقة الشباب وتحسين وضعهم.
ولكن تهميش فئة الشباب في ضائقة بالتحديد يمكن أن يؤدي إلى عواقب وتأثيرات سلبية على الفرد والمجتمع وهنا أطرح لكم بعض الأمثلة التي من الممكن ان تكون شائعة لعواقب تهميش هذه الفئة:
فقدان الثقة والانعزال الاجتماعي: يشمل هذا فقدان الثقة بالنفس وفقدان الثقة بالمجتمع ويمكن أن يشعر الشباب في ضائقة بالعزلة والانفصال عن المجتمع وأن يتجنبوا المشاركة الاجتماعية والانخراط في الأنشطة الاجتماعية، مما يؤثر على صحتهم النفسية وقدرتهم على بناء علاقات إيجابية.
تقلّص الفرص الاقتصادية: يمكن أن يواجه الشباب في ضائقة صعوبة في العثور على فرص عمل مناسبة ومستدامة. وقد يؤدي هذا إلى البطالة وعدم الاستقرار المالي، مما يمسّ بقدرتهم على تحقيق الاستقلال المالي وتلبية احتياجاتهم الأساسية.
انعدام التعليم وتأثيراته طويلة الأمد: قد يتعرض الشباب في ضائقة لتحديات في الحصول على التعليم الجيد والفرص التعليمية. وقد تترتب على ذلك تأثيرات سلبية على حياتهم المهنية وفرصهم المستقبلية.
تفشي السلوكيات الضارة: في بعض الحالات، قد يكون التهميش والضائقة سببًا للجمود الاجتماعي والتفاعل مع مجموعات سلبية. يمكن أن يلجأ الشباب إلى سلوكيات ضارة مثل تعاطي المخدرات واستخدام العنف والانحدار إلى منظمات اجرام والتورط في أنشطة جنائية غير قانونية.
فقدان الأمل والاحباط: عندما يشعر الشباب بعدم القدرة على تحقيق أهدافهم وتحقيق تطلعاتهم، قد ينتج عن ذلك فقدان الأمل والإحباط، مما قد يؤدي إلى تدهور صحتهم العقلية والنفسية وانخفاض مستوى رضاهم العام في الحياة، الأمر الذي يؤدي إلى عواقب وخيمة تشمل الأذى الذاتي أو أذيّة أفراد العائلة أو أفراد المجتمع ككل.
لتجنب هذه العواقب، يجب أن يكون هنالك تعاون مشترك مع الجمعيات والبرامج الحكومية والمنظمات والمجتمعات التي يتم ملاءمتها بشكل خاص لهذه الفئة وتوفير أطر خاصة لها، وذلك لتعزيز فرص الشباب وتوفير الدعم اللازم لهم. ويشمل ذلك تحسين فرص التعليم والتدريب المطلوب وتوفير فرص عمل مناسبة ومستدامة وتعزيز المشاركة الشبابية وإشراكهم في صنع القرار وتقديم الدعم الاجتماعي والصحي اللازم.
وتعد مرافقة الشباب في ضائقة من ناحية نفسية ومعنوية وتوفير التوجيه الأكاديمي والمهني لهم عن طريق توفير الأطر اللازمة أمراً بالغ الأهمية في تقليل الانحدار واللجوء للعنف والجريمة في مجتمعنا. وهنا بعض الأمثلة التي تحث على ضرورة توجيه الشباب:
تعزيز الوعي والتعليم: من خلال توجيه الشباب، يتم تعزيز الوعي بالقيم والأخلاق وحقوق الإنسان والمسؤولية الاجتماعية. يمكن توفير التوجيه اللازم من خلال البرامج التعليمية وورش العمل والأنشطة التثقيفية منها، على سبيل المثال، حضور ندوات ومحاضرات أو برامج لتعزيز التعليم أو ورشات عمل تفاعليّة وجماعيّة.
توفير الدعم والمساعدة: يمكن أن يعاني الشباب في ضائقة من مشاكل وصعوبات شخصية واجتماعية ومن خلال توجيههم، يتم توفير الدعم والمساعدة اللازمة للتعامل مع هذه المشاكل والتغلب عليها بشكل إيجابي من خلال البرامج الحكومية أو المحلية التي يتداخل فيها الأخصائي الاجتماعي والنفسي والموجه المهني.
تعزيز المهارات الحياتية: يمكن لتوجيه الشباب أن يساعدهم في اكتساب المهارات الحياتية الضرورية مثل التواصل الفعال، حل المشكلات، إدارة الوقت واتخاذ القرارات الصحيحة التي لها علاقة بمهارات القرن الحادي والعشرين والمهارات الناعمة المطلوبة في حياتنا اليومية. وهذه المهارات تساعدهم على التكيف مع التحديات وتحسين فرصهم في النجاح والازدهار بشكل أفضل.
توفير فرص العمل والتعليم: يساهم توجيه الشباب في ضائقة في توفير فرص العمل والتعليم المناسبة لهم. يشمل هذا توجيههم نحو برامج التدريب المهني والتعليم العالي وتوفير فرص العمل المستدامة، مما يساعدهم على تحقيق الاستقلالية المالية والتفاعل الإيجابي في المجتمع وإيجاد بدائل للانخراط في المجتمع والأطر السليمة.
تعزيز الانتماء والمشاركة المجتمعية: يمكن لتوجيه الشباب أن يعزز الانتماء المجتمعي والمشاركة الإيجابية في الأنشطة المجتمعية من خلال توفير الفرص لهم للمشاركة في الأنشطة الاجتماعية والعمل التطوعي، الأمر الذي يعزز لديهم الشعور بالانتماء والمسؤولية نحو المجتمع، وبالتالي يتجنبون الانجراف نحو السلوكيات العدائية والجريمة.
توفير أطر لا منهجيّة: يؤدي هذا الى خلق أطر للشباب (أطر رياضية وفعاليات وأنشطة اجتماعية) تملأ وقتهم وتجنبهم الانحراف نحو مسارات ضارة.
توفير أطر وفرص مهنيّة غير أكاديميّة: التوجيه المهني لا يقتصر على توجيه الشباب إلى أطر أكاديمية وجامعيّة، لأن التوجيه المهني للشباب وتوفير فرص اضافيّة لهم لاكتساب مهنة وحرفة تتلاءم مع ميولهم واهتماماتهم هو أيضاً عنصرٌ هام للغاية ويوفّر مصدر رزق يمكّن الشاب من توفير الاستقرار النفسي والاقتصادي والاندماج في المجتمع بشكل إيجابي. يشمل هذا التوجيه توفير الفرص لبدء العمل في مصلحة أمام أو تأسيس مصلحة خاصة والانخراط في المهن الحرفيّة المختلفة.
ومن تجربتي كعامل وأخصائي اجتماعي، رافقت العديد من الشباب في ضائقة وعائلاتهم عن طريق مساندتهم ودعمهم لبلوغ الهدف المرجو، رغم التحديات والحواجز التي ذكرت أعلاه، إلا أن لدينا قصص نجاح بين أبناء مجتمعنا، أذكر منها على سبيل المثال: تمت مرافقة إحدى الشابات في ضائقة فوق سن الـ 20 عاماً للتعليم الأكاديمي، رغم الصعوبات الاقتصادية والنفسيّة والمادية والاجتماعيّة التي واجهتها العائلة. فقد كان هنالك تهديد من قبل الكلية بإخراج الشابة من التعليم إذا لم يتم دفع قسط التعليم. وبعد عدة جلسات مكثفة والتوجه إلى برامج وصناديق دعم تساعد في دفع أقساط التعليم، بما فيها صناديق المنح الملائمة للعائلات التي تعاني من وضع اقتصادي صعب، نجحنا في توفير المنح اللازمة للشابة. وهكذا تم اخراج الفتاة من المأزق وواصلت تعليمها بنجاح ثم انخرطت في سوق العمل بما يتلاءم مع تأهيلها الأكاديمي. ولا يقتصر هذا على إتمام التعليم فقط، بل ساهمت المرافقة والدعم أيضاً في رفع الثقة وتقديم الاحتواء والدعم وبالتالي تحفيز الشابة وتذويت قيمة عدم الاستسلام. وقد أدى ذك كله إلى انخراط الشابة أيضاً في نشاطات ومبادرات تطوعية وتقديم المساعدة لآخرين من أبناء مجتمعها كما حذا حذوها شابات وشبان آخرون.
نحن ندرك تماماً أن أي تأثير إيجابي على شريحة الشباب في ضائقة، والذين يشكلّون نسبة كبيرة من مجتمعنا، بما يشمل دعمهم نفسيّا وتوفير الأطر الصحيحة لهم ومرافقتهم المعنويّة والمهنيّة والأكاديميّة، لا بُد أن ينتهي بتحسين أوضاعهم وأوضاع عائلاتهم والتقليل من العنف والجريمة، كما يساعدهم على اكتساب المهارات والمعرفة اللازمة لتحقيق نجاحهم الشخصي الذي ينعكس إيجابياً على مجتمعنا من ناحية اقتصادية ومن ناحية الأمن والأمان.
أمير أبو حسين
يحمل اللقب الأول في العمل الاجتماعي، موجِّه مجموعات ومرشد سياحة ومغامرات، وطالب لقب ثاني في إدارة الأعمال في جامعه حيفا. مؤسس شريك ومدير شركة "ماجلان"