داخل القانون، خارج العدالة: تعدد الزوجات، المواطنة الجندرية والاستعمار

نشرت مؤخرا المحامية د. راوية أبو ربيعة كتابها ""داخل القانون، خارج العدالة: تعدد الزوجات، المواطنة الجندرية والاستعمار في القانون الإسرائيلي""، ويأتي الكتاب الجديد وهو من إصدار العام الجاري 2022، تتويجا لإصداراتها السابقة [1]التي قامت بها الباحثة الحقوقية والناشطة النسوية د. أبو ربيعة التي تتعامل مع القانون الإسرائيلي [2] في سياق دراسات الاستعمار الاستيطاني وتأثيره المباشر على المرأة على الحدود الإسرائيلية الفلسطينية، بالتركيز على المرأة البدوية في النقب. ومما جاء في مقدمتها للكتاب ""دخول المناطق الإسرائيلية، تعني في الوعي اليهودي حق العودة للفلسطينيين من خلال ""البوابة الخلفية""، مجرد طرح حق العودة وهو أحد أبرز تجليات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في الرجوع الى الديار التي شردوا منها ينظر إليه على أنه خطر محدق على أمن إسرائيل وتركيبتها الاستعمارية الاستيطانية التي تعتمد أساسا على الأغلبية اليهودية.

منهجية الكتاب [3]

اعتمد الكتاب على ثلاث طرق بحث رئيسية، تستند الأولى على عمل ارشيفي الذي يكشف مستندات مجهولة تكشف للمرة الأولى، الى جانب تحليل تاريخي الذي يرصد تطور النقاش الحقوقي والاحكام القضائية التي قضت بموجبها الأحكام والبنى القضائية منذ الانتداب البريطاني حتى الأيام الأولى للدولة الناشئة حديثا إسرائيل.

تقترح طريقة البحث الثانية المستخدمة في الكتاب تحليلا نصيا شاملا للمداولات السياسية التي دارت في المؤسسات الإسرائيلية حديثة الانشاء منذ سنوات الخمسين وحتى ثمانينيات القرن الماضي. فيما اعتمدت طريقة البحث الثالثة على عينة واسعة جدا من القضايا التي طرحت في أروقة المحكمة الشرعية في مدينة بئر السبع بين الأعوام 2008-2016. لم تنشر هذه القضايا ويناقشها الكتاب هُنا للمرة الأولى.

دمج طرق البحث الثلاث منحت الكتاب آفاقا رحبة في البحث ما وراء تعدد الزوجات استنادا إلى الاتجاهات الثلاث: النقاش القانوني، الرؤية السياسية وتحديدا من خلال عدسة ""القانون وتطبيقه في الميدان"". إضافة إلى أن دمج طرق البحث المختلفة منحت كتاب ""داخل القانون، خارج العدالة: تعدد الزوجات، المواطنة الجندرية والاستعمار في القانون الإسرائيلي"" فحص نتائجه العملية من خلال اتباع سياسة عدم تطبيقه في الحقل بشأن تعدد الزوجات وصولا إلى جذور الاستعمار (الكولونيالية) [4. لم يكن للكتاب أن يبصر النور لولا اعتماده على مواد الأرشيف المتاحة جزئيا لدى أرشيف الدولة القومي، إضافة الى أرشيف الجيش الإسرائيلي، وأرشيف المحكمة الشرعية في بئر السبع.

فصول الكتاب [5]

الفصول الأربعة التي يتدرج فيها الكتاب من الحيز العام إلى الخاص هي على النحو التالي: الأول – تاريخي الذي يعالج الجانب النظري في الصلة الرابطة بين الاستعمار والجندر، في التركيز على تاريخ الاستعمار البريطاني. هدف هذا الفصل الافتتاحي هو تحديد تعدد الزوجات لدى العربي البدوي في إسرائيل في إطار مقارن أوسع إقليميا. حيث يظهر الرؤية الاستعمارية التي ترتكز من جهة أولى على الرغبة في الحفاظ على سلطة فعالة، ومن الجهة المقابلة على الرغبة في جلب التقدم للسكان التي ينظر المستعمر إليهم نظرة تخلف ورجعية فاشلة غير مواكبة للعصر، عندما يكون دفع الثمن من أجل الوصول إلى حل وسط يجمع الحاكم بالمحكوم على حساب دور المرأة التي تتحمل هذا العبء، حيث يتم تحليل الاجرام الصادر بحق المرأة من خلال تعدد الزوجات وإعفاء الرجل المسلم من دفع ثمن هذا التجاوز في ظل الانتداب البريطاني. وتساق من خلال هذا الفصل وجهات نظر سياسية موسعة في النظام الاستعماري التي يرجح فيها الحكم بالاعتماد على المصلحة السياسية الخاصة بالنظام الاستعماري من خلال الأمثلة من أفريقيا وآسيا. ومن خلالها ندرك العلاقات التاريخية ذات الصلة فيما يتعلق لتعدد الزوجات لدى العرب البدو في إسرائيل، كما يستدل الفصل أن الطرق المتبعة من قبل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تجاه البدو هي نتاج تاريخ طويل في علاقاته مع الاستعمار.

يعالج الفصل الثاني تاريخ سن القوانين الإسرائيلية التي تعالج تعدد الزوجات وتلفت الانتباه مجددا الى الأسباب التي أدت إلى اعتمادها وتبني الاحتكار الديني على الزواج والطلاق في الدولة. عانت المرأة المسلمة لعقود طوال من تهميش متعمد في جوانب الحياة وكذلك من حقل البحث الأكاديمي أضف الى ذلك قانون الاسرة، يعالج هذا المبحث التاريخي حجم الهوة بين القانون الحرفي والتطبيق العملي بما يتعلق بالتعدد والحالة الفردية في إسرائيل، بالاعتماد على سنوات إسرائيل الأولى في 1951-1959. الذي يظهر جليا التناقض بين القانون في تلك السنوات التي أخرج التعدد خارج نطاق القانون الإسرائيلي من جهة، وفي الجهة الثانية التطبيق السياسي الحكومي الاستعماري المتبع في تطبيق القانون على الفرد في إسرائيل.

يظهر الفصل الثالث التطبيق العملي للقانون، كيفما يظهر في إصدار الأوامر في المحكمة الشرعية في بئر السبع، من جهة تقوم المحكمة الشرعية بتفعيل القضاء الشرعي، ومن جهة ثانية فإن المحكمة الشرعية ما هي إلا ذراع تنفيذية للمؤسسة القضائية الإسرائيلية الرسمية ولذلك فإنها تابعة لسلطتها وتخضع للقانون المدني وقانون العقوبات. يبرز هذا الفصل الثقافة القانونية وقرارات المحكمة التي تعالج تعدد الزوجات في أروقتها، وبذلك تظهر تأثيرها المخل بمكانة المرأة البدوية من الناحية القانونية.

يتعامل الفصل الرابع من الكتاب مع سياسات تطبيق القانون في إسرائيل المتعلقة بتعدد الزوجات، مع الإشارة إلى أن اللجان التي تعاملت مع الموضوع – الأولى في العام 1981 برئاسة الحقوقية بليا البيك (1937-2005) التي اشتهرت بمرافقتها إنشاء التشريعات القانونية للمستوطنات ومنحها مظلة قانونية. واللجنة الثانية في العام 2017 برئاسة الحقوقية ايمي بالمور التي شغلت فيما بعد مديرة عامة لوزارة القضاء الإسرائيلية.

الخط الديمغرافي-الأمني كان واضحا للعيان، وهو الجزء الواصل بين هاتين اللجنتين، اذ ان اقامتهما لم ينبع من اعتبارات التي تصب في مصلحة من تأذت من منظومة التعدد، وهي المرأة البدوية وأطفالها، إنما من اعتبارات اعتبرت تعدد الزوجات خطرًا مباشرًا على الديمغرافيا اليهودية. سياسة عدم تطبيق القانون بشأن تعدد الزوجات لدى البدو يتم النظر اليها على انها امتدادا حتميا للتاريخ الاستعماري المتجذر في نظام الحكم.

الإحالات:

نشرت المحامية د. أبو ربيعة عشرات المقالات في الصحف والمجلات الإقليمية والدولية التي تتناول فيها التحليل النقدي والنسوي للقانون مع القرى غير المعترف بها بالتركيز على العلاقة بين قانون الأسرة والجندر والأقليات في سياق الاستعمار الاستيطاني وحقوق الإنسان، الى جانب الدراسات الحقوقية الاكاديمية المحكمة، أبرزها: تنظيم الاستعمار الاستيطاني للزواج عبر الحدود الإسرائيلية – الفلسطينية. القانون على الورق مقابل تطبيق القانون في الميدان: تعدد الزوجات في ظل دولة اليهود. بناء الأمة، والأسرة، والمواطنة: التمثيل القانوني للمرأة المسلمة في الحظر المفروض على شرط الجمع بين زوجتين. حقائق وتحديات: حق التعليم للفتيات البدويات العربيات في إسرائيل.

أبو ربيعة، راوية (2022) داخل القانون، خارج العدالة: تعدد الزوجات، المواطنة الجندرية والاستعمار في القانون الإسرائيلي، اصدار الكيبوتس الموحد، سلسلة أجناس.

أصدر الكتاب بدعم قسم الدراسات الثقافية في كلية العلوم الإنسانية - جامعة تل أبيب، مركز منومدن للقانون اليهودي والديمقراطي في كلية الحقوق – جامعة بار ايلان، وقسم الحقوق في الكلية الاكاديمية سبير – النقب الغربي

د. أبو ربيعة، راوية: لم تنبع ظاهرة تعدد الزوجات في المجتمع العربي البدوي من فراغ، بل هي تمارس في نقطة تقاطع السلطة الاستعمارية والسلطة الأبوية. المصطلحان ""الكولونيالية"" و ""الابوية"" مشحونان، السلطة الاستعمارية تعزل وتفصل المجتمع داخليا من خلال دعم المنظومة القبلية التقليدية، ومن خلال ممارسات تعدد الزوجات السلطة الأبوية هي الطريقة التي يمارس من خلال الرجال هيمنتهم على النساء البدويات في مجتمع هرمي يرتكز على الفروق الجندية (الكتاب: ص 38-42)

بروفيسور يهودا شنهاف- شهرباني (متقاعد) جامعة تل أبيب، الذي يشغل في معهد فان لير-القدس منصب رئيس تحرير سلسلة مكتوب لترجمة الأدب العربي إلى العبرية، عن كتاب الدكتورة راوية أبو ربيعة ""إنتاج بحثي وثقافي مرموق وأصيل الذي يعالج قضية تعدد الزوجات، على الرغم من أن القانون الإسرائيلي يرى في التعدد تجاوزًا جنائيًا، إلا أنه على أرض الواقع 20 الى 24% من الرجال البدو متزوجون من أكثر امرأة واحدة. أبو ربيعة تعلمنا أن انتقائية تطبيق القانون هي فعلا استراتيجية سياسية مزدوجة ""إجرامية"" و ""استشراقية"" حيال المجتمع البدوي. قمع المرأة البدوية من قبل النظام الأبوي والقانون الاستعماري الإسرائيلي. هذا كتاب اجباري على تقاطع الجندر، والاثنية، والجندرية، والاستعمار في إسرائيل وخارجها.

كاتبة المقال: د. راوية أبو ربيعة وهي ناشطة حقوقية ونسوية، حاصلة على اللقب الأول في قسم الخدمات الاجتماعية من جامعة بن غوريون في النقب، واللقب الثاني في القانون الدولي من الجامعة الأميركية في واشنطن عن اطروحتها ""الكولونيالية، والبطركية والمقاومة""، ودرجة الدكتوراه في الحقوق متعددة المجالات في برنامج ""حقوق الإنسان تحت الضغط - الأخلاق والقانون والسياسة"" المشترك بين الجامعة العبرية في القدس وجامعة برلين الحرة عن رسالتها ""الحقوق الزوجية للمرأة الفلسطينية: الاستعمار بالقانون""، وزميلة بحث لنيل درجة ما بعد الدكتوراه، وهي محاضرة بقسم الحقوق في الكلية الأكاديمية سبير - النقب الغربي.

ترجمة: كايد أبو الطيف وهو باحث في مجال الدراسات الثقافية، ومبادر منصة ""هُنا الجنوب"".

مصدر الصورة: سيدة بدوية جالسة بجانب مقصف الخلاص (يشوعا) مدينة بئر السبع، في العام 1971 – مكتبة الكونغرس.

د. راوية أبو ربيعة

ناشطة حقوقية ونسوية، حاصلة على اللقب الأول في قسم الخدمات الاجتماعية من جامعة بن غوريون في النقب، واللقب الثاني في القانون الدولي من الجامعة الأميركية في واشنطن عن اطروحتها "الكولونيالية، والبطركية والمقاومة"، ودرجة الدكتوراه في الحقوق متعددة المجالات في برنامج "حقوق الإنسان تحت الضغط - الأخلاق والقانون والسياسة" المشترك بين الجامعة العبرية في القدس وجامعة برلين الحرة عن رسالتها "الحقوق الزوجية للمرأة الفلسطينية: الاستعمار بالقانون"، وزميلة بحث لنيل درجة ما بعد الدكتوراه، وهي محاضرة بقسم الحقوق في الكلية الأكاديمية سبير - النقب الغربي

شاركونا رأيكن.م