غيبية سياسيًا وظلامية اجتماعيًا حكومة نتنياهو السادسة... الأكثر عدوانية للفلسطينيين وطمعًا في وطنهم

بعد نحو الشهر على انطلاقها، تشهد حكومة نتنياهو السادسة خلافات وهزات داخلية آخرها إقالة وزير الداخلية والصحة امتثالًا لقرار المحكمة الإسرائيلية العليا على خلفية التماسات جهات حقوقية ترى أن وزارته فاقدة للشرعية. وقد بدأت ترتسم منذ الآن تساؤلات عن مستقبلها وعمرها. بين هذا وذاك، يجمع مراقبون إسرائيليون أيضًا على كونها الأكثر يمينية وتطرفًا تجاه العرب والفلسطينيين ومحافظة ظلامية تجاه الإسرائيليين أنفسهم منذ تشكيل حكومة الاحتلال الأولى في ربيع 1949، غداة نكبة فلسطين عام 1948. يأتي ذلك على خلفية مشاركة أحزاب متشددة سياسيًا واجتماعيًا وتعيين وزراء كانوا حتى الأمس يمارسون الترويع والإرهاب مع "شبيبة التلال" الاستيطانية، أمثال إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش. وهؤلاء ليسوا شركاء اعتياديين لنتنياهو. فقد اضطر أن يقدم مقدرات الحكومة، بل مقدرات الدولة، من أجل إرضائهم ودفعهم لتوقيع اتفاق تحالفي مع حزبه "الليكود"، بعد "مزاد علني مخجل وعملية ابتزاز مهينة وخطيرة"، كما وصفتها أوساط إسرائيلية من اليسار ومن اليمين. نتنياهو، الذي يخضع لمحاكمة بتهم فساد والطامع بالعودة بكل ثمن لسدة الحكم، خضع لكل مطالب وشروط شركائه. ولذا، هناك من يعتبر حكومة نتنياهو السادسة أنها حكومة بن غفير وسموتريتش فعلياً. وقد عبّر عن هذه الحالة رسم كاريكاتيري في صحيفة "هآرتس" ظهر فيه نتنياهو ملكًا عاريًا من ثيابه وممتلكاته ولم يتبق سوى تاج يتيم على رأسه ومن حوله رؤساء الأحزاب الصهيونية المشاركة في حكومته وقد نهبت وسلبت كل ما وقع نظرها عليه. وعلى خلفية ذلك يكرّر رئيس حكومة الاحتلال السابق، رئيس المعارضة، أن نتنياهو المكلف بتشكيل حكومته السادسة هو اليوم في حالة ضعف غير مسبوقة فيما قال نائب عن حزبه ("يوجد مستقبل")، موشيه تور باز، إن إسرائيل باتت للبيع وفق ما تكشف عنه اتفاقات الإئتلاف بين حزب "الليكود" وبين الأحزاب اليمينية المتشددة. وقال تور باز في مقال نشرته صحيفة "معاريف" إن الإئتلاف الجديد يقوم بتجريد وزارات من صلاحياتها واقتلاع أجنحة من وحداتها، ويبدو كل شيء شرعياً ويسير نحو قيام أكثر الحكومات تطرفاً واستقطاباً نشهده حتى اليوم في الدولة. وتابع: "نسأل أنفسنا: هل صحيح أن الشعب قال كلمته، وهناك 64 عضواً في الكنيست فقط يشكلون جزءاً من حكومة نتنياهو، ولا يوجد خيار آخر. إذاً، لماذا استغرقت المفاوضات وقتاً طويلاً؟ ولماذا، من أجل الوصول إلى هناك، يقوم نتنياهو بتمزيق القطاع العام ويلحق ضرراً مباشراً بالخدمات التي سيحصل عليها المواطنون الإسرائيليون؟". 

نتنياهو ضعيف

 وبرأيه، الجواب بسيط: نتنياهو ضعيف، يتعرض للضغط وللابتزاز، وشركاؤه يدركون ذلك. هم يدركون أن نتنياهو يريد الانتهاء من محاكمته وتفادي السجن ومن أجل هذه الغاية هو بحاجة إلى حكومة. وهذا ما كمن خلف السماح لبن غفير بالقيام باقتحام الحرم القدسي، رغم علمه بالأثمان المتنوعة المترتبة خاصة عن علاقات التطبيع. فهو هو يضطر إلى تأجيل زيارته إلى الإمارات بعدما كان يفترض القيام بها هذا الأسبوع. ويضيف: "ولعدم وجود خيار غير حكومة يمين بالكامل، فإنهم يمارسون الابتزاز. ومقابل المزاعم بأن نتنياهو يتعرض للضغط السريع والابتزاز المهين، هناك من يرجح أنه معني فعلًا بالخطوات المتطرفة هذه، كي يبدو العاقل الوحيد داخل هذه المركبة الحكومية المنفلتة، إن كان بعيون الإسرائيليين أنفسهم أو أمام العالم".

بين هذا وذاك، تدل نصوص الاتفاقات الإئتلافية بين "الليكود" وبين بقية الأحزاب المشاركة في حكومة نتنياهو السادسة على أنها عدوانية ومتطرفة وطامعة جدًا باستكمال الاستيلاء على وطن الفلسطينيين وفيها أوساط معنية بالدفع نحو حسم الصراع معهم. ولذا، من غير المتوقع ألا يكّرر "نتنياهو السادس" موقفه الرافض لتسوية الصراع مع الشعب الفلسطيني ورفض التفاوض مع منظمة التحرير الفلسطينية، كما فعل في حكوماته السابقة، بل سيلجأ لاتهام الفلسطينيين بالجمود. نتنياهو الذي بلغ سدة الحكم للمرة الأولى في 1996 بعدما رفع شعار معارضة تقسيم القدس والدعوة للتمسك باحتلال البلاد من بحرها إلى نهرها، من المتوقع أن يحاول تعميق وتوسيع التطبيع مع دول عربية دون تسوية القضية الفلسطينية تطبيقًا لشعار رفعه منذ سنوات رفض فيه مبدأ "الأرض مقابل السلام".

مستقبل التطبيع

والسؤال هل تأخذ الأنظمة العربية جرائم حكومة الاحتلال بالحسبان في تطبيعها معه؟ محلل الشؤون العربية في صحيفة "هآرتس"، تسفي بارئيل، يوضح معقبًا على اقتحام بن غفير الحرم القدسي الشريف بدوافع حسابات المصالح الإسرائيلية المتنوعة بالقول إن ردود الفعل على "صعود بن غفير للجبل" تظهر أنه رغم اتفاقات أبراهام، إلا أن الدول العربية لا تنوي إزالة القضية الفلسطينية عن الطاولة.

 في تحليل بعنوان "قمة محمد بن سلمان ومحمد بن زايد وبن غفير في الحرم بدون أبو يائير"، يرجح بارئيل أن سلوك وزراء نتنياهو المنفلتين سيضيق هامش مناورته السياسية ويحّدون من احتمالات تطوير التطبيع كمًا وكيفًا، رغم أن عملية التطبيع تخضع لاعتبارات وحسابات ومصالح متنوعة كثيرة. كذلك يعتبر بارئيل أن سلوك بن غفير وسموتريتش سيبعد حلمه بإدخال السعودية لنادي التطبيع، رغم أن ولي عهدها محمد بن سلمان معني ويريد التقرب من إسرائيل لحسابات تتعلق به وبمصالحه، وخاصة العلاقة مع البيت الأبيض.

العلاقات مع الولايات المتحدة

رغم التحذيرات والتحفظات الصادرة عن البيت الأبيض من تعيين بن غفير وزيرًا مركزيًا في حكومة الاحتلال الجديدة ورغم تسريبات عن أنها لن تتعامل معهما، فقد أعلنت واشنطن نهاية الأسبوع المنصرم أنها مستعدة لفرض قرار النقض "الفيتو" على أي قرار أممي تتخذه الأمم المتحدة بإدانة إسرائيل على اقتحام بن غفير الذي أدانته أوساط صهيوينة إسرائيلية وعالمية. ويبدو أن هذه الازدواجية تنطبق على بقية دول الغرب التي تؤثر منظومة المصالح على منظومة القيم في علاقاتها مع إسرائيل مما يدفعها لصرف النظر عن جرائمها وانتهاكاتها للقوانين الدولية والقرارات الأممية منذ عقود أو الاكتفاء باستنكارات فارغة من أي جدوى ومن أي عقوبات وخطوات فعلية، بعكس الموقف من احتلال روسيا لأوكرانيا على سبيل المثال.

حكومة ظلامية

وتعتبر حكومة نتنياهو الأكثر يمينية وظلامية على المستوى الإسرائيلي الداخلي أيضا فهي تناصب العداء للعرب وللأقليات والنساء (خمس نساء من بين 35 وزيرا) والمثليين وغيرهم. وشرعت الأحزاب الدينية على أنواعها في تشريع قوانين وأنظمة تقرّب إسرائيل من دول الشريعة، بلغت حد زيادة مضامين اليهودية على حساب الرياضيات والعلوم واللغات الأجنبية في المدارس، تمكين الأطباء وأصحاب الفنادق من عدم تقديم علاج أو خدمة للمثليين، وهناك أنباء عن نية لإصدار أنظمة لفصل الرجال عن النساء في المسابح على سواحل البحر. وفيما يتعلق بفلسطينيي الداخل، هناك سلسلة تشريعات لتضييق الخناق عليهم أخطرها تغيير تعليمات إطلاق النار ودفع كتائب حرس الحدود لقمع المظاهرات في المدن الفلسطينية التاريخية مثل حيفا وعكا ويافا واللد والرملة على خلفية "هبة الكرامة" التي شهدتها هذه المدن وغيرها من البلدات في مايو/أيار 2021.

وبالتزامن تشهد إسرائيل ثورة في مجال التشريعات يقودها وزير القضاء المقرب جدًا من نتنياهو ياريف لفين وفيها يقوم بتقليص صلاحيات السلطة القضائية لصالح السلطتين التنفيذية والتشريعية وبتقليم أظفار محكمة العدل العليا وإخضاعها، بواسطة ما يعرف بـ "فقرة التغلب" التي ترمي إلى منع المحكمة العليا من التدخل وإلغاء قوانين يسّنها الكنيست. هذه الثورة القضائية التي يقودها لفين وتعتبرها أوساط إسرائيلية واسعة أنها "انقلاب" على الديموقراطية تواصل إشعال نقاش ساخن حول تبعاتها وماهيتها. قاضي المحكمة العليا المتقاعد يتسحاق زمير قال في مقال نشرته صحيفة "هآرتس" يوم الجمعة إن دولة تمنع فيها المحكمة العليا من إلغاء قرارات حكومية ليست ديموقراطية، بل هي نظام استبداد. في المقابل يرى البروفيسور في القانون، المحاضر في جامعة بار إيلان اليمينية التوجهات، إنه بجانب الحفاظ على استقلال الجهاز القضائي، ينبغي عدم الخوف من التغيير داعيًا للانفتاح عليه.

تغيير الوضع الراهن في الحرم

 كما تسعى حكومة نتنياهو فعليًا إلى تغيير ما يعرف بـ "الوضع القائم" داخل الحرم القدسي الشريف بواسطة الزحف خطوة خطوة وصولًا لفتح المكان للصلاة أمام اليهود ضمن مشروع أخطر غير معلن يقضي ببناء هيكل ثالث مزعوم في باحات الأقصى وقبة الصخرة وهذه واحدة من أهداف خفية لبن غفير في اقتحاماته للحرم تزامنًا مع انطلاقة حكومة الاحتلال الجديدة. هذا الأمر يدفع أوساطًا في إسرائيل، خاصة بين خريجي المؤسسة الأمنية، إلى التحذير من أن ذلك هو نوع من العبث ببرميل بارود من شأنه أن يشعل نارًا الكل يعرف أين وكيف تبدأ ولا أحد يعرف كيف وأين تنتهي وربما تشعل حربًا دينية خطيرة، كما يأتي في تحذيرات متكررة من رئيس القسم الأمني السابق في وزارة الأمن الجنرال في الاحتياط عاموس غلعاد الذي دعا نتنياهو إلى التدخل بسرعة ومنع تكرار مثل هذه "الزيارة الحمقاء".

وزيران للأمن والأمن الحقيقي مفقود

ومن تجليات عدوانية ودموية هذه الحكومة استئثار الوزير الغيبي المهووس بتسلئيل سموتريتش بصلاحيات أمنية. فعلاوة على تعيينه وزيرًا للمالية، هو وزير داخل وزارة الأمن مسؤول عما يعرف بـ "الإدارة المدنية" وما يعرف بـ "منسق أعمال الحكومة في المناطق"، مما يعني تحويله إلى حاكم فعلي للضفة الغربية ورأس حربة تنفيذيًا لتوسيع وتسمين المستوطنات. ويثير منح سموتريتش صلاحيات أمنية نقاشًا صاخبًا في صفوف الإسرائيليين حول المخاطر الأمنية المترتبة فيحذّر كثيرون من ازدواجية في إصدار الأوامر إضافة إلى تسييس المؤسسة الأمنية، بل ان هذه الازدواجية ادت إلى خلاف أول بين "الليكود" و"الصهيونية الدينية" التي قاطع وزراؤها جلسة الحكومة الأخيرة احتجاجًا على إخلاء البؤرة الاستيطانية "أور حاييم".

بين هذا وذاك تعتبر حكومة نتنياهو السادسة الأكثر عدوانية تجاه الفلسطينيين على طرفي الخط الأخضر والأبعد عن فكرة تسوية القضية الفلسطينية وهناك توقعات بانفجار وشيك مع الفلسطينيين ينطلق من القدس وينتشر في ارجاء البلاد. 


(استخدام الصورة بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال ملاحظات ل [email protected]).

وديع عواودة

كاتب صحافي ومحلل سياسي فلسطيني

رأيك يهمنا