أزمة المناخ كتحدٍّ لنا

"د. دوف حنين

مسيرة المناخ التي نُظِّمَت في تل أبيب قبل شهرين كانت الأكبر في البلاد. ملأ آلاف الشباب والشابات شوارع المدينة مطالبين صناع القرار بتغيير جذري في سلوك إسرائيل في مواجهة الأزمة. برز التنوع الكبير في المسيرة من اليهود والعرب، وسكان المركز، والشمال، والجنوب. في الواقع، على عكس بعض الدول الأخرى، فإن أزمة المناخ في إسرائيل ليست جزءًا من النقاش السياسي.

حين نواجه من يشككون بأزمة المناخ في إسرائيل، فعادة لا تكون إنكارًا للمشكلة نفسها ولا إنكارًا للمسؤولية عنها (وبخاصة حرق النفط والفحم والغاز الذي يبعث غازات الاحتباس الحراري للغلاف الجوي التي تعطل النظام المناخي). بالنسبة لنا، فإن التشكيك يركز على نقطة أخرى. كدولة صغيرة، يتساءل المتشككون، ما حصتنا في هذه المشكلة وماذا تعني التغييرات التي قد نجريها هنا؟

هناك عدة إجابات على هذا السؤال: أولًا؛ تكمن في فهم أن هذه الأزمة ليست شيئًا يحدث بعيدًا، لدى الدببة القطبية التي لا تجد جليدا للوقوف عليه، ولا شيئا سيحدث في المستقبل، في زمن أطفالنا أو أحفادنا. الأزمة تحدث هنا والآن: تتجلى في موجات الحر التي أصبحت أطول وأصعب، في التصحّر، في الحرائق التي تنتشر بشكل أسرع، في الفيضانات التي يقتل فيها الناس وكذلك في طالبي اللجوء الذين يأتون إلى هنا من شرق إفريقيا، من منطقة ضربها الجفاف بشدة. كما هو الحال في أي أزمة، فإن المتضررين هم في المقام الأول الفقراء، والفئات المستضعفة، والبلدات العربية المعترف بها وغير المعترف بها.

أزمة المناخ تلحق الضرر أيضًا بجيراننا: الأردن لديه بالفعل تقنين للمياه؛ في سوريا، هجر مليون ونصف المليون شخص المناطق الريفية وانتقلوا لازدحام الضواحي في سنوات الجفاف الثلاث التي سبقت اندلاع الحرب الأهلية الرهيبة هناك. إن تضاؤل مياه النيل في مصر يهدد قدرة جارتنا الكبرى في الجنوب على توفير الغذاء لسكانها.

هنا والآن، لأزمة المناخ عواقب اقتصادية واجتماعية وسياسية. يجب الاستعداد لمواجهة كل هذه الأخطار.

ولدينا أيضًا دور نلعبه في الجهد العالمي لتقليل حدة الأزمة. أولاً، نحن جزء من الإنسانية ويجب أن نكون جزءًا من الجهد المشترك لإنقاذها. ثانيًا، من حيث نصيب الفرد، نحن في وضع سيء: الحقيقة أن إسرائيل تحتل المركز العاشر في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري للفرد بين دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) يعني أن لدينا الكثير للتحسين. ثالثًا، على الرغم من أن إسرائيل تعتبر اقتصادًا صغيرًا في الحسابات العامة، وذلك إذا ما قورنت بالصين أو الولايات المتحدة، لكن السؤال المهم حقًا ليس عن دورنا في المشكلة، ولكن ما هو دورنا في الحل؟ وإجابتي عن هذا السؤال هي أنه لأسباب عديدة يمكننا أن نكون جزءًا مهمًا من الحل، بما في ذلك تعزيز الابتكار الاجتماعي والابتكار التكنولوجي.

لسوء الحظ، إسرائيل ليست موجودة في هذا المكان على الإطلاق، لا في الاستعدادات على المستوى المحلي ولا في الشراكة في الجهد العالمي للتخفيف من الأزمة. في الشهر الماضي، نشر مراقب الدولة تقريرًا صعبًا حول الإهمال المستمر: بالنسبة للاستعدادات - يشير المراقب إلى أن إسرائيل هي واحدة من الدول القليلة التي ليس لديها خطة تحضيرية مصادق عليها في الميزانية لمواجهة المخاطر القائمة. أما بالنسبة للشراكة في الجهد - تضع إسرائيل أهدافًا منخفضة السقف جدا، ورغم ذلك فإنها لا تحققها. عندما يكون هناك فقط أربعة موظفين في القطاع العام الذين يتعاملون مع أزمة المناخ - لا مفر من الاستنتاج بأن صانعي القرار في إسرائيل عاشوا ببساطة على كوكب آخر، بعيدًا تمامًا عن التحدي الهائل الذي يواجه البشرية على كوكب الأرض.

في مؤتمر قادة العالم لمواجهة أزمة المناخ، الذي انتهى مؤخرًا في غلاسكو، تعهد رئيس الوزراء بينيت أن إسرائيل ستصل إلى صفر انبعاثات لغازات الاحتباس الحراري في عام 2050، لكن السؤال الأكثر أهمية هو ما الذي سيتم فعله في عام 2022.

تغيير الاتجاه الذي نحتاجه هو أمر ملح. ومن المهم أن نفهم أن مثل هذا التغيير في الاتجاه يمكن أن يحسن أيضًا حياتنا هنا والآن: ثورة في وسائل النقل العامة النظيفة والناجعة ستحررنا أيضًا من الاختناقات المرورية؛ مساعدة السلطات المحلية المستضعفة في معالجة النفايات ستمنع حرائق النفايات التي تسمم السكان في العديد من مناطق البلاد؛ التحول السريع إلى الطاقة الشمسية سيوفر لنا المال؛ يمكن استبدال الإهمال الرهيب للقرى العربية في النقب بتحويل المنطقة إلى ""وادي السيليكون"" للطاقة الشمسية في إسرائيل مع إنقاذ السكان من حياة الفقر والضيق؛ تشجيع الزراعة النباتية في إسرائيل سيؤدي إلى إنتاج الكثير من الخضار والفواكه الرخيصة، وسيضمن لنا أيضًا الأمن الغذائي؛ المدن الصديقة للإنسان بدلًا من السيارات ستكون أيضًا أماكن ممتعة للعيش فيها.

نحن بحاجة إلى نموذج تطوير مختلف يحافظ على النظم الطبيعية، والتي لها أيضًا دور كبير في امتصاص الغازات المسببة للاحتباس الحراري من الغلاف الجوي. يجب أن تدعم الآليات الاقتصادية التي نحتاجها الاستدامة وليس تسريع الأزمة: بدلًا من فرض ضرائب على الأنشطة المفيدة مثل العمالة، يجب أن ننتقل إلى فرض ضرائب على التلوث وبدلًا من الاستثمار في الصناعات الملوثة، يجب أن نستثمر في الابتكار البيئي.

والأهم من ذلك، علينا تغيير علاقاتنا مع جيراننا الفلسطينيين ودول المنطقة، والتوصل إلى حل عادل للصراع، حتى نتمكن من بناء شراكة حقيقية معًا لمواجهة المخاطر وبلورة الحلول.

من أجل إحداث التغيير المطلوب، نحتاج إلى خلق تعاون واسع وحشد جميع القوى في مجتمعنا، بما يتجاوز الاختلافات السياسية والقطاعية. لقد أخذت على عاتقي مؤخرًا رئاسة منتدى المناخ الذي أطلقه الرئيس يتسحاق هرتسوغ. في خطاب تنصيبه، تعهد الرئيس بمعالجة الأزمة. ماذا يستطيع رئيس في إسرائيل ان يفعل؟ الرئيس ليس الكنيست - لا يستطيع التشريع. الرئيس ليس الحكومة - فهو لا يضع السياسات ولا يدير الميزانيات؛ الرئيس ليس المحكمة - فهو لا يصدر أحكاما. يمكن للرئيس دعوة جميع صناع القرار وجمعهم مع الأشخاص المتواجدين في واجهة التعامل مع المخاطر وفي واجهة البحث عن الحلول. هذا هو الغرض من منتدى المناخ.

هل يمكن للبشرية إجراء التغيير الاجتماعي اللازم لمواجهة التحدي الهائل الذي تشكله أزمة المناخ؟ مراجعة للماضي تتيح المجال للتفاؤل: لقد عرف البشر كيفية القضاء على نظام العبودية وما زالوا يتقدمون في طريق التغلب على التمييز ضد النساء. وبخصوص الاستعداد للتجند في مواجهة الأخطار شاهدنا مؤخرا التعامل مع أزمة كورونا. لدى البشر رغبة في العيش ولديهم أيضا إبداع هائل.

أنا لست ساذجا. أعرف العقبات الهائلة التي تنتظرنا، والمصالح القوية التي ستتضرر عقب التغيير وستحاول منعه. لذلك، لست متأكدًا من أننا سننجح. ولكن هذه معركة تستحق أن تخاض.

د. دوف حنين

محاضر في كلية الحقوق بجامعة تل أبيب. شغل منصب رئيس اللوبي البيئي في الكنيست، وقد عينه الرئيس هرتسوغ مؤخرًا رئيسّا لمنتدى المناخ الإسرائيلي

شاركونا رأيكن.م